درج الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا (FIFA) منذ نسخة كأس العالم 1970 والتي أقيمت بدولة المكسيك على الإعلان عن الكرة الرسمية التي ستُلعب بها المباريات قبل فترة كافية من بدء البطولة، واستمر هذا التقليد منذ ذلك الوقت حتى المونديال الحالي المقام في دولة قطر (فيفا قطر 2022)، ولكن على عكس كرات جميع كؤوس العالم السابقة، تأتي كرة مونديال قطر 2022 الرحلة (Al Rihla) المستوحى تصميمها من الثقافة والعمارة والقوارب الشهيرة وعلم الدولة المضيفة قطر، بتكنولوجيا جديدة ستغيّر بها مستقبل لعبة كرة القدم إلى الأبد.
الرحلة (AL Rihla) كرة رقمية بقدرات مبتكرة أكثر حداثة
تم تصميم كرة مونديال قطر 2022 مع جعل الاستدامة البيئية أولوية. وفي الواقع فإن كرة الرحلة والتي تصنعها شركة المعدات الرياضية أديداس (Adidas)، هي أول كرة قدم تُصنع من الأحبار والمواد اللاصقة التي تعتمد على الماء، حيث يأتي الجلد الخارجي من مادة البولي يوريثان (Polyurethane) وتتميز بنسيج دقيق وكبير وشكل لوحة جديد مكون من 20 قطعة، لتعزيز الديناميكا الهوائية من أجل تحسين الدقة واستقرار السرعة في الهواء وتغيير الحركة أثناء التسديد.
وتكنولوجياً، تحتوي كرة مونديال قطر 2022 على جهاز تتبع (Tracking Device) يقوم بجمع بيانات تحديد الموقع المكاني في الوقت الفعلي، وهي أول بطولة كأس عالم تستخدم آلية تتبع مدمجة في الكرة نفسها بدلاً من الكاميرات، وسيؤدي هذا جنباً إلى جنب مع أدوات التتبع البصري الحالية، إلى تسهيل عمل حكام غرفة حكم الفيديو المساعد لجعل قرارات مثل التسلل أكثر دقة وسرعة مما كانت عليه في أي وقت مضى.
اقرأ أيضاً: لمن تم تصميم تكنولوجيا مساعدة الحكام في كأس العالم؟
ما التكنولوجيا المستخدمة في كرة مونديال قطر 2022 وكيف تعمل؟
يوجد داخل كل كرة جهاز تتبع تم تصميمه بواسطة الشركة الرائدة في مجال تطوير أجهزة التتبع في العديد من الرياضات كينكسون (KINEXON)، ويزن هذا الجهاز 14 غراماً، ويضم في الواقع مستشعرين منفصلين يعملان في وقت واحد هما:
- مستشعر النطاق العريض للغاية (UWB): وهو نوع من التكنولوجيات المتقدمة التي تتفوق على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والبلوتوث، تعمل على الحصول على بيانات الموقع الدقيق، بالإضافة إلى إمكانية نقل البيانات في الوقت الفعلي لتتبع موضع الكرة باستمرار.
- مستشعر وحدة القياس بالقصور الذاتي (IMU): وهو مستشعر يتتبع التسارع والسرعة واكتشاف الحركات الدقيقة لجسم ما في الفضاء خلال فترة زمنية محددة.
حيث يساعد مستشعر النطاق العريض للغاية (UWB) في الحصول على الموضع الدقيق لأي جسم، بينما يوفر مستشعر وحدة القياس بالقصور الذاتي (IMU) الحركة الدقيقة لأي جسم بوضع ثلاثي الأبعاد. لذا في أي وقت يتم فيه ركل الكرة بالقدم أو بالرأس أو رميها باليد أو حتى لمسها فقط، يرسل النظام البيانات بمعدل 500 إطار في الثانية، والتي تتضمن بيانات مثل السرعة والطريقة التي تغير بها الاتجاهات.
ثم يتم إرسال البيانات في الوقت الفعلي من المستشعرات إلى نظام تحديد المواقع المحلي (Local Positioning System، اختصاراً إل بي سي (LPS)) والذي يتكون من هوائيات مثبتة مسبقاً حول الملعب، حيث تقوم هذه الهوائيات بالتقاط هذه البيانات وتخزينها للاستخدام الفوري. علاوة على ذلك عندما تطير الكرة خارج حدود الملعب أثناء اللعب، ويتم إلقاء كرة جديدة يقوم جهاز التتبع في الكرة الجديدة تلقائياً بتسجيل بيانات الكرة الجديدة في الخلفية دون الحاجة إلى تدخل يدوي.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم صناعة كرة القدم علم البيانات والتحليلات لتحسين أداء الفرق؟
جدير بالذكر أن المستشعر أو جهاز التتبع الموجود في الكرة يتم تشغيله بواسطة بطارية قابلة لإعادة الشحن مماثلة لتلك المستخدمة في الهواتف الذكية، والتي يتم شحنها قبل المباراة، حيث تذكر شركة أديداس أن سعة بطارية جهاز التتبع يمكن أن تستمر لمدة 6 ساعات من الاستخدام النشط، وبإمكانها الاحتفاظ بالطاقة حتى 18 يوماً إذا لم يتم استخدامها في المباريات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن جهاز التتبع الموجود داخل الكرة مدعوم بتقنية التعليق المقدمة من شركة أديداس، والمصممة للحفاظ على المستشعر في النقطة الداخلية المركزية للكرة وإبقائه آمناً وثابتاً ضد الركلات التي يحدثها اللاعبون. علاوة على ذلك، فإن كرة مونديال قطر 2022 الرسمية المدعومة بجهاز التتبع غير متوفرة تجارياً، بل هي مخصصة للعب بها فقط في هذه النسخة من كأس العالم، بينما النسخ المتوفرة للبيع للجمهور هي كرات بنفس التصميم والميزات ولكن لا تحتوي على جهاز التتبع والتكنولوجيا المضمنة فيها.
اقرأ أيضاً: إليك أبرز تقنيات التصوير التي سنشهدها في مونديال قطر 2022
كيف تساعد كرة مونديال قطر 2022 في اتخاذ قرارات تحكيمية أكثر دقة؟
يقترن جهاز التتبع الموجود في كرة مونديال قطر 2022 مع تكنولوجيا التسلل شبه الآلية، من خلال وضع 12 كاميرا حول الملعب لتتبع الكرة نفسها، وكل لاعب بمعدل 50 مرة في الثانية، مع تعقب 29 نقطة منفصلة من جسم اللاعب بما في ذلك الأطراف، لمساعدة الحكام على اتخاذ قرارات أكثر دقة.
ومن ثم عند الجمع بين بيانات جهاز التتبع في كرة مونديال قطر 2022 وتكنولوجيا التسلل شبه الآلية فإنهما تسمحان باتخاذ قرارات تسلل ليست دقيقة للغاية فحسب، بل تتوفر أيضاً بشكل أسرع بكثير مما كانت عليه في الماضي، وهي أولوية رئيسية بالنسبة إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم. حيث ذكر رئيس أبحاث كرة القدم ومعايير الابتكار التكنولوجي في الاتحاد الدولي لكرة القدم نيكولاس إيفانز: "بعد انتهاء كأس العالم 2018 وحالات التأخير التي صاحبت قرارات حكام الفيديو المساعد، تم تحسين التكنولوجيا بشكل ملحوظ، حيث إن أكبر مجال للتحسين شهده مونديال قطر 2022 هو الوقت السريع جداً الذي يستغرقه النظام لتحديد حالات التسلل".
مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن البيانات يتم الحصول عليها من جهاز التتبع في الكرة وتكنولوجيا التسلل شبه الآلية من خلال نموذج ذكاء اصطناعي تمت برمجته مسبقاً لإنشاء تنبيهات تسلل آلية لمسؤولي غرفة حكم الفيديو المساعد، لذا بدلاً من مراجعة الحالة يدوياً وهي عملية عادةً تستغرق وقتاً طويلاً، يقوم نموذج الذكاء الاصطناعي تلقائياً بإنشاء تنبيهات يمكن بعد ذلك تأكيدها من قبل حكام غرفة حكم الفيديو المساعد وإبلاغ الحكم الرئيسي بها مباشرة.
اقرأ أيضاً: روبوت رجل الخط جاهز لضبط حالات التسلل في كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022
بالإضافة إلى ذلك، يقوم نموذج الذكاء الاصطناعي أيضاً بإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد للبيانات المكانية، والتي يتم بثها في شاشات الملعب وعبر شاشات التلفاز لمنح المشجعين والمشاهدين نظرة مباشرة على كيفية تحديد كل حالة تسلل تمت مراجعتها.
كيف أعرف أن هذه البيانات تعكس باستمرار الوضع الحقيقي للاعبين والكرة؟
العامل الحاسم في دقة هذه البيانات يأتي من معدل التحديث، حيث نجد أن معدل التحديث (Refresh Rate) المتعارف عليه حالياً والمستخدم بشكل شائع في الشاشات عالية الدقة (HD Screen) يتراوح ما بين 50-60 هرتز، وهو ما يعني تحديث الصورة بمعدل 50-60 مرة في الثانية. ولكن في جهاز التتبع المضمن في كرة مونديال قطر 2022 يصل معدل التحديث إلى 500 هرتز، ما يعني أن أي فجوات في تحديد الموقع الحقيقي تكون أقل من مللي/ ثانية، أو 10 مرات أقصر من المعدل القياسي الذي يبلغ 50 هرتز.
بالإضافة إلى ذلك للتأكد من أن جهاز التتبع داخل الكرة سيكون غير محسوس للاعبين الذين يركلونها، فقد أجرت شركة أديداس اختبارين حاسمين على الكرة، هما:
- اختبار اللاعب الأعمى: بمساعدة عدد من الأندية في أوروبا تم إجراء اختبار مكثف للاعبين المكفوفين لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم التمييز بين الكرات العادية، وكرة الرحلة المستخدمة في مونديال قطر 2022 لمعرفة الفروقات الجوهرية بين الكرتين من خلال الإحساس فقط.
- اختبار مطلق النار الميكانيكي: في بيئة معملية يمكن برمجة أجهزة الرماية الآلية لركل الكرة بسرعات ودورات واتجاهات مختلفة، وفي الوقت نفسه تقوم الكاميرات عالية السرعة بعد ذلك بتقييم مسارات الكرة، والتأكد من أن وجود المستشعر لا يخلق مسارات ضربات غير طبيعية.
اقرأ أيضاً: ما تقنيات الأمان والمراقبة المستخدمة في مطارات قطر خلال كأس العالم 2022؟
وقد تم إجراء هذين الاختبارين في العديد من البيئات الاحترافية، مثل كأس العرب 2021 في قطر وكأس العالم للأندية 2021 في أبوظبي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم أيضاً أجرى العديد من الاختبارات الإضافية الخاصة به، بالتعاون مع الاتحادات القارية والمحلية، بدأت منذ نهاية النسخة السابقة من كأس العالم روسيا 2018، وصولاً للاختبارات الأخيرة التي تم إجراؤها في مباريات دور المجموعات من دوري أبطال أوروبا خلال الجزء الأول من هذا الموسم في الفترة التي سبقت انطلاق مونديال قطر 2022.
ختاماً، بحسب العديد من المتابعين والخبراء، فإن توسع استخدام التكنولوجيا في مونديال قطر 2022 يعتبر عاملاً حاسماً في تغيير كيفية تفاعلنا مع اللعبة الشعبية الأولى على وجه الأرض للأبد، حيث إن التطبيقات الممكنة لاستخدام التكنولوجيا في ملاعب كرة القدم خاصةً عندما تصبح جزءاً معيارياً من اللعبة وتصبح الأطراف المعنية على دراية باستخدامها لا حدود لها تقريباً.