كيف يمكن استخدام تقنية التوأم الرقمي في صناعة الأغذية؟

4 دقيقة
كيف يمكن استخدام تقنية التوأم الرقمي في صناعة الأغذية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/3rdtimeluckystudio

تخيل عالماً تستطيع فيه استنساخ طائرة أو مصنع أو حتى نكهة طعام، ليس فقط كصورة ثلاثية الأبعاد، بل كنسخة رقمية حية تنبض بالبيانات والمعلومات. هذا العالم ليس تصوراً خيالياً، بل هو واقع ممكن التحقيق بفضل تقنية التوأم الرقمي.

في عصر الثورة الرقمية، أصبحت الشركات في سباقٍ مستمرٍ نحو تحسين الكفاءة وتقليل الأخطاء والابتكار في تقديم المنتجات والخدمات. هنا يبرز التوأم الرقمي واحداً من أقوى الأدوات التي تحوّل المفاهيم النظرية إلى إنجازات ملموسة. من مراقبة الجسور العملاقة وحتى تحسين مذاق القهوة الصباحية، تُحدِث هذه التقنية ثورة حقيقية عبر مختلف الصناعات وخاصة في مجال تصنيع الأغذية.

على الرغم من أن هذه التقنية حديثة نسبياً، فإنها أصبحت تُضيف قيمة للشركات، ويُعتبر التوأم الرقمي بمثابة "نسخة" أو نموذج رقمي يُحاكي كياناً موجوداً في العالم الحقيقي، مثل الطائرات والسيارات والمباني والجسور والمصانع وغير ذلك الكثير. تعتمد هذه التقنية على استخدام بيانات آنية لتحويل المعلومات الحقيقية إلى نماذج رقمية، بحيث تحاكي الكائن المادي نفسه، ما يوفّر للشركات وسيلة فعّالة للكشف عن المشكلات وحلها وتحسين العمليات التشغيلية وتعزيز الأداء العام.

اقرأ أيضاً: كيف مكّنت التوائم الرقمية من إجراء تجارب علمية كانت مستحيلة سابقاً؟

الأهمية المتزايدة لتقنية التوأم الرقمي

يعود تاريخ أول تطبيق لفكرة التوأم الرقمي إلى السبعينيات، عندما استخدمته وكالة ناسا لمحاكاة وحدة القيادة في أثناء مهمة أبولو 13. ومنذ ذلك الحين، تطورت التقنية بشكلٍ كبير، لكن مصطلح "التوأم الرقمي" لم يُستخدم بشكلٍ رسمي إلّا مع بداية الألفية الجديدة. وعلى الرغم من أن تقنية التوأم الرقمي بدأت مؤخراً بالانتشار الواسع في مختلف الصناعات، فإن تأثيرها يشهد نمواً متسارعاً.

وفقاً لتقرير صادر عن Fortune Business Insights، من المتوقع أن تصل القيمة السوقية العالمية لتقنية التوأم الرقمي إلى 259.32 مليار دولار بحلول عام 2032، مقارنة بـ 12.91 مليار دولار عام 2023. وتشير الدراسات إلى أن أميركا الشمالية، التي قُدِرت حصتها السوقية في 2023 بنحو 4.46 مليارات دولار، من المتوقع محافظتها على الريادة في هذا المجال حتى عام 2028. وتشمل أبرز القطاعات المستفيدة من التوأم الرقمي الطيران والسيارات والتصنيع الغذائي.

كيف يستفيد قطاع الأغذية من تقنية التوأم الرقمي؟

يواجه قطاع تصنيع الأغذية تحديات فريدة. وتظهر تقنية التوأم الرقمي حلاً واعداً للتعامل مع العديد من تلك التحديات. عند استخدام التوأم الرقمي في تصنيع المنتجات الغذائية، تبدأ العملية بإنشاء "المعيار الذهبي"، الذي يظهر ملفاً رقمياً يمثّل النكهة المثالية للمنتج. 

مفهوم Foodpairing هو توافق مبتكر يعتمد على الجمع بين المكونات الغذائية التي تحتوي على مُركّبات عطرية وكيميائية مشتركة، ما يؤدي إلى توليد تجارب نكهة متناسقة ومثيرة. على الرغم من أن هذه الفكرة قد تبدو بديهية، فإن التوصل إليها بشكلٍ علمي يتطلب تقنيات تحليل معقدة ومعرفة عميقة بالكيمياء العطرية. تستفيد تقنية Foodpairing من قاعدة بياناتها الكبيرة لتحديد هذا المعيار الذهبي. بمجرد التوصل إلى المعيار، يولّد الذكاء الاصطناعي مجموعة وصفات تتوافق معه. تُعدّ هذه الوصفات بواسطة طاهٍ لتُقارن بالمعيار المحدد، ما يُتيح إجراء تحسينات خلال أيام قليلة بدلاً من الأشهر التي تتطلبها الطرق التقليدية.

كما يمكن للتوائم الرقمية أن تُحاكي ردود فعل المستهلكين تجاه المنتجات الجديدة. باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، تتمكن Foodpairing من التنبؤ بتصورات المستهلكين تجاه النكهات والقوام والألوان، بالإضافة إلى الاستجابات المحتملة لها. وتُتيح هذه العملية المدعومة بالتكنولوجيا تكراراً سريعاً وتحسيناً لعمليات التصنيع، ما يؤدي إلى خفض الزمن والتكلفة مقارنة بالطرق التقليدية التي تعتمد على التجربة والخطأ. ومن خلال القدرة على محاكاة ملايين الاستجابات، تُسهم هذه التقنية في رفع دقة تطوير المنتجات وزيادة فرص نجاحها وتسويقها في السوق.

اقرأ أيضاً: التوائم الرقمية للبشر تغزو العالم مدعومة بالذكاء الاصطناعي

فوائد تقنية التوأم الرقمي في قطاع الأغذية

تحسين جودة المنتجات

تساعد التوائم الرقمية الشركات المُصنّعة على تحديد الأسباب الرئيسية لمشكلات الجودة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجتها لضمان منتجات عالية الجودة تحافظ على رضا العملاء.

تعزيز سلامة الأغذية وتتبّعها

تساعد هذه التقنية الشركات على الالتزام باللوائح الصارمة المتعلقة بسلامة الأغذية، مثل قواعد CGMPs في الولايات المتحدة، أو القانون العام للأغذية في الاتحاد الأوروبي، ما يعزّز سلامة المنتجات الغذائية وتتبّعها.

زيادة الكفاءة التشغيلية

تسهم التوائم الرقمية في تعزيز كفاءة العمليات التشغيلية عبر تحديد الاختناقات الإنتاجية وتقليل ساعات العمل الإضافية وخفض التكاليف.

التكيُّف مع متطلبات المستهلكين

تركّز هذه التقنية في قطاع الأغذية على تلبية احتياجات المستهلكين، وتُعدّ المرونة أمراً أساسياً. وقد برزت أهمية هذه المرونة خلال جائحة كوفيد-19، عندما تغيرت عادات الاستهلاك الغذائي بشكلٍ جذري، ما أجبر الشركات على تعديل استراتيجياتها بسرعة.

من بين الشركات الرائدة عالمياً التي اعتمدت تقنية التوأم الرقمي لتقديم حلول مبتكرة في قطاع الأغذية شركة TCS Research، حيث طوّرت الشركة نظاماً متكاملاً يستخدم التوأم الرقمي لتقليل الإهدار الغذائي وتحسين كفاءة سلسلة التوريد، وهو تحدٍ عالمي يُكلّف الاقتصاد الهندي أكثر من 1.2 تريليون دولار سنوياً. يعتمد هذا النظام على مراقبة الخصائص الحسية للمنتجات الغذائية مثل الفواكه والخضروات في الوقت الفعلي باستخدام مستشعرات متطورة وتقنيات الذكاء الاصطناعي. من خلال هذه التقنية، تُنشأ نسخة رقمية تُحاكي المنتجات الحقيقية وتُتيح للأطراف المختلفة، من مزارعين إلى موزعين، التنبؤ بتغيرات الجودة وإدارة التخزين والنقل بفاعلية. تقدّم التقنية رؤى فورية للشركة تُتيح اتخاذ قرارات ديناميكية لضبط الظروف البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة، ما يساعد على إطالة العمر الافتراضي للمنتجات وتقليل الفاقد. هذه الحلول تمثّل قفزة نوعية في إدارة سلاسل التوريد الغذائية بطريقة مستدامة وذكية.

كما يجب ذكر شركات أخرى مثل Mirelite Mirsa، وهي شركة مجرية متخصصة في إنتاج الخضروات والفواكه المجمدة، طبّقت تقنية التوأم الرقمي بالتعاون مع مستشعرات ذكية في عملية إنتاجها. ساعدت هذه التقنية على مراقبة العوامل الحرجة مثل درجة الحرارة والرطوبة وضبطها في الوقت الفعلي، ما أدّى إلى تحسين السلامة الغذائية وتقليل الإهدار وزيادة الكفاءة التشغيلية. هذا التطبيق أظهر تأثيراً كبيراً في تحسين الجودة وخفض التكاليف.

التحديات والعيوب

على الرغم من إمكانات تقنية التوأم الرقمي الهائلة، فإنها تواجه تحديات كبيرة، مثل التكاليف المرتفعة للتنفيذ وصعوبة إدارتها وقضايا تتعلق بجودة البيانات وسرعتها.

المحتوى محمي