تمكّن الأطباء في مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال من إجراء عمل جراحي لطفل يعاني من حالة اندماج خطوط النمو في الجمجمة «تعظّم الدروز الباكر»، وذلك بالاستعانة بتقنيات الواقع الافتراضي.
تعظّم الدروز الباكر
يولد الأطفال بدون التحام تام لعظام الجمجمة، تسمى أماكن الالتحام «الدروز»، يسمح ذلك باستمرارية نمو الدماغ خلال فترة الرضاعة.
في حالات نادرة، يولد بعض الأطفال وقد انغلق واحد أو أكثر من هذه الدروز قبل نهاية مرحلة نمو الدماغ، ومع استمرار نمو الدماغ، يصبح شكل الرأس مشوهاً، وقد يؤدي ذلك إلى خلل النمو، وضعف إدراكي، والعمى، والموت في حالات نادرة. تُسمى هذه الحالة «تعظّم الدروز الباكر».
يتضمن العلاج إجراء جراحة لتصحيح شكل الرأس والسماح بالنمو الطبيعي للدماغ. على الرغم من أن الضرر العصبي يمكن أن يحدث في الحالات الشديدة، فإن معظم الأطفال يتمتعون بنمو إدراكي طبيعي ويحققون نتائج تجميلية جيدة بعد الجراحة.
في الجراحة، يقوم الجرّاح بعمل شق في فروة الرأس والجمجمة، ثم يعيد تشكيل الجزء المصاب منها، ويثبت الجمجمة باستخدام صفائح ومسامير قابلة للامتصاص. ويكون نقل الدم ضرورياً في هذه الجراحة.
اقرأ أيضاً: كيف ستغير أجهزة إنترنت الأجسام حياتنا؟
الواقع الافتراضي يُسهل جراحة تعظّم الدروز الباكر
وُلد الطفل آرتشي مع حالة تعظّم الدروز الباكر، وحين بلغ شهره السادس، وقف والداه أمام اتخاذ قرار صعب للغاية، إما إجراء العمل الجراحي المعقد والخطير، أو ترك طفلهما على حاله، في مواجهة الآثار الجسدية والنفسية التي قد يتعرض لها مستقبلاً. ونقل موقع «بي بي سي» القصة التي عاشها الطفل وعائلته.
عرضت مستشفى جريت أورموند ستريت على والدي آرتشي استخدام منصة ذكاء اصطناعي جديدة ورائدة تتنبأ بنتائج العملية في الواقع الافتراضي، وتُمكّنهما من رؤية التغييرات التي ستحدث في جمجمة الطفل مسبقاً.
بدايةً، استطاع والدا آرتشي رؤية رأس طفلهما الذي أُعيد تشكيله في الواقع الافتراضي، بناءً على تقنية التصوير المقطعي المحوسب. أيضاً، كان بإمكانهما رؤية ما سيكون عليه شكل جمجمة الطفل بعد العملية، وإجراء مقارنة بين قبل وبعد العملية، حتى قبل حدوثها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن في هذه الحالة أن يقدم الأبوان اقتراحاتهما للجراح قبل العمل الجراحي. إذ يقول الطبيب الذي أجرى الجراحة «نور العواس جيلاني»، استشاري جراحة أعصاب الأطفال في المستشفى، إن التكنولوجيا تعني أن الزوجين لديهما صورة أوضح لما يخبئه المستقبل، وهذا أكثر مما يعرفه الآباء عادة عن عمل جراحي كهذا.
طمأن هذا الأمر والديّ الطفل، لأنهما عرفا ما سيحدث لطفلهما، قبل الجراحة. لذا قررا، بعد بضعة أسابيع، إجراء الجراحة للطفل.
تضمنت العملية إدخال زنبرك صغير في جمجمته، يبدأ على الفور في تصحيح شكل رأسه. وتم أيضاً توضيح موضعه وتأثيره في بيئة الواقع الافتراضي. وعمل الأطباء على إزالته بعد 4 أسابيع.
ساهمت هذه التقنية في تقليل وقت العملية من 3 ساعات إلى 40 دقيقة فقط، وخفضت الحاجة إلى نقل الدم بنسبة 90%.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه التقنية لكنها ليست المرة الأولى التي تُجري فيها مستشفى جريت أورموند ستريت عملية جراحية بالاستعانة بتقنيات الواقع الافتراضي.
اقرأ أيضاً: امرأة تخضع لتجربة غرسة دماغية ترسل نبضات كهربائية عندما تشعر بالاكتئاب
مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال وتقنية الواقع الافتراضي
في عام 2018، افتتحت مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال وحدة جديدة لاستخدام التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، في الرعاية الصحية وتحسين النتائج التي يحصل عليها المرضى. وهي الأولى من نوعها في العالم، يُجرى فيها الأبحاث الرقمية والمعلوماتية والبيئات الافتراضية.
وفي عام 2019، أطلقت المستشفى تجربة الواقع الافتراضي على مجموعة متنوعة من الأجهزة الرقمية المتوافقة، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر المكتبية والأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة. يمكن للمرضى وأسرهم استخدامها، فهي تركز على التجربة التي يمكن أن يتلقوها في المستشفى، وهي أداة مفيدة للمرضى الصغار الذين يرغبون في التعرف على المستشفى.
إعادة بناء قلب
إحدى الحالات التي استخدمت فيها المستشفى تقنية الواقع الافتراضي كانت إعادة بناء قلب يافع يبلغ من العمر 15 عاماً، يُعاني من اضطراب وراثي يؤثر على النسيج الضام في الجسم، وهو نسيج له دور مهم في مساعدة الجسم على النمو والتطور بشكل صحيح. يعاني المريض من حالة قلبية مرتبطة بهذا الاضطراب، ويحتاج لعملية جراحية لاستبدال الشريان الرئيسي في الجسم.
استخدم الفريق الطبي والبحثي المشرف على علاجه تقنية النمذجة ثلاثية الأبعاد للقلب، ثم النظر إليها باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي. إذ تمكن الأطباء من من فهم أكبر لتشريح قلب المريض، ومن ثم التخطيط للجراحة في العالم الافتراضي.
من الفوائد التي يجنيها الطب من هذه التقنية، بناء مكتبة افتراضية لنماذج لأمراض القلب الخلقية الأكثر شيوعاً يستفيد منها طلاب الطب والمتدربون الشباب في دراساتهم، وفي مساعدتهم على فهم المزيد عن الحالة. أما بالنسبة للمريض، ساعده الواقع الافتراضي على فهم حالته أكثر.
فصل التوأم الملتصق
نجح فريق من الأطباء في مستشفى جريت أورموند ستريت، في فصل توأم سيامي ملتصق من الجزء العلوي من الرأس، وذلك بعد إنشاء نسخة طبق الأصل من رأسيهما في الواقع الافتراضي، مما سمح للجراحين بفهم تشريح الرأسين المعقد بشكل أفضل. استخدمت الفرق الطبية هذه التقنية لتصور دماغيّ التوأم، وجمجماتهما، وشبكة الأوعية الدموية فيهما، مما ساعدهم على تخطيط أفضل لجراحة الفصل.
أيضاً، استطاع الأطباء والباحثون طباعة نماذج ثلاثية الأبعاد لدماغي الطفلين وأوعيتهما الدموية وأغشية الدماغ، وذلك بالاستعانة بصور الرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي المحوسب، ما سمح للأطباء بممارسة الإجراءات والتخطيط للمكان الذي يجب إجراء عملية الفصل فيه.