إذا تمكنت من العودة بالزمن إلى الخلف، فما الذي ستغيره في حياتك، أو في العالم؟
تبدو فكرة تقديم نصيحة لنفسي جذابة جداً، لا سيما إذا كانت نصيحة ضرورية (أتمنى حقاً لو أستطيع أن أنصح نفسي بعدم تغيير تسريحة شعري في المرحلة الثانوية). لكن، من الممكن أن نفكر على مستوى أعلى من ذلك. فما رأيك في العودة بالزمن إلى الوراء من حيث الانبعاثات التي تسببت بالتغير المناخي؟
النقطة صفر في تاريخ الانبعاثات
لقد تسببنا بإطلاق غازات الدفيئة بكميات من رتبة الغيغا طن من خلال حرق الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة. وثمة الكثير من الإجراءات التي يجب أن ننفذها (ونحتاج إلى تنفيذها) لإبطاء هذه الانبعاثات التي ترفع حرارة الكوكب، وإيقافها في نهاية المطاف. لكن تكنولوجيا إزالة الكربون تعدنا بأمر مختلف، وهو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
إلى حد ما على الأقل. فإزالة الكربون لا تستطيع العودة بالزمن حرفياً. لكن تشبيه إزالة الكربون بآلة الزمن على هذا النحو -لا سيما على المستوى المطلوب لإحداث أثر فعلي في الانبعاثات- يروق للعالِم المناخي "ديفيد هو"، الذي أجريتُ مقابلة معه في أحدث مقالاتي. ولهذا، لنتأمل كيف يمكن لإزالة الكربون أن تعود بنا في الزمن بما يكفي لعكس تأثير أخطائنا (المتعلقة بالانبعاثات على الأقل).
يتجه العالم نحو تحقيق رقم قياسي جديد في انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون بسبب الوقود الأحفوري، إذ يُتَوَقع أن يصل الإجمالي العالمي إلى 36.8 مليار طن متري لهذا العام، وفقاً لأحدث إصدار من تقرير ميزانية الكربون العالمية (Global Carbon Budget Report).
اقرأ أيضاً: وفقاً لتقرير الأمم المتحدة: إزالة الكربون لم تعد ترفاً بل ضرورة ملحة
وللمرة الأولى هذه السنة، تضمن التقرير قيمة إجمالية أخرى، وهي مقدار ثنائي أوكسيد الكربون الذي أُزِيل من الغلاف الجوي من خلال تكنولوجيات شفط الكربون. ففي 2023، يُتَوَقع أن تصل كمية الكربون المُزال إلى 10,000 طن متري تقريباً.
من الواضح أن هذا المقدار أقل بكثير من مقدار الانبعاثات، لكن المقارنة الدقيقة قد تكون صعبة، كما يوضح "هو". يقول "هو" في رسالة بالبريد الإلكتروني: "أظن أن البشر (بمن فيهم أنا شخصياً) يجدون صعوبة في استيعاب المراتب العددية، مثل الفرق بين الآلاف والملايين والمليارات".
آلة الزمن الكربونية
وقد توصل "هو" إلى حل لهذه المشكلة، وهو التعبير عن الأشياء باستخدام الزمن. فالزمن مفهوم نستطيع إدراكه بالحدس، ما يمكن أن يزيد من سهولة استيعاب الأعداد الكبيرة. فألف ثانية تعادل 17 دقيقة تقريباً. ومليون ثانية تعادل 11 يوماً تقريباً. ومليار ثانية تعادل 32 سنة تقريباً.
وبما أن التعامل مع الزمن مألوف بالنسبة لنا إلى حد ما، يعتمد "هو" على فكرة آلة الزمن في أغلب الأحيان عندما يتحدث عن إزالة الكربون. ويقول: "أسعى إلى مساعدة الناس على إدراك مستوى المشكلة، ووضع 'الحل' في سياقه الصحيح".
لنتخيل أن تكنولوجيات إزالة الكربون كافة تمثل آلة زمن كبيرة، وتستطيع إعادة الزمن إلى الوراء من حيث الانبعاثات. فإذا كان العالم يصدر أقل من 40 مليار طن متري من ثنائي أوكسيد الكربون في السنة، فكم سنعود بالزمن إلى الوراء على نحو مكافئ للكمية الإجمالية المُزالَة هذا العام؟ حالياً، الجواب هو 10 ثوانٍ تقريباً.
اقرأ أيضاً: 6 طرق لإعداد خطط الوصول إلى صافي صفري من الانبعاثات
إذا أردنا تفادي أسوأ تأثيرات التغير المناخي، يجب أن نصل في نهاية المطاف إلى صافي انبعاثات صفري. ومن الواضح أن 10 ثوانٍ ليست كافية على الإطلاق للوصول إلى الصفر، إذا أخدنا بعين الاعتبار إجمالي الانبعاثات السنوي. وكي تصبح آلة الزمن هذه أكثر فعالية، يجب أن نركز على ناحيتين: رفع مستوى تكنولوجيا إزالة الكربون، والتخفيف من الانبعاثات إلى حد كبير.
لن نستطيع إيصال تكنولوجيا إزالة الكربون إلى مرحلة تجعل آلة الزمن أكثر فعالية على الفور، بل من المرجح أن يستغرق هذا وقتاً طويلاً. فثمة العديد من التحديات التقنية واللوجستية والاقتصادية التي يجب أن نواجهها أولاً. كما أن المشاريع الأولى، مثل محطة شركة كلايم ووركس (Climeworks) للالتقاط الهوائي المباشر في آيسلندا، لا تزال في بداياتها.
اقرأ أيضاً: صندوق استثماري يخصص 350 مليون دولار لتمويل شركات ناشئة مختصة بإزالة الكربون
يقول "هو": "سنحتاج إلى سنوات عديدة لتحقيق تقدم ملحوظ، ولهذا، يجب أن نبدأ على الفور". ويضيف قائلاً إنه من المناسب أن نركز على إزالة الكربون من القطاعات المختلفة في هذه الأثناء. فالتخفيف من الانبعاثات ممكن باستخدام الأدوات المتاحة لنا حالياً. ويمكن أن يؤدي هذا إلى تسهيل عمل تكنولوجيات إزالة الكربون بعض الشيء، حتى تتمكن من تقديم إسهام فعال في تنظيف انبعاثاتنا في نهاية المطاف.