في العام 1997، تمكن حاسوب آي بي إم الفائق "ديب بلو" من هزيمة الأستاذ الدولي الكبير غاري كاسباروف في مباراة للشطرنج. وقد كانت لحظة تاريخية، تمثل نهاية حقبة استطاع فيها البشر هزيمة الآلات في ألعاب استراتيجية معقدة.
واليوم، يمكن لروبوتات الذكاء الاصطناعي البرمجية أن تتغلب على البشر ليس في لعبة الشطرنج فحسب، بل تقريباً في كل ما هو موجود من الألعاب الرقمية. مع ذلك، وعلى الرغم من أننا بدأنا نشهد بعض التقدم في تطبيق المفاهيم المثبتة من وجهة نظر الذكاء الاصطناعي في رياضة المحركات الآلية، وتنس الطاولة، وحتى كرة السلة، إلا أن الذكاء الاصطناعي لم يقترب بعد من هزيمة البشر في الرياضات البدنية الحقيقية.
سيتطلب القيام بذلك تحقيق قفزة تقنية كبيرة تنقل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من أحدث ما توصلت إليه اليوم، لتمضي بها قدماً إلى مرحلة يمكن فيها للذكاء الاصطناعي أن يتفاعل مع العالم المادي والظروف المجهولة ويتمكن من إدراكها، بما في ذلك التواصل الجسدي مع الزملاء من المتسابقين أو اللاعبين، وكل ذلك يجري أثناء الاطلاع على استراتيجية اللعب، ومسار السباق، ولائحة القواعد وغيرها من التحديات المعقدة.
ماذا لو قلت لك إنه قد يتم تجاوز العتبة – لحظة انتصار "ديب بلو" التالية في المواجهة بين الآلة والتفاعل البشري – في وقت لاحق من هذا العام؟
تقوم لوكهيد مارتن بالشراكة مع دوري سباقات الطائرات المسيرة (DRL) – وهو سلسلة من المنافسات العالمية الاحترافية التي تتسابق فيها طائرات بدون طيار – بدعوة فرق من الطلاب، والمبرمجين والباحثين لتطوير، واختبار، ومن ثم التسابق باستخدام طائرات سريعة ذاتية التحليق لا تتطلب تدخلاً بشرياً أو برمجة ملاحية مسبقة.
نحن نطلق على المسابقة اسم ألفا بايلوت ونقدم ما يزيد عن 2 مليون دولار من الجوائز النقدية لمن يبتكر خوارزميات الذكاء الاصطناعي الأكثر ذكاءً والأعلى سرعة في الأداء. تُقام الآن التصفيات المؤهلة على منصة هيروكس. وقد تم تسجيل أكثر من 300 فريق. تأكد من أن تبادر بالتسجيل قبل الموعد النهائي في 8 مارس.
سوف نحدد فرق ألفا بايلوت في أبريل المقبل. حيث ستزود إنفيديا – الرائدة في حوسبة الذكاء الاصطناعي – المتبارين بوحدة الشرائح الذكية جيتسون إيه جي إكس كزافييه (Jetson AGX Xavier)، أكثر الحلول التقنية تطوراً للآلات ذاتية التحكم، ومن جهتها دي آر إل DRL سوف تزود الفرق بطائرات مسيرة معيارية للسباق.
ستجتمع فرق ألفابايلوت في وقت لاحق من هذا العام للتسابق باستخدام طائراتهم المسيرة ذاتية التحكم بالكامل عبر مسارات معقدة، ثلاثية الأبعاد، مستوحاة من ألعاب الفيديو في سلسلة سباقات الدوري دي آر إل الروبوتية الجديدة للذكاء الاصطناعي (AIRR).
في نهاية موسم AIRR، فإن أسرع طائرة مسيرة ذاتية التحكم سوف تتنافس وجهاً لوجه مع بطل مسابقة أليانز العالمية للعام 2019 من سلسلة طائرات دي آر إل المسيرة التي يقودها البشر. ستكون مواجهة بين الإنسان والآلة في ألعاب رياضية حقيقية.
ما الغاية من سباقات الطائرات المسيرة؟ إنها تمثل ميداناً عظيماً تخضع فيه ابتكارات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الطائرات المسيرة ذاتية التحليق للاختبارات الأولية. أُطلق على دي آر إل اسم "رياضة المستقبل"، وتتم متابعتها من قبل الملايين من الخبراء، ومحترفي اللعب وعشاق تكنولوجيا الطائرات المسيرة في جميع أنحاء العالم. كما أنها تزيل الحواجز بين العالمين الرقمي والحقيقي، الأمر الذي سيساعد فرق ألفا بايلوت على نقل تقنياتهم من بيئات الاختبار الافتراضية إلى مواقع التطبيق في العالم الحقيقي.
من جهته سيرتاك كارامان، البروفيسور في معهد إم آي تي، والذي يعمل فريقه في سباقات الطائرات المسيرة ذاتية التحكم على مدى السنوات القليلة الماضية وقاموا بتطوير برنامج المحاكاة الذي يستخدم في تأهيل متسابقي ألفا بايلوت، يوافق على وصف هذا التحدي بأنه "ميدان اختباري مذهل لما يعد طفرة في عالم تكنولوجيا الطائرات المسيرة ذاتية التحكم".
وأشار بروفيسور كارامان إلى أن: "لوكهيد مارتين و دي آر إل يجمعان بين مجموعة متنوعة من الخبراء، ويتيحان للفرق فرصة الوصول إلى التوليفة المناسبة من العتاد الصلب والأدوات البرمجية، بالإضافة إلى توفير فرص للتدريب في العالمين الافتراضي والحقيقي لوضع تعليماتهم البرمجية موضع الاختبار". ويتابع: "أنا أؤمن بشدة أن هذا التحدي سيساعد بشكل كبير على تسريع تطوير تكنولوجيا التحكم الذاتي من خلال المناورة الرشيقة ذاتية التحكم عند وقوع حادث مروري، على سبيل المثال".
من الواضح أن تطبيقات الطائرات المسيرة ذاتية التحليق تتعدى بكثير سباقات السرعات العالية. إن تكنولوجيا التحليق ذاتي التحكم تعد بإحداث تغيير جذري وشامل للأسلوب الذي ننتهجه في مجال المساعدات الإنسانية، والإغاثة في حالات الكوارث وغيرها من الحالات التي تشكل تهديداً محتملاً للسلامة البشرية ولكنها تتطلب إجراءات سريعة وحاسمة.
لنتخيل عالماً تنتشر فيه الطائرات المسيرة ذاتية التحليق على الفور لتقييم المناطق المنكوبة بالكوارث الطبيعية – حتى تلك الواقعة في أبعد المناطق النائية – بهدف تحديد الاحتياجات وتوزيع الإمدادات الإنسانية الملائمة في الزمن الحقيقي تقريباً. أو لنتخيل عالماً تستطيع فيه الطائرات المسيرة ذاتية التحليق أن تكشف عن حرائق الغابات من بدايتها، وتمنعها من أن تفتك بالأرواح والممتلكات.
لا يصعب تخيل مستقبل كهذا، فالذكاء الاصطناعي بدأ بإفساح المجال أمام تطوير تكنولوجيا مذهلة في السفر نحو أعماق الفضاء. لنأخذ على سبيل المثال آخر مركبة هبوط لناسا على كوكب المريخ وتسمى إنسايت، والتي عملت عليها لوكهيد مارتن. عندما وصلت إنسايت إلى الكوكب الأحمر في نوفمبر الماضي، كان التأخير الحاصل في الاتصالات الجارية مع الأرض حوالي 8 دقائق.
هذا يعني أنه كان على المركبة الفضائية أن تنفذ عملية الدخول في جو المريخ، والنزول والهبوط – وهو ما يعرف أيضاً بدقائق الرعب السبع – وكل ذلك بمفردها. تعمل شركة سيكورسكي التابعة لمؤسسة لوكهيد مارتن على تشغيل طائرة مروحية بحثية ذاتية التحكم لخمس سنوات، وهي تكنولوجيا نتوقع تواجدها يوماً ما على جميع الطائرات المروحية التجارية والعسكرية على شكل "طيار إضافي افتراضي".
لقد أمضت لوكهيد مارتن السنوات المائة الماضية في إعادة صياغة مستقبل الطيران، من الابتكارات التاريخية الرائدة مثل المروحيات ذاتية التحكم والطائرات فوق صوتية وصولاً إلى الطائرات الشبحية ورحلات الفضاء العميق المأهولة. وأمضت دي آر إل السنوات العديدة الماضية وهي تعمل على تغيير الشكل الذي نعرفه عن عالم الرياضة، حيث يتقاطع كل من التكنولوجيا، والترفيه، وممارسة الألعاب.
إن الأنظمة ذاتية التحكم المعززة بالذكاء الاصطناعي، مثل تلك التي تسعى فرق ألفا بايلوت لتطويرها، تَعِدُ بتغيير مستقبلنا بطرق أكثر إذهالاً للعقول. انضم إلينا في هذه الرحلة، واجعل هدفك أن يكون كتابة السيناريو الخاص بالمائة سنة القادمة من تاريخ الطيران.