لم لا تزال أصوات النساء في التكنولوجيا تتعرض للتهميش والإسكات؟

4 دقائق
تهميش أصوات النساء في التكنولوجيا
مصدر الصورة: إم إس تك

عند منتصف ليلة 24 مايو، غيرت تيك توك الصوت المستخدم على منصتها. وفجأة تم استبدال صوت المرأة المنتشر في كل مكان، والذي يمكنه قراءة نصوص الفيديو بصوت عالٍ بإيقاع آلي متكلف قليلاً، بصوت آخر ذي نغمة مبتسمة بتكلف وسعادة. وأخذ العديد من المستخدمين بتسمية الصوت الجديد بـ "فتاة الوادي الغريبة" للتعبير عن استيائهم، حتى أن المغني الأميركي ليل ناس إكس أنتج مقطع تيك توك حول الموضوع.

لكن ما الذي حلّ بالصوت القديم؟ ومن هي المرأة وراءه؟

عندما نفكر في النساء العاملات في مجال الحوسبة، غالباً ما نفكر في كيفية تعرضهن للإسكات، بالمعنى الحرفي والمجازي، أكثر من الكيفية التي تم بها الاستماع إليهن. يمكننا أن نجد أصوات النساء وحضورهن في مختلف الأحداث في تاريخ الحوسبة- من سماع أصواتهن في العد التنازلي للإطلاق الفضائي إلى الظهور في الصور الفوتوغرافية- ولكن المؤرخين لم يعيدوا الكتابة إلا مؤخراً حول هؤلاء النساء في السرد التاريخي من خلال شرح مساهماتهن. وقد ساد اعتقاد خاطئ لفترة طويلة بأن النساء لم يلعبن إلا أدواراً هامشية في تاريخ الحوسبة، رغم أنهن غالباً ما كن المسؤولات عن برمجة الحواسيب.

ولا يزال الواقع على حاله اليوم؛ إذ عندما نسمع صوت امرأة كجزء من منتج تقني، فنحن لا نعرف هويتها وما إذا كانت حقيقية. وإذا كانت امرأة حقيقية، فإننا لا نعلم ما إذا كانت قد وافقت على استخدام صوتها بهذه الطريقة. افترض العديد من مستخدمي تيك توك أن صوت تحويل النص إلى كلام الذي سمعوه على التطبيق لم يكن صوت شخص حقيقي. لكنه في الواقع كان حقيقياً؛ إذ يعود إلى ممثلة صوت كندية تدعى بيف ستاندينج التي لم تمنح أبداً بايت دانس، الشركة المالكة لتيك توك، الإذن باستخدام صوتها.

رفعت ستاندينج دعوى قضائية ضد الشركة في مايو، مدعيةً أن الطرق التي يتم بها استخدام صوتها- لا سيما الطريقة التي يمكن للمستخدمين من خلالها قول أي شيء، بما في ذلك الألفاظ النابية- تضر بعلامتها التجارية وقدرتها على كسب لقمة العيش. وادّعت أن اكتساب صوتها شهرة بوصفه "ذلك الصوت على تيك توك" الذي يتيح لك قول ما تريد، جعله معروفاً دون أن تحصل على مقابل، وبالتالي أضر ذلك بقدرتها على الحصول على عمل في مجال التسجيل الصوتي.

بعد ذلك، عندما أزالت تيك توك صوتها فجأة، اكتشفت ستاندينج الأمر كما اكتشنفاه نحن: من خلال سماع التغيير ورؤية التقارير الإخبارية حول الأمر. (لم تقدم تيك توك أي تعليقات صحفية حول تغيير الصوت.)

قد يشعر الأشخاص المطلعون على قصة سيري من أبل بأنهم قد سمعوا بقصة مشابهة من قبل: سوزان بينيت، المرأة صاحبة صوت سيري الأصلي، لم تكن تعلم هي الأخرى أن صوتها قد تم استخدامه لهذا المنتج إلا بعد إطلاقه. تم استبدال صوت بينيت في النهاية بـ "الصوت الأنثوي في الولايات المتحدة"، ولم تقر شركة أبل علناً باستخدام صوتها على الإطلاق. منذ ذلك الحين، قامت أبل بكتابة بنود حفاظ على السرية في عقود الممثلين الصوتيين، وزعمت مؤخراً أن صوتها الجديد "تم إنشاؤه بالكامل بواسطة البرامج"، مما يلغي الحاجة إلى الاعتراف باستخدام صوت بأي شخص.

غالباً ما تعكس الطريقة التي يتم بها تقييم إنجازات الأشخاص والاعتراف بها والدفع لقاءها وضعَهم في المجتمع الأوسع، وليس مساهماتهم الفعلية.

تعكس هذه الحوادث نمطاً مقلقاً وشائعاً في مجال التكنولوجيا. وغالباً ما تعكس الطريقة التي يتم بها تقييم إنجازات الأشخاص والاعتراف بها والدفع لقاءها وضعهم في المجتمع الأوسع، وليس مساهماتهم الفعلية. ويعود أحد أسباب شهرة اسمي بيف ستاندينج وسوزان بينيت الآن على نطاق واسع على الإنترنت هو أنهما يجسدان أمثلة بارزة لكيفية تعرض عمل المرأة للمحو حتى عندما يكون متاحاً على مرأى ومسمع الجميع.

عندما ترفع النساء في التكنولوجيا أصواتهن، غالباً ما يُطلب منهن السكوت، لا سيما إذا كن من النساء ذوات البشرة الملونة. مؤخراً، طُردت تيمنيت جيبرو، الحاصلة على درجة الدكتوراه في علوم الحاسوب من جامعة ستانفورد، من جوجل حيث كانت القائدة المشاركة لفريق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، بعد أن أفصحت علناً عن مخاوفها بشأن النماذج اللغوية الكبيرة التي تطورها الشركة. كما تمت إقالة زميلتها في قيادة الفريق، مارجريت ميتشل (الحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة أبردين في مجال توليد اللغة الطبيعية)، من منصبها بعد أن تحدثت علناً عن طرد جيبرو. وفي قطاعات أخرى من الصناعة، وجدت المُبلغات عن المخالفات مثل صوفي زانج في فيسبوك، وسوزان فاولر في أوبر، والعديد من النساء الأخريات، أنفسهن مجبرات على السكوت وغالباً معرضات للطرد من عملهن كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة لمحاولة القيام بوظائفهن والتخفيف من الأضرار التي لمسْنَها في شركات التكنولوجيا حيث يعملن.

حتى النساء اللواتي أسّسن شركات ناشئة يمكن أن يجدن أنفسهن مهمّشات وملغيات في الوقت الفعلي، والمشكلة هنا أيضاً عادة ما تكون أسوأ بالنسبة للنساء ذوات البشرة الملونة. رومان شودري، الحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا بسان دييغو والمؤسسة والرئيسة التنفيذية السابقة لشركة باريتي (Parity) وهي شركة تركز على الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، رأت أن صحيفة نيويورك تايمز قامت بتحجيم دورها في تاريخ شركتها.

ففي قصة إخبارية عن شركة باريتي، فشلت المقالة في التعريق بشودري على أنها الرئيسة التنفيذي المؤسسة، وبدلاً من ذلك وصفتها بأنها مجرد "باحثة صنعت أداة" تعتمد عليها أعمال باريتي. بعد رد فعل شعبي كبير، قامت التايمز بتحديث القصة بهدوء دون إصدار تصحيح رسمي. ولكن حتى بعد التصحيح، لم تعرِّف المقالة عن شودري بصفتها مديرة تنفيذية ومؤسسة لشركة باريتي، وبدلاً من ذلك ركزت على الشابة البيضاء التي خلفتها.

ومؤخراً، أضرب آلاف الفنانين من ذوي البشرة السمراء على تيك توك، العديد منهم من النساء، ليعبروا عن رفضهم لتصميم رقصات جديدة لأغنية ميجان ثري ستاليون (Megan Thee Stallion) الأخيرة. لقد شهدت العديد من النساء من ذوي البشرة السمراء على وجه الخصوص قيام النساء ذوات البشرة البيضاء على تيك توك باستنساخ تصميم الرقصات الخاصة بهن وسرقته والاستفادة مادياً منه مراراً وتكراراً، بل ويواصلن أداءها على التلفزيون الوطني دون منح الفضل في ابتكار التصميم للمبدعات الأصليات.

عندما ننظر إلى تأثير أصوات النساء في التكنولوجيا اليوم، يمكننا أن نرى بوضوح دورهن في قيادة الدعوات للمساءلة وأنهن تعرضن لتهميش قيمتهن حرفياً ومجازياً. غالباً ما يتم تجاهل أصوات النساء الحاضرات في مجال التكنولوجيا بأدوار عديدة بدءاً من إنتاج التعليق الصوتي الذي يصبح أساساً للأدوات الصوتية التي يستخدمها الملايين دون أن يتم الدفع لهن أو الاعتراف بهن لعملهن هذا، ووصولاً إلى عملهن على تطوير المفاهيم الأساسية للذكاء الاصطناعي.

وفي حين أن شركات التكنولوجيا سرعان ما تلجأ غالباً إلى النساء، وخاصة ذوات البشرة الملونة، عندما تحتاج إلى إظهار تنوعها أو للدفاع عن نفسها ضد الانتقادات التي تتهم منتجاتها بمفاقمة التمييز الجنسي والعنصرية، فإن هؤلاء النساء يكافحن من أجل دفع الشركات لأخذ خبرتهن على محمل الجد على أعلى مستويات الإدارة ونادراً ما يكنّ في وضع يمكنهن من وضع جدول أعمال للتطور التكنولوجي.

يتمثل النبأ السار في أن المؤرخين والصحفيين، وكذلك النساء أنفسهن، كانوا وما زالوا يعملون بجد لعكس هذا المحو والتهميش ويحققون بالفعل نجاحات هامة. في العقد الماضي، وضعت الكتب والمقالات والأفلام الجديدة الأمور في نصابها الصحيح وغيرت فهمنا لأهمية مساهمات النساء في التكنولوجيا المتقدمة. أما النبأ السيئ فهو أن تلك المساهمات لا تزال تُمحى وتُهمَّش  في الوقت الفعلي، بما في ذلك عمل النساء اللواتي يحاولن حل بعض أهم المشاكل في التكنولوجيا اليوم.  وإذا ما استمر هذا الوضع على حاله، سينتهي بنا المطاف بالسير في حلقة مفرغة بغض النظر عن السرعة التي نحاول بها تصحيح الأمور. 

المحتوى محمي