تقرير خاص

تكنولوجيا الكوانتم: ارتفاع قياسي في الاستثمارات ونمو واعد في عدد المواهب

5 دقيقة
تكنولوجيا الكوانتم: ارتفاع قياسي في الاستثمارات ونمو واعد في عدد المواهب
حقوق الصورة: ماكنزي آند كومباني.

اقتربت تكنولوجيا الكوانتم في العام الماضي من تحقيق وعدها بتجاوز تحديات تبدو مستحيلة أو باهظة التكلفة عند التصدي لها باستخدام تقنيات اليوم. ويُظهر تحليلنا المحدّث لـ "راصد تكنولوجيا الكوانتم" 2023 Quantum Technology Monitor أن الصناعات الأربع التي من المحتمل أن تشهد التأثير الاقتصادي الأبكر للحوسبة الكمومية هي: السيارات والكيماويات والخدمات المالية وعلوم الحياة، ومن المحتمل أن تحقق قيمة تناهز 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2035.

وبأمل أن يكون لهم نصيب من هذه القيمة، ضخ المستثمرون خلال عام 2022 نحو 2.35 مليار دولار في رؤوس أموال شركات ناشئة في مجال تكنولوجيا الكوانتم، ومنها شركات متخصصة في الحوسبة الكمية والاتصالات والاستشعار. واقترب إجمالي الاستثمار من الرقم القياسي المسجل في عام 2021 لأعلى مستوى سنوي للاستثمار في تلك الشركات. وقد شهد العام الماضي إتمام أربع من أكبر الصفقات منذ بداية الألفية الجديدة.

ويمثّل العديد من الشركات الناشئة في هذا المجال ابتكاراً لافتاً في عالم تكنولوجيا الكوانتم، وشهد عام 2022 العديد من تلك الإنجازات البارزة. ومن أمثلة ذلك منح جائزة نوبل في الفيزياء لبحث رائد في مجال التشابك الكمومي، والباحثون يمثّلون شركة قدّمت معالج كوانتم بمئات البتات الكمومية (كيوبتات) وخطة لبناء معالج به آلاف الكيوبتات بحلول عام 2025، وكذلك شركة أظهرت ميزة الكوانتم في حل مشكلة أخذ العينات، باستخدام كمبيوتر كوانتم ضوئي من ابتكارها.

ويمكن للمواهب ذات الخبرة في المجال أن تدفع الصناعة إلى تحقيق اختراقات تقنية مستقبلاً. ومع محدودية المتاح من تلك المواهب، إلّا أن الفجوة ضاقت في العام الماضي، ويرجع الفضل في ذلك إلى وضع الجامعات برامج درجة ماجستير جديدة في تقنيات الكوانتم.

وفي هذه المقالة نشارك هذه النقاط وأبرزها "راصد تكنولوجيا الكوانتم" هذا العام.

نبذة عن راصد تكنولوجيا الكوانتم

يغطي بحثنا المجالات الرئيسية الثلاثة لتكنولوجيا الكوانتم: الحوسبة الكمومية، الاتصالات الكمومية، والاستشعار الكمومي. ويعتمد التحليل على مدخلات من مصادر بيانات مختلفة، بما في ذلك مصادر البيانات المتاحة للجمهور ومقابلات مع الخبراء. ونظراً لعدم الإفصاح عن جميع قيم الصفقات علناً، لا يقدّم هذا البحث قائمة نهائية أو شاملة بأنشطة الشركات الناشئة وتمويلها. وقد توجد انحرافات بسيطة في البيانات أثناء تحديث قواعد البيانات.

اجتذبت المنظومة حجم استثمارات قياسياً، ولكن وتيرة تأسيس الشركات الناشئة تتباطأ

وصل حجم الاستثمارات العالمية في الشركات الناشئة بمجال تكنولوجيا الكوانتم إلى أعلى مستوياته عام 2022، محققاً 2.35 مليار دولار، وهي زيادة طفيفة قدرها 1% عن عام 2021 (شكل 1). وتدفق نحو 68% من جميع الاستثمارات في تلك الشركات الناشئة منذ عام 2001 إلى هذه الصناعة على مدار العامين الماضيين فحسب، وهو مؤشر على ثقة المستثمرين في مستقبل المقدرات التجارية لهذه التقنيات.

اللافت هو أن معدل تأسيس الشركات الجديدة لم يواكب تلك الاستثمارات. فقد تأسست 19 شركة ناشئة في المجال خلال عام 2022، مقارنة بتأسيس 41 شركة في عام 2021، وبذلك يصل العدد الإجمالي للشركات الناشئة في منظومة تكنولوجيا الكوانتم إلى 350 شركة، وهو ما يشير إلى توجيه المزيد من الاستثمارات إلى الشركات الناشئة القائمة فعلاً وليس إلى تأسيس شركات جديدة.

شكل 1

أما أسباب ذلك فهي عديدة؛ أولاً، قد تكون المواهب الخبيرة في هذا المجال والتي من الطبيعي أن تكون أقرب إلى تأسيس شركاتها الجديدة، التي تعتمد على فتوحات البحث الأكاديمي، تعمل بالفعل في الشركات الناشئة. ثانياً، ربما يؤدي العدد المحدود لنماذج الاستخدام التي تم تطويرها بشكل وافٍ للتنفيذ التجاري إلى صرف النظر عن تأسيس شركة جديدة. وأخيراً، قد يفضّل المستثمر تمويل الشركات الناشئة في مراحل متقدمة من عمرها أو تلك المؤهلة للتوسع.

وكان بعض من أكبر شركات تكنولوجيا الكوانتم محور صفقات كبيرة. وتمت أربع من أكبر عشر صفقات استثمارية منذ عام 2001 خلال عام 2022، بقيمة تصل إلى 500 مليون دولار. وبلغت قيمة سبع من أكبر عشر صفقات عام 2022 أكثر من 100 مليون دولار. وفي حين كانت أكبر صفقة لصالح شركة برمجيات، فإن 8 من الـ 10 الأكبر تعلقت بشركات أجهزة، ويرجع ذلك نوعاً ما إلى أن الأجهزة أكثر تطلباً لرأس المال ضمن سلسلة القيمة لصناعة تكنولوجيا الكوانتم.

واللافت أيضاً هو استمرار القطاع الحكومي في صب استثمارات في تكنولوجيا الكوانتم. وعام 2022، التزمت الولايات المتحدة بتمويل إضافي قدره 1.8 مليار دولار، بينما التزم الاتحاد الأوروبي بنحو 1.2 مليار دولار، وخصصت كندا 100 مليون دولار إضافية. ومع ذلك، فإن إجمالي الاستثمار الصيني المعلن البالغ 15.3 مليار دولار يبقى الأعلى عالمياً، حتى دون أن تخصص التزاماً إضافياً هذا العام.

تواصل الفتوحات العلمية وإن تباطأت وتيرتها

كانت تكنولوجيا الكوانتم في دائرة الضوء خلال عام 2022. فقد حصل آلان أسبكت، وجون كلاوزر، وأنتون زيلنغر، الباحثون في التشابك الكمومي، على جائزة نوبل في الفيزياء عن عام 2022. وعلى الرغم من أن عملهم الذي لاقى التكريم يمتد عبر ثلاثة عقود، فإن تقدماً لافتاً تحقق عام 2022 أيضاً. وعلى سبيل المثال، كشفت شركة آي بي إم عن معالج كمي بسعة 433 كيوبت وتخطط لبناء معالج 4000 كيوبت بحلول عام 2025. وكذلك، استخدمت تسانادو الكمبيوتر الكمي الضوئي لإثبات الميزة الكمية في أخذ عينات البوزون الغاوسي (مشكلة أخذ عينات التوزيع الاحتمالي)، بعد السابقة التي حددها فريقان آخران.

على أن تلك الفتوحات العلمية التي تحققت بصعوبة منجزات لافتة في ظل تباطؤ وتيرة أبحاث تكنولوجيا الكوانتم. وفي جميع أنحاء العالم، منحت 1589 براءة اختراع ذات صلة بهذه التكنولوجيا خلال عام 2022، أي بتراجع نسبته 61% مقارنة بعدد براءات الاختراع عام 2021. وما بين 2021 إلى 2022، انخفض عدد الأبحاث المنشورة حول تكنولوجيا الكوانتم بنسبة 5 في المائة.

ربما تمثّل هذه الاتجاهات دلالة على صعوبة حل التحديات المتبقية. والواقع أن المشكلة الأهم تبقى بلا حل؛ ألا وهي بناء كمبيوتر كمي بعدد وجودة كيوبتات كافية لضمان حوسبة بلا أخطاء. وفي حين أن حجم أجهزة الكمبيوتر الكمومية (من حيث عدد الكيوبتات داخلها) ودقة الكيوبت ينمو بشكلٍ مطّرد بشكل فردي، فإنه لم يبلغ حد النمو الجماعي بعد. وبمعنى آخر، نقول إنه عادةً ما يكون الحاسوب الكمومي الأكبر دقة أقل من جهاز الكمبيوتر الأصغر حجماً.

ولا تخلو كل مقاربة من المقاربات الخمس الرئيسية تجاه الحاسوب الكمومي من تحديات صعبة. فعلى سبيل المثال، لا تزال الأجهزة القائمة على الفوتونات "تسرب" الفوتونات، ما يؤدي إلى فشل العمليات الحسابية. ولم تُثبت الأجهزة القائمة على مصيدة الأيونات والأجهزة القائمة على الذرة المحايدة قدرتها على إجراء العمليات الحسابية بسرعة مع نمو أعداد الكيوبت. وكذلك، لا تزال الأجهزة الدوارة وذات الموصلية الفائقة بحاجة إلى توسيع نطاق أنظمة التحكم والتبريد الخاصة بها للتعامل مع آلاف الكيوبتات المحتملة.

يتزايد عدد المواهب، ولكن الحاجة إلى المزيد منها تبقى قائمة

تزايد عدد المواهب الملتحقة بصناعة التقنيات الكمية خلال عام 2022. ومن تحليلنا، نتبين أنه يمكن شغل ما يقرب من ثُلثي الوظائف المتاحة في الصناعة (450 من أصل 717) بخريجين جدد من الحاصلين على درجة الماجستير في تكنولوجيا الكوانتم عام 2022. وفي عام 2021، لم يتحقق سوى شغل ثُلث هذا العدد من الوظائف (290 من 851) (شكل 2).

وتحقق هذا التقدم على الرغم من زيادة عدد الوظائف الشاغرة في مجال التقنيات الكمية بنسبة 19% من عام 2021 إلى عام 2022. وسوف تضيق هذه الفجوة أكثر مستقبلاً، وذلك لأن هناك المزيد من المؤسسات الأكاديمية التي تعتمد برامج تدريس تكنولوجيا الكوانتم في مناهجها ولأن الجامعات قدّمت عدداً أكبر بنسبة 55% من الخريجين الحاصلين على درجة الماجستير. ونجد من بحثنا أن هناك ارتفاعاً في عدد الجامعات التي تقدّم برامج ماجستير في تقنيات الكم، من 29 جامعة في 2021 إلى 50 جامعة في عام 2022.

شكل 2

ويظهر من التحليل أن الوظائف المتبقية يمكن شغلها من قِبل خريجين من مجالات ذات صلة بتكنولوجيا الكوانتم، والتي تقدّم نحو 350 ألف خريج بدرجة الماجستير سنوياً في جميع أنحاء العالم. وتتركز في الاتحاد الأوروبي مواهب الكيمياء الحيوية والكيمياء والإلكترونيات والهندسة الكيميائية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والرياضيات والإحصاء والفيزياء. وفي عام 2020، كان 303 من كل مليون مقيم في الاتحاد الأوروبي من الخريجين الجدد بدرجة الماجستير في مجال متصل بتكنولوجيا الكوانتم (شكل 3).

وعلاوة على ذلك، يمكن صقل مستوى المواهب العاملة في المجال بجميع أنحاء العالم وتزويدهم بالمعارف في تقنيات الكوانتم لتلبية احتياجات الصناعة. فعلى سبيل المثال، يمكن لمهندسي النظم ومطوري خوارزميات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، وغيرهم ممن لديهم مهارات الترميز والذكاء الاصطناعي، اكتساب مهارات في أقل من ستة أشهر لترميز الخوارزميات الكمومية وتطويرها. وحتى في وقت تسرّح فيه شركات التكنولوجيا موظفيها، تبقى هذه المواهب محل طلب كبير.

شكل 3

كامل الرؤى والبيانات متوفرة في "راصد تكنولوجيا الكوانتم"، والذي يمكن تحميله كاملاً.

المحتوى محمي