تقرير خاص

ثورة مهارات الذكاء الاصطناعي التوليدي: رؤية جديدة لإعادة تشكيل استراتيجيات تنمية المواهب في عصر التحول الرقمي

11 دقيقة
حقوق الصورة: ماكنزي

ملخص: تعتمد قدرة المنافسة في الاقتصاد الرقمي اليوم على مدى نضج الخدمات والمنتجات البرمجية التي تقدمها الشركات، تلك التي تُضفي القيمة وتبتكر وتحافظ على ريادتها. وتؤكد الأرقام ذلك؛ فقرابة 70% من الشركات المتفوقة، مقارنة بنصف عدد منافساتها، تعتمد على البرمجيات كأداة للتميّز في السوق، بل إن ثُلث تلك الشركات تحقق أرباحاً مباشرة من برمجياتها. والآن، مع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، تضاعفت الفرص لاستخدام البرمجيات بشكلٍ كبير لدفع النمو وتحسين الكفاءة. لفهم كيف سيحوّل الذكاء الاصطناعي التوليدي تطوير البرمجيات، علينا أولاً فهم كيف سيؤثّر في كل مرحلة من دورة حياة تطوير المنتج. وتؤكد دراسة حديثة من ماكنزي أن الذكاء الاصطناعي التوليدي له تأثير إيجابي مضاعف تقريباً في المهام ثقيلة المحتوى؛ مثل تلخيص المعلومات، وإنشاء المحتوى، والعصف الذهني، مقارنة بالمهام الأخف تقنية، مثل وضع تصور. كما أنه يتطلب من الكوادر تعلم مهارات لكل مرحلة من العمل، من مراجعة الأكواد، والربط والتصميم بالنسبة للمهندسين. وكيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والأمان والثقة بالنسبة لمدراء المنتجات.

لم يعد تطوير المواهب البرمجية التي تطلبها الشركات لتحقيق النمو مرتبطاً بالأدوار الوظيفية الثابتة، بل أصبح يتطلب نظرة جديدة تركّز على تنمية المهارات اللازمة لمواجهة فترة جديدة من عدم اليقين فيما يتعلق بالكوادر البشرية المطلوبة.

أضحت العبارة الشائعة "كل شركة هي شركة برمجيات" أكثر صدقاً اليوم من أي وقتٍ مضى. ويبقى السؤال الحاسم: هل تملك شركتك منظومة برمجيات فعّالة؟ قد تحدد الإجابة عن هذا السؤال أي الشركات تزدهر وأيها تتلاشى في غياهب النسيان.

تعتمد قدرة المنافسة في الاقتصاد الرقمي اليوم على مدى نضج الخدمات والمنتجات البرمجية التي تقدمها الشركات، تلك التي تُضفي القيمة وتبتكر وتحافظ على ريادتها. وتؤكد الأرقام ذلك؛ فقرابة 70% من الشركات المتفوقة، مقارنة بنصف عدد منافساتها، تعتمد على البرمجيات كأداة للتميّز في السوق، بل إن ثُلث تلك الشركات تحقق أرباحاً مباشرة من برمجياتها. والآن، مع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، تضاعفت الفرص لاستخدام البرمجيات بشكلٍ كبير لدفع النمو وتحسين الكفاءة. 

تشير التجارب المبكرة الواعدة إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يسرّع مهام البرمجة ويحسّن إنتاجية إدارة المنتجات بنسبة 40%، وهو لا يعزز الإنتاجية فحسب، بل يسرّع أيضاً من إنشاء كود أفضل، غالباً في نصف الوقت الذي كان يستغرقه سابقاً. وعلى سبيل المثال، شهدت شركة آي بي إم للبرمجيات قفزات في الإنتاجية بنسبة 30 إلى 40% بين مطوريها الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي.

على الرغم من الآفاق الواعدة، لا تزال الشركات في أولى خطواتها على هذا الطريق. فبينما ذكر نحو 65% من المشاركين في استقصاء ماكنزي العالمي بشأن الذكاء الاصطناعي أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي، أفاد 13% فقط بأنهم يطبقونه بشكلٍ منهجي في مجال هندسة البرمجيات. والأدوات المتاحة حالياً لا تغطي سوى 10% إلى 20% من مهام البرمجة، ما يعني أن القدرات الكامنة لهذه التكنولوجيا لم تُستغل بعد بالكامل. 

لتحقيق كامل الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب على الشركات الشروع في إعادة هيكلة جذرية لعملياتها، مع التركيز على تحسين المهارات وتطوير المواهب بشكلٍ منهجي. ومن المتوقع أن تتضح معالم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ أكبر، وكيفية استخدام فرق البرمجيات له في بناء المنتجات والخدمات، في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام مقبلة. ولكن فترة التغيير هذه تتطلب نهجاً جديداً لإدارة المواهب، نهجاً يفضل قدرات التكيف واكتساب المهارات على الأدوار الوظيفية الثابتة. 

للمساعدة في التخطيط الناجح لهذه الاستراتيجية، يتناول هذا المقال المهارات الجديدة التي تحتاج إليها فرق البرمجيات، وتأثير تطوير هذه المهارات في الأدوار الوظيفية والتحديات المرتبطة بها، وكيفية توجيه استراتيجيات إدارة المواهب نحو تعزيز المرونة وسرعة التكيف. ويدرس المقال تأثير تطويرها في تغيير الأدوار ونوعية المخاطر، ويكشف كيف يمكن للشركات توجيه ممارسات إدارة المواهب نحو صقل المهارات من أجل مزيد من المرونة وسرعة الاستجابة.

الوجه المتغير لتطوير البرمجيات

لفهم كيف سيحوّل الذكاء الاصطناعي التوليدي تطوير البرمجيات، علينا أولاً فهم كيف سيؤثّر في كل مرحلة من دورة حياة تطوير المنتج. (الشكل) وتؤكد دراسة حديثة من ماكنزي أن الذكاء الاصطناعي التوليدي له تأثير إيجابي مضاعف تقريباً في المهام ثقيلة المحتوى؛ مثل تلخيص المعلومات، وإنشاء المحتوى، والعصف الذهني، مقارنة بالمهام الأخف تقنية، مثل وضع تصور.

حقوق الصورة: ماكنزي

ونحن نرى بالفعل تعامل الذكاء الاصطناعي التوليدي مع البرمجة الأساسية، وصياغة الأكواد، وتوثيقها. ولكن هذا مجرد البداية، كما أن المهام الأكثر تعقيداً مثل توليد حالات الاختبار، وأتمتة فحص السجلات، وحتى تقدير تأثير الأخطاء، في متناولنا اليوم. 

لفهم كيف سيحوّل الذكاء الاصطناعي التوليدي تطوير البرمجيات، علينا أولاً فهم كيف سيؤثّر في كل مرحلة من دورة حياة تطوير المنتج.

ومع مرور الوقت، سيكون الذكاء الاصطناعي التوليدي قادراً على توليد رؤى من ملاحظات المستخدمين، وبيانات الأداء، وسجلات النظام لإنشاء إثباتات للمفهوم بشكلٍ أسرع، وتقليل تكلفة الاختبار، وتحسين جودة الأكواد، ويكفل ثقة أكبر في التحقق منها. وسوف تقلص هذه التطورات دورة حياة تطوير المنتج من أشهر إلى أسابيع قليلة، أو حتى أيام، مع تحسين جودة الكود، وخفض الدين التقني؛ أي الأعمال الإضافية الناجمة عن تأجيل مهام صيانة البرامج أو استخدام تصاميم أو تعليمات برمجية غير مطابقة لمعايير وممارسات الجودة. 

مهارات مختلفة لعصر جديد

يدرك قادة الشركات أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي يتطلب مهارات جديدة، ولكنهم يجدون صعوبة في إحداث هذا التغيير لأن معظمهم لا يفهم تماماً الكيفية التي يحقق بها الذكاء الاصطناعي التوليدي قيمة لأعمالهم. وبالتالي، يقبل كثيرون على شراء تراخيص استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي دون الإحاطة بالمكاسب المحتملة من ذلك، أو تدريب المطورين على استخدامها بكفاءة، ما يؤدي إلى نتائج سيئة.

ولتحقيق هذه الفوائد بالكامل، يجب على الشركات تغيير طبيعة عمل الموظفين وإكسابهم المهارات المطلوبة في إدارات الشركة كافة. ويعني هذا احتياج الجميع؛ بدايةً من علماء البيانات وصولاً إلى موظفي خدمة العملاء، إلى تعلم مهارات جديدة. ولكن على الشركات التي ترغب في العمل مثل شركات البرمجيات أن تولي اهتماماً خاصاً بدورين: المهندسون ومدراء المنتجات.

1. المهندسون

في هذا العالم الجديد، يحتاج المهندسون إلى صقل مهارات تندرج في ثلاثة مجالات رئيسية:

  • مراجعة الأكواد. مع تولي الذكاء الاصطناعي التوليدي مهام صنع الأكواد، سوف يحتاج دور المهندس من منفذ إلى مراجع. لكن مراجعة الأكواد ليست بالبساطة التي تبدو عليها، حيث يحتاج المراجع الكفؤ إلى فهم السياق الأوسع الذي ستعمل فيه تلك الأكواد؛ أي كيف تتفاعل مع الأنظمة الأخرى وتتوافق مع المستودعات الحالية، وضمان القابلية للصيانة. وهو ما يتطلب تطوير مهارات التحليل المتقدمة لتشخيص المشكلات. وبينما قد يمتلك المهندسون أصحاب الخبرة هذه المهارات بالفعل، سيحتاج المطورون الأصغر سناً إلى تعلمها. علاوة على ذلك، سيحتاج المهندسون إلى المساعدة على "تدريب" أدوات الذكاء الاصطناعي العام، وتعليمها التحسن بمرور الوقت -وهي مهمة تتطلب كلاً من المعرفة التقنية وحل إبداعي للمشكلات. فبطريقة ما، يشبه ذلك تعليم موظف جديد كيفية أداء وظيفته، باستثناء أن الموظف في هذه الحالة هو الآلة.
  • الربط. إن دمج مساعدي الذكاء الاصطناعي مع الأنظمة الأخرى بالشركة مهارة حاسمة للمهندس، لتحسين سرعة حل المشكلات ودقتها. وتستخدم بعض الشركات أنظمة الذكاء الاصطناعي المطبقة لتحليل أداء المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي التوليدي وتغذية هذه البيانات مرة أخرى في النماذج لتحسين مخرجاتها. فعلى سبيل المثال، طوّرت شركة Recursion، وهي شركة مختصة بالتكنولوجيا الحيوية، منصة جديدة للذكاء الاصطناعي التوليدي، تُمكِّن العلماء من الوصول إلى نماذج متعددة للتعلم الآلي يمكنها معالجة كميات كبيرة من مجموعات البيانات البيولوجية والكيميائية التي تمتلكها الشركة. فيجب أن يتعلم المهندسون دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي مع الأدوات التقليدية، واختيار النماذج المناسبة للمهام المناسبة وضمان التعاون والتنسيق السلس بين الأنظمة المختلفة.
  • التصميم. مع تولي الذكاء الاصطناعي التوليدي المزيد من مهام البرمجة الروتينية، سيحظى المهندسون بفرصة لتطوير مهارات أعلى مستوى، حيث يمكنهم التركيز على الأنشطة ذات القيمة الأعلى، مثل تصميم واجهات المستخدم، وتطوير أطر العمل البرمجية، وفهم الأهداف التجارية الأوسع. سيتطلب هذا التحول مستوى جديداً من التواصل والتعاون، حيث يتفاعل المهندسون بشكلٍ مباشر أكثر مع فرق القيادة، والزملاء، والعملاء لترجمة الاحتياجات التجارية إلى حلول تقنية. وبعبارة أخرى، سيتعين عليهم البدء بالتفكير مثل المصممين.

2. مدراء المنتجات

بالنسبة لمدراء المنتجات، يتطلب الانتقال إلى عالم يقوده الذكاء الاصطناعي التوليدي تحولاً مشابهاً في المهارات في المجالات التالية: 

  • استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي. على مدراء المنتجات اكتساب مهارات جديدة لإجادة التعامل مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي. وقد قيمت إحدى شركات الأجهزة/البرمجيات مهارات موظفيها التقنيين ووجدت أن مدراء المنتجات يحتاجون إلى القدر نفسه من المهارات في مجال الذكاء الاصطناعي مثلهم مثل أي وظيفة أخرى. وعليهم التمرس بأدوات البرمجة المنخفضة الأكواد والبرمجة بدون أكواد، واعتماد أطر عمل لإدارة نماذج اللغة الكبيرة، مع وضع تكلفة تشغيل النماذج للاستدلالات في الاعتبار.
  • الاعتماد والثقة. سيكون المجال الحاسم لمدراء المنتجات هو تعزيز الثقة في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، سواء داخل فرقهم أو لدى أصحاب المصلحة. وهذه الثقة أساسية في قبول التكنولوجيا الجديدة. فيجب أن يتبنّى مدراء المنتجات نهجاً قائماً على التعاطف لتحديد ومعالجة المخاوف بشأن موثوقية الحلول التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، مع ضمان وجود استراتيجيات لتخفيف المخاطر. ومع تولي الذكاء الاصطناعي المزيد من المسؤولية في دورة حياة تطوير المنتجات، تزداد الحاجة إلى تعاون مدراء المنتجات مع خبراء إدارة المخاطر.  

أدوار جديدة، وأخرى تندمج، مع تزايد أهمية دور القيادة

سوف تؤثّر المهارات الجديدة اللازمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في كيفية عمل الأفراد في وظائفهم وما يقومون به، ما يُثير تساؤلات مهمة حول كيفية تكييف الأدوار الوظيفية وما هي الرقابة التي يجب أن توفّرها القيادة.

أدوار تظهر، وأخرى تندمج

مع مساعدة الذكاء الاصطناعي للفرق على أن تكون أكثر إنتاجية، من المغري الاعتقاد بأن الفرق ستتقلص حجماً. ولكن هذا ليس بالضرورة الحال. في الواقع، قد نرى الفرق تتوسع عدداً مع اكتشاف الشركات طرقاً جديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي لإنجاز المزيد من المهام. ويمكننا أن نتوقع أن تستوعب الأدوار مسؤوليات جديدة؛ مثل مهندسي البرمجيات الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتولي أنشطة الاختبار، وأن تندمج بعض الأدوار مع أدوار أخرى. فعلى سبيل المثال، قد يتلاشى الخط الفاصل بين مدراء المنتجات والمطورين، حيث يبدأ كلاهما باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للتعامل مع المهام كلّها، من النماذج الأولية إلى توليد الأكواد.

في كثيرٍ من الأحيان، تركّز المناقشات في كثيرٍ من الأحيان على الأدوار التي تستمر وتلك التي ستخرج، في حين أن الواقع من المرجّح أن يكون أكثر دقة وتشابكاً.

كما ستظهر أدوار جديدة. فمع تزايد القلق بشأن أمان الذكاء الاصطناعي ومسؤولية البيانات، سوف تحتاج الشركات إلى أشخاص يمكنهم إدارة هذه المجالات. ومع تخصص أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر، سنرى أدواراً جديدة تركّز على اختيار وإدارة نماذج اللغة الكبيرة، وتدريب مساعدي الذكاء الاصطناعي التوليدي، والإشراف على أداء النماذج.

ونتوقع أن تتسارع وتيرة التغيير في مشهد المهارات التقنية، ما يتطلب من فرق الموارد البشرية والفرق التقنية أن تصبح أكثر استجابة في تحديد (وإعادة تحديد) كيفية تجميع المهارات في الأدوار الوظيفية.

إشراف قوي 

كما الحال مع أي تحول تكنولوجي كبير، سيكون للقادة دورٌ حاسم في توجيه الشركات نحو النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي. وستكون هناك حاجة مُلحّة لتوحيد المعايير عبر إدارات الشركة بأكملها، إلى جانب اتخاذ خطوات حاسمة لإدارة المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا الجديدة.

  • توحيد المعايير. مع تجربة الفرق لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، من السهل أن تصبح الشركات غارقة في تطبيق الأدوات وتشغيل المنصات والهياكل. فيجب على القادة توحيد معايير قدرات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وضمان الاتساق في الأدوات والنماذج والعمليات عبر الشركة. وسيتعين على القيادات اتخاذ قرارات استراتيجية حول كيفية بناء قدرات الذكاء الاصطناعي داخلياً، أو استقدامها من الخارج، أو الدخول في شراكات، للاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي بفهمٍ واضحٍ لطبيعة المهارات المتاحة والكفاءات المطلوبة.
  • المخاطر. يجلب الذكاء الاصطناعي فرصاً مذهلة، ولكنه يفرض مخاطر أيضاً. فيجب على القادة وضع إرشادات واضحة حول كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وضمان تدريب الفرق على فهم هذه المخاطر. وقد لا تحتاج فرق البرمجيات إلى أن تصبح خبراء في المخاطر، ولكن يجب أن يكون لديهم فهمٌ أساسي للمخاطر المرتبطة بالمحتوى الذي يولّده الذكاء الاصطناعي. ويجب على القادة وضع إرشادات واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي ودمج الضمانات في عملية التطوير البرمجي (مثل SonarQube أو Checkmarx أو Coverty)، ما يجعل الوعي بالمخاطر جزءاً لا يتجزأ من سير العمل لكل فريق. وتقدّم بعض الشركات حوافز لتشجيع موظفي المكاتب الأمامية على التفاعل مع أدوات الذكاء الاصطناعي وفهم مخاطرها وحدودها. ونظراً لأن المخاوف المتعلقة بالمخاطر والامتثال تتغير بسرعة تغير الذكاء الاصطناعي التوليدي نفسه، فيجب على القيادة الاستثمار في أدوات لاختبار التعليمات البرمجية تلقائياً مقابل سياسات محددة (أي أن تكون السياسة كوداً من الأكواد).

تحول في إدارة المواهب: من الأدوار إلى المهارات

لن تتمكن الأنظمة التقليدية لإدارة الموارد البشرية، التي تعتمد على أدوار وظيفية صارمة ومسارات مهنية ثابتة، من الصمود في وجه التحولات التقنية المتسارعة التي يجلبها الذكاء الاصطناعي التوليدي. والطبيعة المنظمة للغاية لأنظمة الموارد البشرية في الشركات الحديثة، الأدوار المرسومة بإحكام مع كفاءات محددة جيداً، والمسارات الوظيفية القديمة، ومستويات المكافآت الثابتة، ومسارات التعلم الرسمية، قد كافحت بالفعل لمواكبة التغييرات التي تحركها القدرات الرقمية. فهي لا تتطابق مع الطبيعة المتقلبة للذكاء الاصطناعي التوليدي.

وعلى قادة الموارد البشرية، إلى جانب الرؤساء التنفيذيين وقادة التكنولوجيا، تطوير خطة استراتيجية للقوى العاملة تركز على صقل المهارات اللازمة، والتخطيط الاستراتيجي لقوة العمل، ورفع قدرات التدريب المهني، لتحقيق أهداف الشركة. 

تأسيس التخطيط الاستراتيجي لقوة العمل على احتياجات الشركة والمهارات

ينطلق تحويل إدارة المواهب من قادة الموارد البشرية ووضع خطة قوة عمل استراتيجية قائمة على المهارات. وغالباً ما تركز الشركات على الأدوار أثناء هذا التخطيط، ولكن هذا غير كافٍ. فلا يفيد تحديد الحاجة إلى منصب مهندس برمجيات أو مهندس بيانات أول، على سبيل المثال، في وجود أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تتولى المهام وليس الأدوار. 

لا يستطيع قادة الموارد البشرية تحقيق ذلك بمفردهم؛ إذ يتطلب الأمر تعاوناً مع قادة الأعمال لفهم الأهداف الأساسية، مثل الابتكار، وتحسين تجربة العملاء، وزيادة الإنتاجية، لتوجيه جهود تطوير المواهب بشكل فعال. من خلال هذه الرؤية الواضحة، يمكنهم وضع خطة استراتيجية لتلبية احتياجات المواهب المستقبلية.

يُعد هذا التعاون ضرورياً لتطوير قائمة شاملة بالمهارات، ما يوفر للشركات قاعدة بيانات دقيقة تساعدها على تقييم المهارات المتاحة لديها، وتحديد المهارات التي تحتاج إلى تطويرها، بالإضافة إلى تلك التي يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي العامة أن تغطيها. يجب أن يُبنى تصنيف المهارات على لغة واضحة ومتسقة تُطبق على مستوى المؤسسة، كما ينبغي أن يعكس مستويات الخبرة المختلفة، وأن يتم تنظيمه وفق هيكل هرمي يُسهل عملية إدارة المعلومات.

يبدأ تحول المواهب عندما يضع قادة الموارد البشرية خطة استراتيجية للقوى العاملة قائمة على تطوير المهارات. 

سيعتمد النجاح النهائي لهذا النهج على معاملة المهارات كبيانات ديناميكية بدلاً من سجل ثابت. فلكي تكون فعالة، يجب على الشركات التعامل مع المهارات كبيانات قابلة للتحليل بدلاً من مجرد وثائق. من خلال تصنيف المهارات وربطها بعلامات مثل مستويات الخبرة، يمكن للشركات إدخالها في قاعدة بيانات واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والنماذج اللغوية الكبيرة لتحديد العلاقات بين المهارات. هذا النهج يتيح إعادة تأهيل الموظفين، وتحديد أولويات تطوير المهارات الضرورية، بالإضافة إلى تمكين تخطيط القوى العاملة لتلبية احتياجات المهارات المحددة وفقاً للبرنامج أو الفريق، وتطوير برامج تعليمية مخصصة.

من الأمثلة على ذلك، شركة تعمل في مجال علوم الحياة تستخدم أداة ذكاء اصطناعي لاستنباط المهارات بهدف إنشاء رؤية متكاملة لمهارات مواهبها الرقمية. وتقوم الأداة بتحليل الوظائف الشاغرة، ووصف الأدوار، وبيانات الموارد البشرية المرتبطة بها، وملفات لينكدإن، بالإضافة إلى منصات داخلية أخرى مثل Jira ومستودعات الأكواد، بهدف تطوير تصور دقيق حول المهارات المطلوبة لكل دور. بعد ذلك، يُتاح للموظف مراجعة المهارات وتأكيد ما إذا كان يمتلكها والكفاءات اللازمة. بمجرد التأكيد، تُضاف المهارات إلى ملفات الأفراد الشخصية وإلى قاعدة بيانات مهارات الشركة لاستخدامها في التقييمات مستقبلاً.

لتكون هذه الطريقة في تخطيط القوى العاملة الاستراتيجي فعالة، يجب على الشركات قياس التقدم باستمرار في تحديد الفجوات المهارية ومراجعة الاستراتيجية بشكل دوري لتقييم ما إذا كانت هناك احتياجات جديدة، خصوصاً مع ظهور أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة. يجب على فرق الموارد البشرية التعاون مع قادة الهندسة لتقييم الأدوات المتاحة وفهم المهارات التي يمكن استبدالها، وكذلك تحديد التدريب الجديد المطلوب.

نموذج جديد للتدريب المهني: التعلم العملي لعصر جديد

لا يوجد مسار واحد ثابت لتحقيق النجاح في العثور على المواهب التي تحتاجها الشركة والحفاظ عليها. من خلال تجربتنا، نجد أن الشركات بحاجة إلى اعتماد مجموعة متنوعة من استراتيجيات المواهب، بدءاً من ممارسات توظيف تركز على العملاء وصولًا إلى مسارات تدريب مخصصة. ومع تسارع وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي العام والغموض المحيط بالمهارات المستقبلية المطلوبة، يجب أن يحتل تطوير المهارات الجديدة أولوية قصوى. أحد التحديات الرئيسة في تطوير برامج تحسين المهارات هو غياب الممارسات المثلى المدونة، بالإضافة إلى المقاومة المحتملة من العاملين لتعلم مهارات جديدة. فعلى سبيل المثال، قد يكون المهندس مهتماً بتحسين كفاءته في البرمجة، لكن قد يرى أن تعلم مهارات أخرى مثل التواصل الفعال أو تطوير قصص المستخدم أقل أهمية أو حتى يشكل تهديداً.

لهذا السبب، يجب على الشركات أن تولي اهتماماً خاصاً لنماذج التدريب العملي، التي غالباً ما يتم إهمالها في استراتيجيات تطوير المهارات. يُتيح التدريب العملي تعلماً مباشراً يزيل الغموض عن التغيير ويقدّم أمثلة عملية على المهارات التي يصعب تعليمها، مثل عقلية حل المشكلات واستخدام الحكم السليم في تقييم الشيفرة. ولكن لكي يكون التدريب العملي فعّالاً، يجب أن يشارك الخبراء أصحاب الخبرة بشكل نشط، وليس كالتزام شكلي. فهم يمتلكون المصداقية والمعرفة المؤسسية التي تسهم في حل المشكلات الفريدة، مثل إدارة المخاطر المتعلقة بالشركة. على هؤلاء الخبراء كتابة الأكواد ومراجعتها مع الزملاء الأقل خبرة، ومراقبتهم في أثناء العمل، وكذلك تنظيم زيارات للتعرف على كيفية تفاعل الفرق مع الذكاء الاصطناعي العام، كما يمكنهم العمل كموجهين لتعليم المهارات الجديدة، مثل تقسيم المشكلات، تحقيق الأهداف التجارية، فهم احتياجات المستخدم النهائي ونقاط المشكلات، وطرح الأسئلة المناسبة.

لضمان نجاح برامج التدريب المهني، يجب على الشركات تقديم حوافز من خلال دمج التدريب ضمن تقييم الأداء وتخصيص الوقت الكافي للأفراد للمشاركة. فعلى سبيل المثال، جعلت إحدى شركات الصوتيات التدريب المهني جزءاً أساسياً من برنامج التعلم الخاص بها. حيث نظمت معسكراً تدريبياً يغطي مهارات الذكاء الاصطناعي العامة لنحو اثني عشر مهندساً من ذوي الأداء العالي الذين تطوعوا للمشاركة. في المقابل، كان مطلوباً من المشاركين نقل معرفتهم عبر تدريب الآخرين. وافق كل مهندس منهم على قيادة معسكر تدريبي لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام لمجموعة من عشرة إلى خمسة عشر مهندساً، يعقب ذلك جلستان أسبوعيتان لمدة ثلاثة أشهر، يتم خلالها تبادل المعرفة وطرح الأسئلة.

نحن على أعتاب ثورة جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي التوليدي، وسيكون المستقبل حليفا لأولئك الذين يتمكنون من التكيُّف مع هذا التحول السريع. ويجب على الشركات أن تتقن استخدام الأدوات الجديدة، وتعمل على صقل المواهب القادرة على الاستفادة من إمكانات هذه الأدوات إلى أقصى حد. وعلى الرغم من أن الطريق قد لا يكون سهلاً، فإن الشركات التي تتبنّى استراتيجية مواهب قائمة على المرونة والتعلم المستمر، والدمج السلس للذكاء الاصطناعي في سير العمل البشري، ستكون في موقع مثالي للازدهار في هذا العصر الجديد.

المحتوى محمي