كيف يبدو سباق الذكاء الاصطناعي حتى الآن وفقاً لمؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2025؟

5 دقيقة
حصاد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي اليوم 19 ديسمبر 2024
حقوق الصورة: بيكسباي

يتتبع معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المتمركز حول الإنسان نمو الذكاء الاصطناعي وتحدياته، من خلال تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي السنوي الذي يقدّم نظرة عامة وشاملة وقائمة على البيانات حول تطور التكنولوجيا. وفي نسخته الثامنة لعام 2025، يقدّم التقرير رؤى مهمة حول التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي.

مؤشر معهد ستانفورد أفضل مورد موثوق لفهم مستقبل الذكاء الاصطناعي

يُعدُّ معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المتمركز حول الإنسان إتش أيه آي (HAI) الذي تأسس عام 2019 بمثابة مركز محوري للتعاون متعدد التخصصات بين الأوساط الأكاديمية والقطاع الصناعي والحكومي والمجتمع المدني، لتوجيه تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره بمسؤولية، وتتمثل مهمته في تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي والتعليم والسياسات والممارسات المتعلقة به، بهدف شامل يتمثل في تحسين الحالة الإنسانية.

ويكمن التزام المعهد في ضمان أن تكون تقنيات الذكاء الاصطناعي مستوحاة من الذكاء البشري ومصممة لتعزيز القدرات البشرية، مع مراعاة دقيقة لتأثيرها الأخلاقي والمجتمعي. ويُعدُّ تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي الذي يصدره المعهد سنوياً حجر الزاوية في جهوده لفهم حالة الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، حيث يوفّر بيانات غير متحيزة مدققة بعناية ومستمدة من مصادر عالمية موثوقة.

اقرأ أيضاً: هل يصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً تربوياً؟ تجربة منصة ليوني نموذجاً

ما هي أبرز النقاط التي تناولها تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2025؟

يقدّم مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2025 الصادر عن معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المتمركز حول الإنسان نظرة شاملة على المشهد الديناميكي للذكاء الاصطناعي، من خلال تتبع الاتجاهات المهمة وتقديم منظور مستقل قائم على البيانات حول تطوير الذكاء الاصطناعي وتبنيه وتأثيره عالمياً، ما يوفّر سياقاً أساسياً لفهم الوضع الحالي للذكاء الاصطناعي وتطوره التاريخي واتجاهاته المستقبلية المحتملة، ومن أهم النقاط التي تضمنها التقرير ما يلي:

أولاً: التطورات في الأداء التقني والكفاءة

يكشف مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2025 عن تسارع ملحوظ في القدرات التقنية لأنظمة الذكاء الاصطناعي وفقاً للعديد من المعايير. على سبيل المثال، في معيار (SWE-bench) الذي يُقيِّم قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على حل مشكلات إنشاء الأكواد البرمجية، ارتفع معدل النجاح من 4.4% فقط عام 2023 إلى 71.7% عام 2024. كما شهد معيارا (MMMU) و(GPQA) اللذان يُقيِّمان الفهم متعدد الوسائط والإجابة عن الأسئلة العامة ارتفاعاً ملحوظاً بلغ 18.8 و48.9 نقطة مئوية على التوالي.

ومن التطورات المهمة الأخرى التي سُلِّط الضوء عليها في التقرير تضييق فجوة الأداء بين نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة والمفتوحة المصدر. على سبيل المثال، وفقاً لمنصة تقييم أداء نماذج الذكاء الاصطناعي تشات بوت آرينا (Chatbot Arena)، انخفض الفرق بين أفضل نموذج مغلق وأفضل نموذج مفتوح المصدر من 8.04% في أوائل يناير 2024 إلى 1.70% فقط بحلول فبراير 2025، ما يشير إلى زيادة إمكانية الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي عالية الأداء.

علاوة على ذلك، أشار التقرير إلى تقارب فجوة الأداء بين نماذج الذكاء الاصطناعي الأميركية والصينية مع نهاية عام 2024 بشكلٍ كبير لتقترب من التكافؤ، لكن لا تزال الولايات المتحدة صاحبة الريادة في إنتاج العدد الأكبر من نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة (40 نموذجاً للولايات المتحدة مقارنة بـ 15 نموذجاً للصين)، ومن ثَمَّ فإن التحسن السريع في جودة النماذج الصينية يُشير إلى تزايد المنافسة العالمية في تطوير الذكاء الاصطناعي.

كما سلّط التقرير الضوء على الإمكانات الواعدة لوكلاء الذكاء الاصطناعي التي أثبتت قدرتها على التفوق على الخبراء البشريين، حيث أظهرت بالفعل خبرة في مجالات محددة، مثل كتابة أنواع معينة من الأكواد البرمجية والقدرة في كثيرٍ من الأحيان على تحقيق نتائج أسرع وبتكلفة أقل.

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة أمْ الصين؟ سباق الذكاء الاصطناعي قد يفوز فيه الجميع

ثانياً: الذكاء الاصطناعي في الاكتشاف العلمي

سلّط التقرير الضوء أيضاً على دور الذكاء الاصطناعي الحاسم بشكلٍ متزايد في مجال البحث العلمي. على سبيل المثال،  اعتُرِف بالتكنولوجيا على أعلى مستوى من خلال مساهمتها في الفوز بجائزتي نوبل في الفيزياء والكيمياء، بالإضافة إلى مساهمات الذكاء الاصطناعي الحيوية في مجالات مثل التنبؤ بحرائق الغابات واستكشاف الفضاء، ما يدل على قدرته على حل التحديات العالمية المعقدة.

كما يشهد مجال الذكاء الاصطناعي أيضاً طفرة في نشاط تسجيل براءات الاختراع، حيث ارتفع عام 2024 بنسبة 29.6%، تصدرها الصين في إجمالي عدد براءات الاختراع الممنوحة، حيث وصلت إلى نحو 69.7% من البراءات كلّها، بينما تبرز كوريا الجنوبية ولوكسمبورغ كأكبر منتجي براءات الاختراع على أساس نصيب الفرد.

اقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح مخترعاً؟

ثالثاً: الكفاءة والطاقة والتأثير البيئي

يشير التقرير إلى أن التقدم المحرز في الخوارزميات والأجهزة قد قلّل بشكلٍ كبير تكلفة تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، أصبح تشغيل نموذج جي بي تي 3.5 (GPT 3.5) الآن أقل تكلفة بنحو 280 مرة مما كان عليه عام 2022، حيث أدّى انخفاض التكلفة إلى جعل التكنولوجيا في متناول الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة، بالإضافة إلى ذلك سلّط التقرير الضوء على المخاوف البيئية المستمرة المرافقة لتدريب النماذج ومساهمتها في زيادة البصمة الكربونية، ما يؤكد حاجة شركات الذكاء الاصطناعي إلى استكشاف واعتماد مصادر طاقة أنظف للتخفيف من التأثير البيئي لتطوير الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن تخفيف تأثير الذكاء الاصطناعي على البيئة؟

رابعاً: التأثير الاقتصادي للذكاء الاصطناعي

وفقاً للتقرير فإن الاستثمار العالمي في صناعة الذكاء الاصطناعي وصل إلى مستوى قياسي عام 2024، مُظهراً نمواً كبيراً بنسبة 26%، حيث ارتفع استثمار شركات الذكاء الاصطناعي تحديداً إلى 252.3 مليار دولار في العام نفسه، بما في ذلك زيادة بنسبة 44.5% في الاستثمار الخاص وزيادة بنسبة 12.1% في عمليات الدمج والاستحواذ مقارنة بعام 2023.

وضمن هذه الزيادة الإجمالية، ارتفع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ كبير، حيث بلغ مبلغ الاستثمار الخاص في هذا المجال الفرعي 33.9 مليار دولار عام 2024 مسجلاً زيادة بنسبة 18.7% مقارنة بعام 2023، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثّل الآن أكثر من 20% من إجمالي الاستثمارات الخاصة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ما يؤكد إمكاناته التحويلية المتصورة عبر مختلف التطبيقات.

وعزّزت الولايات المتحدة ريادتها بشكلٍ كبير في الاستثمار الخاص العالمي في الذكاء الاصطناعي، ففي عام 2024 استثمرت نحو 109.1 مليار دولار، أي ما يقرب من 12 ضعفاً من الاستثمار الصيني البالغ 9.3 مليارات دولار و24 ضعفاً من الاستثمار البريطاني البالغ 4.5 مليارات دولار.

خامساً: الرأي العام والانطباعات حول الذكاء الاصطناعي

على الصعيد العالمي برز اتجاه متفائل ولكنه حذر بشأن منتجات الذكاء الاصطناعي وخدماته. على سبيل المثال، من بين الدول الـ 26 التي شملها استطلاع شركة الأبحاث إبسوس (ipsos) عامي 2022 و2024، شهدت الأغلبية (18 دولة) زيادة في نسبة الأشخاص الذين يعتقدون أن فوائد الذكاء الاصطناعي تفوق عيوبه، وعموماً ارتفعت نسبة الأفراد الذين يتبنون هذا الرأي عالمياً من 52% عام 2022 إلى 55% عام 2024، وبالتحديد في الدول التي كانت في السابق أكثر تشككاً في قدرات الذكاء الاصطناعي.

ويصاحب هذا التفاؤل الحذر توقع متزايد بأن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير في الحياة اليومية، إذ يعتقد ثلثا المستطلعة آراؤهم أن المنتجات والخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي ستؤثّر بشكلٍ كبير في حياتهم اليومية في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، وهو ما يمثّل زيادة قدرها 6 نقاط مئوية منذ عام 2022. وقد شاع هذا التصور في كل دولة شملها الاستطلاع تقريباً.

وفيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي في التوظيف، يتوقع الموظفون المستطلعة آراؤهم أن يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل وظائفهم، واتفق غالبية المشاركين في الاستطلاع (60%) على أن الذكاء الاصطناعي سيُغيّر طريقة أداء الأفراد لوظائفهم خلال السنوات الخمس المقبلة. ومع ذلك تعتقد نسبة أقل (36%) أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل وظائفهم خلال الفترة الزمنية نفسها.

التحديات الرئيسية المحددة والفرص في مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2025

لا يُسلّط مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2025 الضوء على التقدم فحسب، ولكنه يُشدد أيضاً على التحديات والفرص الرئيسية المرتبطة بالتطوير والنشر المستمر للذكاء الاصطناعي، ويكمن أحد التحديات المهمة في التطور غير المتكافئ للنماذج، إذ إن اعتماد تقييمات الذكاء الاصطناعي المسؤول الموحدة بين شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة لا يزال محدوداً.

ومن ثَمَّ فإن ظهور معايير جديدة مصممة لتقييم الواقعية والسلامة من شأنه أن يوفّر أدوات واعدة لتطوير ممارسات الذكاء الاصطناعي المسؤول لسد الفجوة الملحوظة بين الشركات التي تُقرّ بالمخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتتخذ إجراءات هادفة للتخفيف منها.

وعلى الرغم من هذه التحديات، يُشير التقرير أيضاً إلى وجود فرص كبيرة، حيث أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على تعزيز الإنتاجية في مختلف الصناعات، ويمكن أن يُساعد على تضييق فجوة المهارات بين الموظفين أصحاب مستويات الخبرة المختلفة.

وبالنظر إلى المستقبل، تُشير الاتجاهات المحددة في مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2025 إلى استمرار تسارع تطوير الذكاء الاصطناعي واعتماده، ومن المُرجّح أن تُسهم التطورات المستمرة في الأداء التقني إلى جانب انخفاض تكاليف الاستخدام في جعل الذكاء الاصطناعي أكثر سهولة وتكاملاً في الحياة اليومية.

المحتوى محمي