هل يمكن أن يخاطر الذكاء الاصطناعي بالتماهي الشديد مع البشر؟

3 دقائق

أشار أحد إخوتي ذات مرة إلى أنه لم يَسمع في حياته كلها شخصين يتحادثان بالطريقة التي نتحدث بها أنا وصديقتي المفضلة عندما نلتقي (أو نتحدث عبر دردشة الفيسبوك). إننا نتحدث في العديد من الأمور وننتقل بين المواضيع ثم نخرج عنها لمواضيع أخرى ونقص القصص. غالباً ما نتحدث حول أشياء تبدو مختلفة، لكنها تكمّل بعضها بطريقة ما. لم يكن بمقدور أخي استيعاب كيف بإمكان كل منا سماع ما تقوله الأخرى، ولكن ماذا عن تماهي الذكاء الاصطناعي مع البشر؟

شعرت بشعور معاكس أشبه بالفخر من تقييمه ذاك. وعلى الرغم من أن هذه الحكاية الطريفة قد تعزز الصورة النمطية المستفزة حول مدى حب النساء للثرثرة، فقد أحببت فكرة أن مهارتنا الحوارية أنا وصديقتي زوي – أي القدرة على التحدث والاستماع في آنٍ معاً- قد وصلت تقريباً إلى مستويات متقدمة في هذا النوع من التفاعل الذي يميّز البشر. قد تكون محادثاتنا مبهمة، لكنها بشرية دون شك.

التقدم في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة "مايكروسوفت" في منشور عبر مدونتها، أنها حققت تقدماً في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الذي من شأنه أن يسمح لبرمجيات تشات بوت بالتفاعل مع المستخدمين بطريقة فيها لمسة  إنسانية أكثر "أقرب إلى تلك التجربة الطبيعية التي يستخدمها الشخص عند التحدث على الهاتف مع صديق له". وتزعم "مايكروسوفت" أن هذه التقنية تجيز لتشات بوت المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي العمل بطريقة "مزدوجة الاتجاه" للمرة الأولى، ما يعني أن بإمكانها التحدث والاستماع في وقت واحد. تُشبّه الشركة التقنية السابقة "أحادية الاتجاه" بالتحدث عن طريق جهاز لاسلكي أو إرسال الرسائل نصية، حيث يتحدث أحد الطرفين بينما يستمع الآخر، ثم يجيب.

وأُفيد بأن تقنية "المحادثات الثنائية" (tête-à-tête) تُعلِّم تشات بوت أيضاً على توقّع ما قد يقوله الإنسان تالياً، ما يسمح لها "باتخاذ قرارات حول كيف ومتى تردُّ على الشخص الذي يدردش معها، وذلك من خلال مجموعة من المهارات الطبيعية جداً للإنسان لكنها ليست شائعة في برمجيات تشات بوت". تقول "مايكروسوفت" إنها نجحت في دمج التكنولوجيا الجديدة في "شياو آيس" (Xiaolce)، وهو بوت الدردشة الذي يحظى بشعبية في الصين، ولن يمر وقت طويل قبل أن نرى هذه التكنولوجيا في الولايات المتحدة، فهناك خطط لتقديم تقنية مماثلة  تدعى "زو" ضمن "مايكروسوفت".

تريد "مايكروسوفت" أن تجعل من تجربة إجراء محادثة مع الروبوتات مشابهة لتلك التي تجري بين البشر، أي أكثر طلاقة وطبيعية لكن "أقل اصطناعاً".. أنا لا أحب التحدث إلى بوتات خدمة العملاء عبر الإنترنت عندما لا أستطيع معرفة ما إذا كنت أتحدث إلى إنسان أم لا، وفكرة أن "زو" قد تبدو قريباً مثل صديقتي زوي هي فكرة مثيرة للقلق. لكن لماذا؟

فرضية " وادي النفور"

وفقاً لفرضية "وادي النفور"، فإن الروبوتات التي تبدو بشرية جداً تخلق شعوراً بالاشمئزاز لدى البشر الحقيقيين، حيث إن عاطفتنا للآلات تنمو كلما أصبحت شبيهة أكثر بالإنسان، لكن حتى نقطة معينة، وعندها يصبح التشابه غريباً و"منفّراً". فهل يخاطر الذكاء الاصطناعي بأن يقترب إلى تلك الدرجة؟ محادثة تشات بوت تبدو قريبة من حدود وادي النفور السمعية الحديثة، إذ تتحدث بطريقة تكاد تكون صحيحة لكن ليس تماماً. ويمكن القول إن هناك شيئاً أكثر غرابة حول الطريقة التي تنتحل بها الروبوتات شفهياً شخصية مبتكريها، وذلك باستخدام أصواتهم الحقيقية (المسجلة). وعلى الرغم من أن جسد الروبوت (ورغبة المطورين في تجنب وادي النفور) يمكن أن يعمل كتذكير لنا بأنها مجرد آلات، إلا أن الصوت الروحي الصرف الذي يتحدث بشكل طبيعي كما حُوسِب له يبدو بطريقة ما مثل كائن عاطفي أكثر من أنه روبوت. إنها روح كاملة مشكّلة، ولكن على الطرف الآخر من المفهوم.

عندما يبدأ تشات بوت بالتصرف مثل صديق حميم، ما الذي يمنعك من التعاطف معه كأنه إنسان؟ أتقنت الروبوتات التي مثّلت الثقافة الشعبية منذ فترة طويلة فن الأفكار والمشاعر والحوار، فإذا جُعل من تقنية الذكاء الاصطناعي متحدثاً طلقاً، سيكون ذلك الخطوة الأولى الأساسية على الطريق نحو واقع الخيال العلمي المرير. وإذا كان بإمكان تقنية الذكاء الاصطناعي الدردشة، فهل باستطاعتها الضحك؟ هل يمكنها أن تشعر؟ هل من الممكن الاعتراف بها من وماذا تَكون؟

ربما تَكون مسألة وقت فقط قبل أن يَكون باستطاعة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تقترحها "مايكروسوفت" جعل المنازل الذكية أكثر ذكاء- والمستخدمين "أكثر استرخاء" (إلماع الضحك العصبي). وكما دلّ انطباعي الأول -ومن الواضح أنه انطباع دائم- بشأن المنازل الذكية، فإن هذا قد ينتهي بكارثة. ربما يَكون لدي خوف تجاه وجود تقنيات ذكاء اصطناعي داخل المنزل حتى يومنا هذا، لكن على الأقل فإنّ المساعد الشخصي الذكي أليكسا، على سبيل المثال، لا يزال يبدو كأنه روبوت مصطنع ولا يدل على نوع اجتماعي معين.

هذا هو السبب في أنني أفضل صديقتي زوي على زو، إذا وضعنا جانباً أن الذكاء الاصطناعي شرير ووهمي. المحادثة هي واحدة من الأشياء القليلة التي تجعلني أطمئن بأن تقنيات تعلّم الآلة لن تجعل من البشر قديمي الطراز "تماماً" - وأن هناك بعض المهارات التي سوف تُبقي البشر دوماً أفضل من يؤديها، بالإضافة إلى أن الذكاء البشري سيكون له دائماً بعض الميزات. يَفترض المرء أن الفنون -مثل الموسيقى والرسم والأدب– هي المهارات التي يسيطر عليها الإنسان فقط. إلا أن المحادثة، رغم كل شيء، تُعد فناً أيضاً (ضائعة كانت أم لا). الدعابة تخصنا على نحو فريد، وإذا استطاع الذكاء الاصطناعي إتقان هذا، فما الذي لا يستطيع فعله؟

وفي نهاية الحديث عن تماهي الذكاء الاصطناعي مع البشر، قد تصبح التقنيات الحديثة أكثر ذكاء مع مرور الوقت، لكنني آمل بإصرار في أنْ يَكون لدى البشر دائماً شيء يتميزون به -حتى لو كان ذلك مجرد محادثة لطيفة حول مائدة العشاء.

المحتوى محمي