هل تقنية التوأم الرقمي مجرد مصطلح رائج أم ضرورة استراتيجية لمستقبل مؤسستك؟

6 دقيقة
التوأم الرقمي
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: عبدالله بليد.

يشهد مشهد الأعمال الحديث تحولاً جذرياً مدفوعاً بتقنيات تطمس الحدود بين العالمين المادي والرقمي، وفي طليعة هذا التحول تأتي تقنية التوأم الرقمي التي تتيح محاكاة سيناريوهات افتراضية والتنبؤ بالنتائج قبل اتخاذ أي إجراء في العالم الحقيقي، إذ من المتوقع أن يقفز حجم سوقها بنهاية العقد الحالي إلى أكثر من 259 مليار دولار. وبينما تتطلع المؤسسات بحماس إلى هذا، فإن العديد من المدراء التنفيذيين يتساءلون: هل نحن مستعدون حقاً لاستخدام هذه التقنية؟

ما  هي أهمية تقنية التوأم الرقمي للمؤسسات؟ ولماذا تعد ضرورية لنمو الأعمال؟

في مختلف الصناعات تخدم تقنية التوائم الرقمية أربعة أغراض أساسية هي: المحاكاة والتنبؤ والكفاءة والابتكار، فهي تتيح محاكاة سيناريوهات تنبؤية والتنبؤ بالأعطال أو الطلب وتحسين الأداء والابتكار بشكل أسرع باستخدام النماذج الأولية الافتراضية، ما يمكن من اتخاذ قرارات أذكى وأسرع طوال دورة حياة المنتج أو النظام.

ومع ذلك، إن إدراك فوائد تقنية التوائم الرقمية لا يكفي، فالجاهزية تعني أن تكون كقائد مستعداً للعمل وفقاً لنتائج تبني هذه التقنية، فالشركة قد تكون على اطلاع بفوائدها، لكنها قد تتعثر إذا لم يكن موظفوها أو بياناتها أو أنظمتها مستعدة، فبدون الأساس السليم قد تنفق الموارد على مشاريع تجريبية ببيانات ضعيفة أو تشتري برامج باهظة الثمن لا تستخدم، أو تعقد البنية التحتية التكنولوجية للشركة بعمليات تكامل هشة.

النتيجة: ضياع فرص لمنع الأعطال أو تحسين التكاليف، وبالنسبة لقادة الأعمال والمدراء التنفيذيين، فإن هذا المسار يعني أن تأخير التبني ليس مجرد فرصة ضائعة بل هو خطأ استراتيجي قد يؤدي إلى تقدم المنافسين، ما قد يزيد صعوبة مواكبتهم لاحقاً.

لكن، توفر التوائم الرقمية فوائد استراتيجية شاملة تمكن المؤسسات من الريادة في البيئات التنافسية من خلال:

- تعزيز عملية اتخاذ القرار: توفير رؤى آنية قائمة على البيانات يسمح للقادة باختبار السيناريوهات والتنبؤ بالنتائج، ما يقلل بشكل كبير الأخطاء المكلفة التي قد تنشأ عن معلومات غير كافية أو غير دقيقة.

- الابتكار والبحث والتطوير: إنشاء نماذج أولية افتراضية واختبار التصاميم الجديدة قبل طرحها في السوق، ما يخفض التكاليف ويسرع الجداول الزمنية.

- تخفيف المخاطر: محاكاة سيناريوهات تشغيلية متنوعة للمساعدة على تحديد مخاطر السلامة المحتملة قبل أن تتفاقم وتتحول إلى حوادث حقيقية.

- ابتكار نماذج أعمال جديدة: إنشاء عروض مبتكرة ونماذج أعمال تفتح آفاقاً تساعد على اقتحام أسواق جديدة.

- تحسين الكفاءة التشغيلية: المراقبة في الوقت الفعلي وتحسين العمليات وتخصيص الموارد وأتمتة المهام.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن استخدام تقنية التوأم الرقمي في صناعة الأغذية؟

التحقق من الجاهزية: هل مؤسستك مستعدة لتطبيق تقنية التوأم الرقمي؟

لا يقتصر نجاح تبني التوأم الرقمي على مسعى تكنولوجي فحسب، بل يعتمد على أساس متين يشمل:

1- البنية التحتية التكنولوجية ونضج البيانات

يعد الأساس التكنولوجي المتين أمراً بالغ الأهمية لنجاح تبني تقنية التوأم الرقمي، بما في ذلك:

  • الاتصال: تحتاج المؤسسات إلى أساس متين من أجهزة استشعار وأجهزة إنترنت الأشياء لجمع بيانات مستمرة وفورية من الأصول المادية، ما يتطلب شبكات اتصال موثوقة لضمان نقل المعلومات الحيوية بسلاسة.
  • إدارة البيانات: تعد البيانات العالية الجودة والمنسقة من مصادر متعددة أمراً بالغ الأهمية لدقة نماذج التوأم الرقمي، يتضمن ذلك أنظمة قوية لجمع البيانات وتخزينها وتنظيفها.
  • الحوسبة السحابية: تعد أنظمة الحوسبة السحابية حيوية لإدارة تدفقات البيانات الضخمة، حيث توفر مساحة تخزين قابلة للتوسع وقوة معالجة قوية، وهو أمر أساسي لتطبيقات التوأم الرقمي المعقدة.

2- الثقافة التنظيمية والمواهب

التكنولوجيا وحدها غير كافية للنجاح، فالبيئة التنظيمية الداعمة والقوى العاملة الماهرة أمران بالغا الأهمية، وتشمل:

  • دعم القيادة: مبادرات التوأم الرقمي في جوهرها مساعٍ استراتيجية وليست مجرد مشاريع تكنولوجية بحتة، ومن ثم يعد الالتزام القيادي أمراً أساسياً لتعزيز المساءلة والحفاظ على الزخم ودعم التحولات الثقافية والذهنية اللازمة.
  • التعاون بين الإدارات: غالباً ما تمتد مشاريع التوأم الرقمي إلى إدارات متعددة وتتطلب تعاوناً سلساً بينها لمنع تأخير المشاريع وسوء الفهم.
  • المواهب والمهارات: يتطلب التنفيذ الناجح للتوأم الرقمي مزيجاً من المواهب الجديدة والخبرة في مجالات مثل علوم البيانات وهندسة البرمجيات والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.

3- التوافق الاستراتيجي وتحديد حالات الاستخدام

تطبيق التوأم الرقمي يمثل ضرورة استراتيجية لتقليل مخاطر الاستثمارات الكبيرة، ويشمل:

  • أهداف واضحة: ينبغي أن يكون نشر التوأم الرقمي مدفوعاً دائماً بوجود تحديات محددة، سواء كانت تحسين كفاءة اتخاذ القرار أو تسريع الابتكار أو استقطاب أشكال جديدة من الكفاءة التشغيلية.
  • النهج التدريجي: ينبغي أن تأخذ خطة التنفيذ الشاملة في الاعتبار سيناريوهات العالم الحقيقي والتحديات المحتملة، ما يسمح بإدارة فعالة للمخاطر والتحسين بناءً على الدروس المستفادة الأولية.
  • الشراكات: يمكن للمؤسسات أن تتجاوز حدودها الداخلية لإنشاء مبادرات التوائم الرقمية، إذ يعد التعاون مع الجهات الحكومية وموردي التكنولوجيا أمراً بالغ الأهمية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك استنساخ نفسك رقمياً باستخدام الذكاء الاصطناعي؟

4- الالتزام المالي والموارد

يعد فهم الاستثمار المطلوب والعوائد المتوقعة أمراً مهماً لضمان استمرارية مبادرات التوأم الرقمي على المدى الطويل، ما يتطلب:

  • فهم الاستثمار الأولي: يتطلب تطبيق التوأم الرقمي استثماراً مالياً في التكنولوجيا والأدوات وربما توظيف موظفين جدد بخبرة مناسبة.
  • إعداد الميزانية للصيانة المستمرة: في حين أن النفقات الأولية للبرمجيات والأجهزة والتكامل قد تكون كبيرة، فإن الاستعداد لترقية حلول الحوسبة السحابية والتقنيات يجعل مبادرات التوائم الرقمية أكثر قابلية للنمو.

كيفية تقييم جاهزية مؤسستك وتعزيزها لنشر تقنية التوائم الرقمية

يمكن للقادة قياس جاهزية مؤسساتهم لتطبيق تقنية التوأم الرقمي في العمليات التشغيلية من خلال طرح أسئلة محددة واتباع خارطة طريق، وقد يتضمن التقييم الذاتي البسيط مثل هذه الأسئلة:

  • استراتيجي: هل تقنية التوأم الرقمي جزء واضح من استراتيجيتنا؟ هل لدينا أهداف واضحة مرتبطة بها؟ هل قادة الأعمال مسؤولون عن المبادرة؟
  •  التكنولوجيا: هل أساسنا التقني جاهز؟ هل لدينا أجهزة استشعار إنترنت أشياء كافية على الأصول المادية؟ هل شبكة الاتصال والبنية التحتية السحابية لدينا جاهزة للتعامل مع تدفقات البيانات المستمرة وعمليات المحاكاة؟
  • البيانات: هل يمكننا الوثوق ببياناتنا؟ هل أنظمة البيانات المنعزلة مدمجة في منصة موحدة؟ هل جودة البيانات عالية؟
  • المواهب والشركاء: من سيبني مبادرات التوأم الرقمي ويديرها؟ هل لدينا مهندسو بيانات ومحللون وخبراء متخصصون داخلياً؟ هل يمكننا الاستعانة باستشاريين أو جهات أكاديمية أو شركاء تقنيين خارجيين؟

اقرأ أيضاً: 5 أسباب تجعل التحول الرقمي ضرورياً لنمو الأعمال

فوائد ملموسة لتقنية التوأم الرقمي عبر مختلف القطاعات

تقدم تقنية التوائم الرقمية قيمة كبيرة عبر مجموعة متنوعة من القطاعات محدثةً تحولاً في العمليات وموفرة فرصاً جديدة لنمو الأعمال، ومن ضمن هذه القطاعات:

قطاع التصنيع والعمليات

تحدث التوائم الرقمية ثورة في مجال التصنيع من خلال تمكين الصيانة التنبؤية، حيث تراقب تآكل أجزاء الآلات باستمرار لاستباق الأعطال، ما يسمح بجدولة صيانة استباقية وتقليل كبير في فترات التوقف عن العمل. على سبيل المثال، تستخدم شركة سيمنز هذه التقنية لتحسين عمر التوربينات ومراقبتها باستمرار.

المدن الذكية والبنية التحتية

في البيئات الحضرية تعد تقنية التوائم الرقمية فعالة في التخطيط وإدارة حركة المرور، حيث تنمذج أنماط حركة المرور لتحسين التدفق وتخفيف الازدحام وتصميم شبكات طرق أكثر فاعلية. على سبيل المثال، تستخدم مدن مثل سنغافورة وشنغهاي التوائم الرقمية الشاملة لتحسين استهلاك الطاقة وانسيابية حركة المرور.

قطاع الرعاية الصحية

تحدث التوائم الرقمية ثورة في مجال الرعاية الصحية، لا سيما في الطب الشخصي والتخطيط الجراحي، فهي تمكن من إنشاء توائم رقمية للمرضى أو أعضائهم الداخلية، ما يسمح للأطباء بمحاكاة الإجراءات ودراسة الأمراض في بيئة افتراضية خالية من المخاطر، ما يساعد على فهم تطور المرض واختبار خيارات علاجية متنوعة مصممة خصيصاً لكل مريض على حدة.

قطاع تجارة التجزئة وسلسلة التوريد

تعزز التوائم الرقمية إدارة المخزون وتحسين الخدمات اللوجستية من خلال التتبع الفوري والتنبؤ الدقيق بالطلب والتحكم الفعال في المخزون ومحاكاة سيناريوهات مختلفة لتحديد أكثر المسارات كفاءة ومستويات المخزون المثلى. على سبيل المثال، تستخدم شركة لووز التوائم الرقمية لتحسين عمليات المتاجر، ما يوفر رؤى ثاقبة لتحسين وضع المنتجات وتخطيطات الطوابق.

قطاعا الطيران والفضاء

تسهل التوائم الرقمية تحسين التصميم وتقييم الأداء، فهي تمكن من إنشاء نماذج افتراضية دقيقة للأنظمة ما يسمح بتحسين التصميم والتنبؤ بالنتائج التشغيلية وتحديد المشكلات المحتملة قبل الإنتاج أو النشر. على سبيل المثال، تستخدم شركتا بوينغ وإيرباص التوائم الرقمية في تصميم الطائرات وإنتاجها، كما توفر التوائم الرقمية عمليات محاكاة لصناعة الفضاء، حيث توفر بيئات افتراضية واقعية للاختبار وتدريب الموظفين وتقييم المخاطر.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد استراتيجيات التحول الرقمي الشركات على النمو؟

ما ينبغي لك تفاديه عند تطبيق تقنية التوأمة الرقمية في مؤسستك

غالباً ما يقوض العديد من الأخطاء الشائعة نجاح تطبيق تقنية التوأم الرقمي في المؤسسات وقيمتها، وتشمل الأخطاء الأكثر شيوعاً ما يلي:

  • يؤدي التسرع في تطبيق التوائم الرقمية إلى التبسيط المفرط، إذ تعامل كمجرد نسخ افتراضية دون مراعاة التفاعل المعقد للبيانات والمزامنة الآنية والتحليل، ما يحد من فائدتها.
  • قد يؤدي اختيار البرامج أو مجموعات الأدوات دون فهم واضح لحالة الاستخدام إلى قيود تقنية، كما أن الحلول المحدودة أو أحادية الغرض قد تحصر التوأم الرقمي في نطاق محدود.
  • قد يكون تطبيق التوائم الرقمية على خط إنتاج كامل أو على أصول متعددة في آنٍ واحد أمراً معقداً ومكلفاً، لذا من الأفضل البدء ببعض الأجزاء المهمة وإتقانها ثم التوسع تدريجياً لتجنب فقدان البيانات أو التكوينات المهمة.
  • قد يحد عدم التخطيط لمواجهة نمو البيانات مستقبلاً من فائدة التوأم الرقمي على المدى الطويل، لذا يعد وجود بنية قابلة للتطوير قادرة على التعامل مع مصادر بيانات متنوعة وأحجام بيانات متزايدة أمراً أساسياً لتحقيق نجاح مستدام.
  • يتطلب إنشاء التوأم الرقمي خبرة لأنه عملية معقدة، لذا غالباً ما تواجه المؤسسات التي تستهين بالجهد المبذول أو تحاول بناء نماذج دون خبرة كافية عقبات لاحقة، ومن ثم يمكن لطلب المساعدة من شركاء ذوي خبرة توجيه العملية وتحسين النتائج.

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا التوأم الرقمي في الشبكات اللاسلكية الناشئة ستجعل المدن الذكية أكثر ذكاءً

تمثل تقنية التوأم الرقمي نقلة نوعية في كيفية تفاعل الصناعات المختلفة مع أصولها وأنظمتها وعملياتها وإدارتها، وفي حين أن تحديات مثل التعقيد وجودة البيانات وقابلية التوسع أعاقت تبنيها في الماضي، فإن التطورات في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والحوسبة السحابية بإمكانها التغلب على هذه العوائق، ومن ثم من خلال سد الفجوة بين العالمين المادي والرقمي تعيد التقنية تشكيل الصناعات وترسي الأساس لمستقبل أكثر ذكاءً وترابطاً.

المحتوى محمي