تعرّف إلى أبرز الجهود الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي

6 دقائق
تعرّف إلى أبرز الجهود الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي
حقوق الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر

تتعرفون فيما يلي إلى الجهود الواعدة للغاية وتلك التي قد لا ترقى إلى المأمول فيما يخصُّ تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي حول العالم.

يُثير الحديث عن التشريعات الناظمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي حماسة كبيرة، فمنذ نجاح بوت الدردشة تشات جي بي تي (ChatGPT) الذي أطلقته شركة أوبن أيه آي (OpenAI)، شعر الجمهور بالذهول والقلق بشأن ما يمكن أن تفعله أدوات الذكاء الاصطناعي القوية هذه. رُوِّج الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره عامل تغيير موازين محتملاً فيما يخصُّ أدوات الإنتاجية وعمل المساعدين الإبداعيين، وعلى الرغم من ذلك فقد انتبهنا إلى الضرر الذي يمكن أن يسببه؛ إذ استُخدمت النماذج التوليدية لتوليد المعلومات المضللة، ويمكن أن تصبح أدوات لإزعاج الناس والاحتيال عليهم.

لذلك، شهدنا في الأسابيع الأخيرة دعوات من الجميع، ابتداءً بالرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا وصولاً إلى أعضاء مجلس الشيوخ وحتى القادة في اجتماع مجموعة الدول السبع، إلى وضع معايير دولية وحواجز حماية أقوى لضبط تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ما يدعو إلى التفاؤل أن صُنّاع السياسات ليسوا بحاجة إلى البدء من الصفر،  إذ حللنا 6 محاولات دولية مختلفة لتنظيم الذكاء الاصطناعي، وحددنا إيجابيات كلٍّ منها وسلبياته ووضعنا لها تقييماً تقريبياً يشير إلى مدى فاعليتها حسب اعتقادنا.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي: هل حان الوقت للحديث عن النفوذ بدلاً من مناقشة الأخلاقيات؟

اتفاقية ذكاء اصطناعي ملزمة قانونياً

تضع منظمة حقوق الإنسان، مجلس أوروبا (Council of Europe)، التي تضم 46 بلداً عضواً، اللمسات الأخيرة على معاهدة ملزمة قانونياً لتنظيم الذكاء الاصطناعي، وتتطلب المعاهدة من الموقعين اتخاذ خطوات لضمان تصميم الذكاء الاصطناعي وتطويره واستخدامه بطريقة تحمي حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، ويمكن أن تتضمن المعاهدة فرض حظر على التكنولوجيات التي تُمثّل خطراً على حقوق الإنسان، مثل تكنولوجيا التعرف على الوجه، وتوضّح الباحثة القانونية والفيلسوفة في كلية الحقوق بجامعة لوفان الكاثوليكية (KU Leuven Faculty of Law) ناتالي سموها، التي تقدّم المشورة للمجلس، أنه إذا سارت الأمور وفقاً للخطة، فقد تنتهي المنظمة من صياغة النص بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني.

الإيجابيات: تضم منظمة مجلس أوروبا العديد من الدول من خارج الاتحاد الأوروبي، ومنها المملكة المتحدة وأوكرانيا، كما دعت دولاً أخرى مثل الولايات المتحدة وكندا والمكسيك واليابان إلى طاولة المفاوضات، تقول سموها: "إنها دَفعَة مهمة".

السلبيات: يتعين على كل دولة المصادقة على المعاهدة فردياً ثم تنفيذها في القانون الوطني، الأمر الذي قد يستغرق سنوات، وهناك احتمال أن تتمكن البلدان من عدم الالتزام ببعض عناصر الاتفاقية التي لا تعجبها، مثل القواعد الصارمة أو الوقف الاختياري، وتقول سموها إن فريق التفاوض يحاول إيجاد توازن بين تعزيز الحماية وإقناع أكبر عدد ممكن من الدول بالتوقيع على الاتفاقية.

تقييم الفعالية: 3/5

اقرأ أيضاً: قد تكون مسألة التزييف العميق ممكنة الحل، ولكن ماذا عن “التزييف الضحل”؟

مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للذكاء الاصطناعي

في عام 2019، وافقت البلدان التي تنتمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) على اعتماد مجموعة من المبادئ غير الملزمة، تحدد بعض القيم التي ينبغي لعملية تطوير الذكاء الاصطناعي الارتكاز عليها. وفقاً لهذه المبادئ، يجب أن تتسم أنظمة الذكاء الاصطناعي بالشفافية وأن تكون نتائجها قابلة للتفسير وأن تعمل بطريقة سليمة وآمنة وموثوقة، وتتضمن آليات للمساءلة وتُصَمَّم بطريقة تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية والتنوع، وتسهم في النمو الاقتصادي.

الإيجابيات: وُضعت هذه المبادئ لتكون دستوراً لسياسة الذكاء الاصطناعي في الغرب، وأصبحت منذ ذلك الحين منطلقاً لمبادرات سياسة الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال من المرجّح أن يُعتمد التعريف القانوني الذي وضعته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للذكاء الاصطناعي في قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي، كما تعمل المنظمة أيضاً على تتبع اللوائح التنظيمية الوطنية للذكاء الاصطناعي ومراقبتها وإجراء أبحاث حول تأثيره الاقتصادي، ولديها شبكة نشطة من خبراء الذكاء الاصطناعي العالميين الذين يجرون أبحاثهم ويقدّمون أفضل الممارسات.

السلبيات: تقول سموها إن مهمة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بوصفها منظمة دولية لا تتمثل في التوصل إلى قواعد ناظمة بل في تحفيز النمو الاقتصادي، ويقول رئيس السياسة في منصة الذكاء الاصطناعي المسؤولة أرميلا (Armilla) فيل دوسون، إن ترجمة المبادئ العالية المستوى إلى سياسات قابلة للتطبيق تتطلب من فرادى البلدان الكثير من العمل.

تقييم الفعالية:  4/5

اقرأ أيضاً: ما الجديد بالنسبة للذكاء الاصطناعي في 2023؟

الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي

تأسست الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي (GPAI) عام 2020 من بنات أفكار رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بوصفها هيئة دولية تهدف إلى تبادل الأبحاث والمعلومات وتعزيز التعاون البحثي الدولي حول الذكاء الاصطناعي المسؤول والإعلان عن سياسات الذكاء الاصطناعي حول العالم، وتضم المنظمة 29 دولة، بعضها في إفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا.

الإيجابيات: تقول سموها إن قيمة منظمة الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي تكمن في قدرتها على تشجيع البحث والتعاون الدوليين.

السلبيات: دعا بعض خبراء الذكاء الاصطناعي إلى إنشاء هيئة دولية مماثلة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة، لتبادل المعرفة والأبحاث حول الذكاء الاصطناعي، وكانت منظمة الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي ملائمة لهذا الغرض، ولكن بعد أن اكتنف إطلاقها الكثير من الضجة والحماس، ظلت المنظمة بعيدة عن الأنظار ولم تنشر أي بحث في عام 2023.

تقييم الفعالية: 1/5

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصيغ قوانيننا؟

قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي

يضع الاتحاد الأوروبي اللمسات الأخيرة على قانون الذكاء الاصطناعي، وهو قانون شامل يهدف إلى وضع لوائح ناظمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي الأعلى خطورة، واقتُرح مشروع القانون لأول مرة عام 2021، ومن شأنه أن ينظّم استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم.

الإيجابيات: يُتيح هذا القانون محاسبة الجهات الخبيثة ومنع أسوأ تجاوزات الذكاء الاصطناعي الضارة من خلال فرض غرامات ضخمة ومنع بيع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي غير الممتثلة للقوانين واستخدامها في الاتحاد الأوروبي، وسينظّم القانون أيضاً الذكاء الاصطناعي التوليدي ويفرض بعض القيود على أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يُنظر إليها على أنها تخلق مخاطر "غير مقبولة"، مثل تكنولوجيا التعرف على الوجه، ويتمتع الاتحاد الأوروبي بميزة السبق من خلال مشروع القانون هذا، لأنه الوحيد الذي يمثّل لائحة شاملة لتنظيم الذكاء الاصطناعي. هناك فرصة كبيرة لأن ينتهي الأمر بأن يصبح نظام الاتحاد الأوروبي اللائحة الفعلية لتنظيم الذكاء الاصطناعي في العالم، لأن الشركات في الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي ترغب في العمل ضمن الكتلة التجارية القوية ستضطر إلى تعديل ممارساتها لتتوافق مع القانون.

السلبيات: تُثير عناصر عديدة من مشروع القانون، مثل حظر تكنولوجيا التعرف على الوجه وأساليب تنظيم الذكاء الاصطناعي التوليدي الجدل إلى حدٍ كبير، وسيواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطاً مكثّفة من شركات التكنولوجيا لتخفيفها، وسيستغرق الأمر بضعة أعوام على الأقل قبل أن يشق القانون طريقه عبر النظام التشريعي للاتحاد الأوروبي ويدخل حيز التنفيذ.

تقييم الفعالية: 5/5

اقرأ أيضاً: مؤسس آبل المشارك ستيف وزنياك يحذّر من تسهيل الذكاء الاصطناعي لعمليات الاحتيال

معايير القطاع التقني

يقول دوسون إن المعايير التقنية التي تضعها الهيئات المعنية سيكون لها دورٌ بالغ الأهمية في ترجمة اللوائح إلى قواعد مباشرة يمكن للشركات اتباعها. على سبيل المثال، بمجرد تمرير قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي، ستكون الشركات التي تفي بمعايير فنية معينة ملتزمة تلقائياً بالقانون، وهناك بالفعل العديد من معايير الذكاء الاصطناعي والمزيد منها قادم، إذ طوّرت المنظمة الدولية للمعايير (ISO) معايير للشركات فيما يخص إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي وتطويره وتقييم تأثيره.

الإيجابيات: تساعد هذه المعايير الشركات على ترجمة اللوائح المعقدة إلى تدابير عملية، ويقول دوسون إنه مع بدء البلدان كتابة قوانينها الفردية الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ستساعد المعايير الشركات على بناء منتجات متوافقة مع تشريعات متعددة.

السلبيات: معظم المعايير عامة ويصلح لمختلف القطاعات، لذلك ستكون على الشركات إعادة صياغتها لتتمكن من استخدامها في القطاع المحدد، ويقول دوسون إن هذا قد يمثّل عبئاً كبيراً على الشركات الصغيرة. إحدى نقاط الخلاف هو ما إذا كان على الخبراء التقنيين والمهندسين تولي صياغة القواعد المتعلقة بالمخاطر الأخلاقية، ويقول دوسون: "لدى الكثير من الناس مخاوف من أن السياسيين سيطرحون الكثير من الأسئلة الصعبة حول أفضل الممارسات لتطوير معايير القطاع التقني".

تقييم الفعالية: 4/5

اقرأ أيضاً: التداعيات الاجتماعية والأخلاقية لبوت الدردشة تشات جي بي تي في العالم العربي

الأمم المتحدة

تريد الأمم المتحدة، التي تضم 193 دولة في عضويتها، أن تكون المنظمة الدولية التي يمكنها دعم التنسيق العالمي بشأن الذكاء الاصطناعي وتسهيله، وفي سبيل ذلك، عيّنت المنظمة مبعوثاً تكنولوجياً جديداً عام 2021. في ذلك العام، اعتمدت وكالة الأمم المتحدة اليونيسكو والدول الأعضاء أيضاً إطاراً أخلاقياً طوعياً للذكاء الاصطناعي، إذ تتعهد الدول الأعضاء، على سبيل المثال، بتقديم تقييمات الأثر الأخلاقي والبيئي للذكاء الاصطناعي، وتضمن أن يعزز المساواة بين الجنسين وألّا يُستخدم للمراقبة الجماعية.

الإيجابيات: الأمم المتحدة هي الهيئة الوحيدة التي تتمتع بثقل في الساحة الدولية، فمن خلالها تمكنت بلدان جنوب الكرة الأرضية من التأثير في سياسة الذكاء الاصطناعي، وفي حين التزم الغرب بمبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كان لإطار العمل الذي وضعته اليونيسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي تأثيرٌ كبير في البلدان النامية، التي تعد حديثة العهد بهذا الموضوع. الجدير بالذكر أن الصين وروسيا، اللتين استُبعدتا إلى حدٍ كبير من مناقشات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الغربية، وقّعتا أيضاً على المبادئ.

السلبيات: تثور التساؤلات حول مدى صدق الدول في اتباع الإرشادات الأخلاقية الطوعية، إذ استخدم العديد من البلدان ومنها الصين وروسيا الذكاء الاصطناعي لمراقبة الناس، كما أن أداء الأمم المتحدة فيما يخصُّ التكنولوجيا يتسم بقصوره؛ فقد فشلت محاولتها الأولى للتنسيق التكنولوجي العالمي فشلاً ذريعاً، إذ أوقف الدبلوماسي الذي اختير مبعوثاً تكنولوجياً بعد 5 أيام فقط على إثر فضيحة تحرش، كما أن محاولاتها للتوصل إلى قواعد ناظمة لاستخدام الطائرات بدون طيار الفتاكة (المعروفة أيضاً باسم الروبوتات القاتلة) لم تحرز أي تقدم منذ سنوات.

تقييم الفعالية 2/5

المحتوى محمي