كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تقليل البصمة البيئية لمختلف الصناعات؟

4 دقيقة
كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تقليل البصمة البيئية لمختلف الصناعات؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/kate3155

من المعروف أن الانبعاثات العالمية استمرت في التزايد طوال القرن الماضي بالتزامن مع النمو الصناعي. وبحسب التقديرات، ينبعث سنوياً أكثر من 35 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مقارنة بـ 6 مليارات طن فقط عام 1950. 

وبما أن القطاعات الصناعية مسؤولة عن نحو 30% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري على مستوى العالم، فهناك حاجة إلى إيجاد طرق تقلّل أو الكربون أو تزيله نهائياً من الصناعات بسرعة، ويبدو أن الباحثين يفكّرون في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتحقيق هذا الهدف.

لتقييم الدور الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي في تحسين استهلاك الموارد وتقليل البصمة الكربونية والهدر، أجرى باحثون عرب، وهم إخلف جبور وزبيدة بن المأمون من جامعة ليوا وهناء الهاشمي من جامعة ابن طفيل المغربية، مراجعة بحثية للدراسات والأبحاث والبيانات المتوفرة على الإنترنت، نُشِرت هذه المراجعة في مجلة البنية التحتية والسياسات والتنمية (Journal of Infrastructure, Policy and Development)، وقد بيّنت أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دوراً إيجابياً في تحسين كفاءة العمليات الصناعية وتقليل التكاليف، إلى جانب تأثيراته الاجتماعية المتعلقة بتغير طبيعة العمل والتفاعل البشري. ورغم هذه الفوائد، بيّنت المراجعة أن تبني الذكاء الاصطناعي لا يخلو من تحديات، تشمل تكاليف التبني وحماية البيانات والتكامل مع الأنظمة الحالية.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين لمواجهة التغير المناخي

كيف أُجري البحث؟

اعتمد الباحثون على نهج شامل لجمع المقالات العلمية والدراسات والأبحاث بهدف إجراء مراجعة حول دور الذكاء الاصطناعي في تقليل البصمة الكربونية لمختلف الصناعات، تم التركيز على عدة صناعات رئيسية وُظِّف فيها الذكاء الاصطناعي بالفعل لتعزيز الإنتاج النظيف وهي الصناعة التحويلية والقطاع الزراعي وقطاع الطاقة. وبعد جمع هذه المعلومات، قيّم الباحثون التحسينات التي شهدتها القطاعات الصناعية التي تبنت الذكاء الاصطناعي ومدى التزامها بالمعايير البيئية.

دور الذكاء الاصطناعي في الإنتاج النظيف

تبين للباحثين أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تقليل البصمة الكربونية لمختلف الصناعات من خلال 6 طرق وهي:

1. تقليل استهلاك الموارد

يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تحسين استهلاك الموارد وخاصة الطاقة والمواد الخام. على سبيل المثال، في بعض المصانع التي تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لمراقبة العمليات التشغيلية في الوقت الفعلي، لوحظ انخفاض في الاستهلاك الإجمالي للطاقة بنسبة وصلت إلى 30%، بالإضافة إلى ذلك، أسهم الذكاء الاصطناعي في بعض الصناعات بتحسين استخدام المواد الخام وتقليل معدلات الهدر بنسبة وصلت إلى 20%، وذلك بفضل قدرته على التخطيط الاستراتيجي وتحسين دقة التصنيع.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن تخفيف تأثير الذكاء الاصطناعي على البيئة؟

2. تقليل النفايات

يُعدُّ تقليل النفايات الصناعية أحد أبرز التحديات في عصرنا، وقد تبين أن الذكاء الاصطناعي يعزّز كفاءة العمليات وإدارة الموارد من خلال التعلم الآلي والتحليل الحسابي للمعدات الصناعية. ينعكس ذلك على شكل انخفاض كبير في نسبة النفايات، كما تبين أن جمع البيانات وتحليلها يسهم في تحسين إدارة النفايات الصلبة ويساعد على تحسين إعادة تدويرها.

3. الحد من الانبعاثات

يسهم الذكاء الاصطناعي في تقليل الانبعاثات الضارة من خلال إدارة سلاسل التوريد بفاعلية. على سبيل المثال، التحولات في قطاع الطاقة التي يدعمها الذكاء الاصطناعي تعزّز تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقليل انبعاثات الغازات الضارة، كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات قطاع النقل يسهم بشكلٍ فعّال في تحسين هذا القطاع عن طريق اختصار المسافات وتجنب الازدحام.

4. تقليل استهلاك المياه

تمثّل أنظمة الري الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي حلاً متطوراً لتقليل استهلاك المياه في الزراعة، تعتمد هذه الأنظمة على بيانات تُجمع من أجهزة استشعار خاصة بالتربة والمناخ، كما تحلل الصور، ثم تُستخدم هذه البيانات لري المحاصيل في الأوقات المناسبة، وقد تبين أن استخدام هذه الأنظمة أدّى إلى تحسين إنتاجية المحاصيل وجودتها مقارنة بالأساليب التقليدية، إلى جانب توفير نسبة 11% من المياه.

5. حماية التنوع البيولوجي

يواجه العالم أزمة كبيرة بسبب احتمال انقراض مليون نوع من الكائنات الحية، ما دفع باحثين إلى إلى تطوير نموذج ذكاء اصطناعي متقدم يُدعى كابتن (CAPTAIN)، الذي يهدف للحفاظ على التنوع البيولوجي بطريقة أفضل من الأساليب التقليدية. يساعد النموذج على تحسين الكفاءة وتخصيص الموارد المحدودة لحماية الأنواع المهددة بالانقراض.

6. تعزيز الامتثال للأنظمة البيئية

لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على تقليل البصمة الكربونية للصناعات فحسب، بل تجاوز الأمر ذلك إلى مساعدة السلطات على التحقق من امتثال الصناعات للمعايير البيئية. على سبيل المثال، طُوِّرت أدوات رقابية للانبعاثات تُتيح تحديد نسبة الانبعاثات التي يجب عند تجاوزها فرض غرامات، مثل نظام ماي إير كواليتي إيندكس (My Air Quality Index)، وهو نظام حديث للتنبؤ بجودة الهواء يعتمد على نموذج ذكاء اصطناعي يأخذ بعين الاعتبار الحالة الصحية للسكان ويضمن دقة عالية وكفاءة كبيرة في تقييم جودة الهواء والتوافق مع المعايير البيئية.

اقرأ أيضاً: التنبؤ بجودة الهواء: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تغيير مستقبل الصحة العامة؟

المزايا الاقتصادية والتأثيرات الاجتماعية

وفقاً للبيانات التي جمعها الباحثون، فقد أدّى خفض تكاليف الطاقة والمواد الخام إلى جانب الصيانة التنبؤية إلى توفير النفقات وزيادة الأرباح بشكلٍ ملحوظ، كما أنه يُضيف قيمة تنافسية في السوق سواء من حيث أسعار المنتجات أو جودتها.

على الصعيد الاجتماعي، يؤدي توظيف الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات جوهرية في بيئة العمل، حيث يمكن أن يحل محل القوى العاملة التقليدية في خطوط الإنتاج، لكنه في المقابل يفتح المجال أمام وظائف جديدة ترتبط بإدارة وتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي. كما يسهم في الحد من المخاطر المهنية والتعرض للملوثات البيئية، ما ينعكس إيجاباً على جودة حياة الموظفين والعمال.

اقرأ أيضاً: هل ينقذ الذكاء الاصطناعي كوكب الأرض من تهديد التغيّر المناخي؟

تحديات تبني الذكاء الاصطناعي في الصناعات

يواجه تبني الذكاء الاصطناعي تحديات عدة تتعلق بتكاليف التنفيذ وجودة البيانات وتكامل الأنظمة الحالية، وهي عوامل يجب معالجتها لضمان تحقيق الفوائد المرجوة. من منظور اقتصادي، يتطلب الاستثمار في الذكاء الاصطناعي مراعاة تكاليف التنفيذ مقابل معدلات العائد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي التي تعاني نقص الاستثمارات التي تعوق تبني الذكاء الاصطناعي.

الرؤية المستقبلية

في المستقبل، سيستمر تبني الذكاء الاصطناعي في الصناعات المختلفة ودمجه مع تقنيات أخرى مثل إنترنت الأشياء وأجهزة الاستشعار، ما يسهم في تقبله من قِبل المجتمع، كما سيشهد العالم توسعاً في تطبيقات الصيانة التنبؤية والامتثال للمعايير البيئية، فضلاً عن تحسين إدارة النفايات، ليرسّخ الذكاء الاصطناعي دوره كأداة رئيسية في تحقيق الاستدامة الصناعية.

المحتوى محمي