هل سبق لك أن رددت كلمة أو جملة مرات عديدة إلى درجة أصبحت فيها أقرب إلى لغط غير مفهوم؟ جرّب مثلاً أن تكرر أي كلمة عادية تقولها يومياً، 50 مرة تقريباً، وستصل إلى مرحلة تتساءل فيها عما إذا كانت هذه الكلمات تعني شيئاً في المقام الأول.
لقد بدأت أشعر بشعور مماثل إزاء جملة "استخدام الكهرباء في كل شيء"، وهي جملة تتردد كثيراً في الأوساط المناخية. تعبّر هذه الجملة عن فكرة بسيطة، وهي أن بعض الأشياء في هذا العالم تستمد معظم طاقتها من الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة، على غرار المركبات الآلية أو التدفئة المنزلية. من ناحية أخرى، تشهد نسبة الطاقات المتجددة في الشبكات الكهربائية ازدياداً متواصلاً سنة تلو الأخرى. وإذا تمكّنا من استخدام الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري في تشغيل هذه الأنظمة، فسنقطع شوطاً كبيراً نحو تحقيق نتائج مناخية حقيقية.
غالباً ما يركز المنادون بتطبيق هذه الفكرة على أمثلة مألوفة، مثل السيارات والمنازل. لكن، إلى أي مدى نستطيع تطبيق هذه الفكرة على "كل شيء"؟ هل نستطيع استخدام الكهرباء في إنتاج الصلب؟ وماذا عن الأسمدة؟
سنطرح هذا السؤال في إحدى جلسات مؤتمر كلايميت تيك (ClimateTech) السنوي الثاني، الذي سيُعقد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في 4 و5 أكتوبر/ تشرين الأول. وسأتحدث مع ممثلين عن صناعات وقطاعات مختلفة حول إمكانية الاستفادة من الكهرباء في إحداث تحوّل ملحوظ على مستوى العالم، بدءاً من السيارات والأغذية وصولاً إلى الزراعة والصناعات الثقيلة. لكننا سنقدم في هذا المقال لمحة مسبّقة عن كلايميت تيك، ولهذا، لنلقِ نظرة على المعنى الفعلي لاستخدام الكهرباء في كل شيء.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للنفايات وزيت الطبخ والكهرباء الخضراء أن توفر وقوداً مستداماً للطائرات؟
الوضع الحالي لاستخدام الكهرباء
يجري إنتاج نسبة كبيرة من الطاقة التي نستخدمها عن طريق الحرق المباشر لأحد أنواع الوقود الأحفوري. وفي 2022، كانت الكهرباء تمثل نسبة 20% فقط من إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة. وهي في الواقع نسبة مرتفعة مقارنة بقيمتها منذ خمسين سنة، التي بلغت 10% تقريباً.
لطالما كانت هذه الأرقام تفاجئني لدى رؤيتها، بما أنني كنت أربط مفهوم الطاقة بوصل شيء بمقبس التيار الكهربائي، أو تشغيل مفتاح الإنارة. لكن الفحم يوفر نسبة ضخمة من الطاقة المستخدمة في الصناعات الثقيلة في عمليات مثل تصنيع الصلب أو التعدين. إضافة إلى هذا، فإن غالبية السيارات التي نقودها طوال الوقت ما تزال تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي التي تحرق البنزين. وما يزال الكثير من الأبنية يعتمد على الغاز الطبيعي في التدفئة.
ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة، يجب أن نرفع نسبة الطاقة التي نحصل عليها من الكهرباء إلى 27% تقريباً بحلول العام 2030 حتى نحقق التقدم المطلوب نحو تحقيق الانبعاثات الصفرية لغازات الدفيئة.
ما يدعو إلى التفاؤل أنه ثمة أدلة واضحة على إحداث تقدم كبير في مسار الانتقال إلى استخدام الكهرباء. فقد تفوقت المضخات الحرارية الكهربائية على أنظمة التدفئة التي تعتمد على الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة في 2022 لأول مرة. أما في الصين، فقد شكلت السيارات الكهربائية 29% من مبيعات السيارات الجديدة للعام 2022.
لكن، إلى أي مدى يمكن أن يصل الانتقال إلى استخدام الكهرباء؟ في جلسة كلايميت تيك التي سنطلق عليها اسم "استخدام الكهرباء في كل شيء" (بطبيعة الحال)، سأطلب من مجموعة من الخبراء التحدث عن العلاقة بين الكهرباء والتكنولوجيا المناخية.
اقرأ أيضاً: ما فرص السعودية في الاستفادة من طاقة الرياح لتوليد الكهرباء؟
إلى أي مدى يمكن تشغيل "كل شيء" باستخدام الكهرباء؟
ففي البداية، سأتحدث عن كل ما يخص الأسمدة مع الرئيس التنفيذي لشركة نايتريسيتي (Nitricity) وأحد مؤسسيها، نيكولاس بينكاوسكي. يعتمد إنتاج السماد النيتروجيني بنسبة كبيرة حالياً على الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة، مثل الفحم والغاز الطبيعي، لكن نايتريسيتي تهدف إلى تغيير هذا باستخدام مفاعل يقول بينكاوسكي إنه أقرب إلى "صاعقة داخل زجاجة". وببساطة، يُصعَق الهواء ضمن المفاعل باستخدام الكهرباء، ما يتيح للشركة تحويل النيتروجين في الهواء إلى شكل تستطيع الزراعة الحديثة الاستفادة منه لإنتاج نباتات أكبر وتتمتع بصحة أفضل.
قد يكون استخدام الكهرباء بدلاً من الوقود مباشرة أمراً ممكناً في بعض العمليات الصناعية، لكن ثمة رؤية بديلة لبعض الحالات الخاصة: الهيدروجين. يمكن توليد هذا الوقود باستخدام كهرباء المصادر المتجددة، وحرقه بعد ذلك على غرار الوقود الأحفوري، لكن دون انبعاثات غازات الدفيئة. أي أن استخدام الهيدروجين يمثل طريقة للالتفاف حول صعوبة استخدام الكهرباء في بعض الأنظمة.
وللتحدث عن الدور المحتمل للهيدروجين المُوَلّد بالكهرباء، سأتحدث مع الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا في شركة إتش 2 غرين ستيل (H2 Green Steel)، ماريا بيرسون غولدا. لقد تمكنت هذه الشركة مؤخراً من جمع نحو 1.6 مليار دولار تقريباً لبناء منشأة في السويد لصنع الصلب بالاعتماد على عملية تقلل من الانبعاثات بنسبة 95% بالمقارنة مع عملية التصنيع التقليدية، وأشعر بحماسة كبيرة لسماعها وهي تقدم المزيد من التفاصيل حول هذه العملية ومستقبل الشركة.
اقرأ أيضاً: بدأت أكبر توربينات الرياح في العالم تولِّد الكهرباء في إنجلترا
وطبعاً، لا يمكن أن نتجاهل البطاريات وأنظمة تخزين الطاقة في جلسة حول استخدام الكهرباء، ولهذا سأتحدث مع الرئيسة التنفيذية لتكنولوجيا البطاريات في شركة لايتين (Lyten)، سيلينا مايكولاتشاك. وبما أنها عملت مع جميع الشركات الرائدة في صناعة البطاريات، بدءاً من تيسلا (Tesla) وكوانتوم سكيب (Quantumscape) وصولاً إلى باناسونيك (Panasonic)، فهي تعرف جميع تفاصيل المتطلبات الضرورية لإطلاق تكنولوجيا جديدة في العالم.