كيف أصبح توطين صناعة الرقائق مسألة أمن قومي بالنسبة للولايات المتحدة؟

3 دقائق
كيف أصبح توطين صناعة الرقائق مسألة أمن قومي بالنسبة للولايات المتحدة؟
حقوق الصورة: بيكساباي.

في العالم الذي تسيطر عليه الأجهزة الإلكترونية، تأثرت كل الصناعات تقريباً بالنقص العالمي في الرقائق الإلكترونية، هذه الرقائق التي يعادل حجمها حجم العملات المعدنية، تعتبر ضرورية ولا غنى عنها في السيارات والحواسيب والهواتف الذكية والتلفزيونات الذكية وغيرها من الأجهزة.

ظهرت أزمة نقص الرقائق بعد انتشار وباء كوفيد-19، الذي أجبر الكثير من الناس على البقاء في منازلهم، فازداد الطلب على الحواسيب والهواتف الذكية من أجل الترفيه أو العمل أو الدراسة عن بعد، وأصبحت الشركات المنتجة للرقائق عاجزة عن تلبية الطلب الكبير. أدى ذلك في النهاية إلى توقف العديد من المصانع عن العمل.

لقد كشفت أزمة الرقائق الإلكترونية عن فشل المسؤولين السياسيين والاقتصاديين والخبراء التقنيين ورجال الأعمال في توقع هذا النقص وتداعياته على الاقتصاد العالمي، كما كشفت كيف أن الصناعات في الولايات المتحدة الأميركية تعتمد على الرقائق الإلكترونية التي تصنع في دول أخرى، تحديداً في شرق آسيا.

في يناير/كانون الثاني 2022، نشرت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو مقالاً على مدونة الوزارة قالت فيه إن حل أزمة الرقائق هو ضرورة اقتصادية وأمنية وطنية. شاركت الوزيرة أيضاً في المقال بيانات حول هشاشة سلسلة توريد أشباه الموصلات، ودعت الكونغرس إلى الموافقة على مشروع الرئيس جو بايدن لصناعة الرقائق محلياً، ومنح التمويل اللازم لهذا المشروع الذي تقدر تكلفته بـ 52 مليار دولار.

اقرأ أيضاً: حاسوب عملاق جديد يعيد الصدارة للولايات المتحدة في مجال الحوسبة الفائقة

جزء أساسي من كل جهاز نستخدمه

لشرح أهمية الرقائق الإلكترونية في عصرنا، قال موريس كوهين، وهو أستاذ التصنيع واللوجستيات في قسم العمليات والمعلومات والقرارات بكلية وارتون في جامعة بنسلفانيا،  لشبكة "أيه بي سي نيوز" (ABC News): "إن أشباه الموصلات، أو الرقائق كما نسميها، هي حجر البناء الأساسي في كل نظام حاسوب".

وأضاف كوهين: "تطورت هذه الرقائق بشكلٍ لا يصدق على مر السنين، وأصبحت ذات حجم أصغر وتحتاج متطلبات طاقة أقل، لذا فإنها توجد في كل مكان، في هاتفك المحمول وحاسوبك وأجهزتك المنزلية وسيارتك".

لا تدخل الرقائق الإلكترونية في الأجهزة البسيطة التي يستخدمها الأشخاص العاديون فقط، بل إنها جزء لا يتجزأ من بعض الأجهزة المهمة والتي لا غنى عنها، مثل الأجهزة الطبية والأسلحة المتقدمة وأدوات الأمن السيبراني، ما يعني أن نقصها يمكن أن يسبب تداعيات خطيرة على أفراد المجتمع والحكومات.

اقرأ أيضاً: ما هي تفاصيل الخطة الهادفة إلى إصلاح الإخفاقات الأميركية المتكررة في الأمن السيبراني؟

نقص الرقائق يؤثر على عدد الوظائف

قالت وزارة التجارة الأميركية في تقرير لها إن متوسط ​​مخزون الرقائق الذي تحتفظ به الشركات (مثل شركات صناعة السيارات أو صناعة الأجهزة الطبية) انخفض من 40 يوماً في عام 2019 إلى أقل من 5 أيام في عام 2021.

هذا يعني أن حدوث كارثة طبيعية كزلزال أو تفشٍ لوباء مثل كوفيد-19 أو اضطراب سياسي يمكن أن يعطل أو يوقف عمل مصانع أشباه الموصلات خارج الولايات المتحدة، ومن المحتمل أن يتسبب ذلك بإغلاق العديد من المصانع الأميركية ويعرض مستقبل العمال للخطر.

أشارت بيانات صناعية أيضاً إلى أن معظم مصانع الرقائق موجودة حالياً في شرق آسيا، والتي تنتج نحو 87٪ من رقائق العالم (تايوان وحدها تنتج نحو 63٪). ويمكن أن تؤدي الاضطرابات والصراعات السياسية في المنطقة، مثل التوتر أو الصراع بين تايوان والصين، إلى تعطل إمداد الشركات حول العالم بهذه الرقائق.

يقول كوهين: "عندما تعود إلى أصل صناعة أشباه الموصلات، كان معظم الإنتاج يتم في الولايات المتحدة، ثم انتقلت المصانع إلى الخارج، والآن، هناك توجه لإعادة دعم تصنيع أشباه الموصلات محلياً، هذا ليس قراراً تجارياً فحسب، إنه قرار سياسي، إنه قرار سياسي للغاية".

اقرأ أيضاً: علماء الأحياء يرغبون في برمجة الخلايا كما لو أنها رقائق كمبيوتر

قانون الرقائق لأميركا

ينص قانون "الرقائق لأميركا" (CHIPS for America) الذي أقره الكونغرس على تخصيص مبلغ 52 مليار دولار لدعم الاستثمار في قدرة تصنيع أشباه الموصلات. آلية التمويل الرئيسية هي الإعفاءات الضريبية للشركات التي تفي بمعايير معينة، أو الإنفاق المباشر على البحث والتطوير من قبل بعض الوكالات الحكومية.

يوفر هذا القانون مساعدات مالية لكل من يرغب في بناء أو توسيع أو تحديث مصنعٍ لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة، ويسمح للشركات الخاصة والعامة، أو لاتحادٍ من كليهما، بتقديم طلب إلى وزير التجارة للحصول على منحةٍ فدرالية لا تتجاوز قيمتها 3 مليار دولار.

اقرأ أيضاً: شريحة إلكترونية تغير تعليماتها البرمجية آنياً للتصدي للاختراق

هل ستكون الولايات المتحدة قادرة على توطين صناعة الرقائق؟

بالطبع، تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل ذلك، الأميركيون هم من يشرفون على مصانع الرقائق في شرق آسيا، ومعظم الآلات وبراءات الاختراع في هذه المصانع أميركية، ويتطلب إنتاج الرقائق على الأراضي الأميركية إرادة سياسية ومبالغ مالية ضخمة فقط.

بحسب تقرير لمجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، وهي شركة استشارات إدارية عالمية مقرها الولايات المتحدة، يمكن أن يكلف بناء مصنع واحد لإنتاج أشباه الموصلات في أميركا 5 - 20 مليار دولار كنفقات أولية، يضاف إليها 11 - 40 مليار دولار كنفقات ملكية فكرية لمدة 10 سنوات. النتيجة هي أن تكاليف تصنيع أشباه الموصلات في  الولايات المتحدة ستكون أعلى بنسبة 25 - 50٪ من تكلفة تصنيعها في دول شرق آسيا مثل تايوان وكوريا الجنوبية. لكن على الرغم من ذلك، يشير التقرير إلى أن ازدياد العمل عن بعد وزيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والطلب المتزايد على السيارات الكهربائية، سيؤدي إلى زيادة مستمرة في الطلب على أشباه الموصلات، ما سيعزز ربحية هذه المصانع.

المحتوى محمي