هل يتعين علينا تقبّل انتشار السيارات ذاتية القيادة على الطرقات دون أن نميزها؟

5 دقائق
هل يتعين علينا تقبّل انتشار السيارات ذاتية القيادة على الطرقات دون أن نميزها؟
حقوق الصورة: جين بوسكار.

مؤخراً، ظهر ⁧⁩مقطع فيديو حقق انتشاراً سريعاً، ⁧وفي هذا المقطع، قام ضابط شرطة في سان فرانسيسكو بإيقاف سيارة في الليل لأن مصابيحها الأمامية كانت مُطفأة. ولكنها لم تكن مجرد سيارة عادية. ومع اقتراب الشرطي من السيارة، صاح أحدهم من خارج نطاق الكاميرا: "لا يوجد أحد في الداخل!". وبالفعل، كانت السيارة، التي تشغلها شركة "كروز" (Cruise) التابعة لشركة "جنرال موتورز" (General Motors)، فارغة تماماً. وعندما استدار الشرطي إلى زميله، غادرت سيارة الأجرة الروبوتية، وتجاوزت أحد التقاطعات قبل أن تتوقف جانباً. ولمدة دقيقتين كاملتين في الفيديو، أخذ ضباط الشرطة يتجولون حول السيارة، محاولين تحديد ما يجب فعله بالضبط.

اقرأ أيضاً: ما هي مستويات الاستقلالية في السيارات ذاتية القيادة؟ وما هو المستوى الذي وصلنا إليه الآن؟

لا شك في أن هذا الارتباك مثير للضحك، فهو عبارة عن لقاء عادي في ظروف طبيعية مع شيء كان يبدو أقرب إلى السحر منذ عقد من الزمن وحسب. ولكن، ومع ازدياد انتشار هذه السيارات، سيصبح تحديد من يقود السيارة أمراً مهماً وأكثر جدية.

وقريباً، سيصبح بإمكان السيارات ذاتية القيادة أن تندمج مع محيطها بسهولة، فأجهزة استشعار الليدار الموجودة على سطح الكثير منها، والتي تمثل علامة تسمح بتمييزها بسهولة، ستصبح على الأرجح أصغر حجماً. كما أن سيارات مرسيدس الجديدة، والمزودة بنظام درايف بايلوت شبه المؤتمت، والتي تحمل أجهزة استشعار الليدار خلف شبكتها الأمامية، لا يمكن تمييزها بالعين المجردة عن السيارات العادية التي يقودها البشر.

روبوتات القيادة في عالمنا

ولكن، هل هذا أمر جيد؟ في إطار مشروع ⁩"درايفرليس فيوشترز" (Driverless Futures)⁧ في جامعة كلية لندن، استكملت مع زملائي ⁩استبياناً هو الأضخم والأشمل من نوعه حول آراء المواطنين ⁧بالسيارات ذاتية القيادة وقواعد الطريق. وبعد إجراء 50 مقابلة معمقة مع الخبراء، كان أحد الأسئلة التي قررنا توجيهها هو التالي: هل يجب وضع علامة مميزة على السيارات ذاتية التحكم؟
وبدا الجواب من العينة الإحصائية المؤلفة من 4,800 مواطناً بريطانيّاً واضحاً: فقد أعرب 87% منهم عن تأييدهم لهذه العبارة: "يجب أن يكون واضحاً لمستخدمي الطريق الآخرين ما إذا كانت السيارة تقود نفسها" (أعرب 4% فقط عن عدم تأييدهم لها، أما النسبة الباقية فلم تتخذ موقفاً محدداً).

وقد قمنا بإرسال نفس الاستبيان إلى مجموعة أصغر من الخبراء. ولكنهم كانوا أقل اقتناعاً: فقد بلغت نسبة المؤيدين للتصريح عن حالة المركبة 44% ونسبة المعارضين 28%. إن هذا السؤال ليس بسيطاً. وهناك حجج مقنعة لدى كلا الطرفين.

فمن الممكن أن نقول، ومن حيث المبدأ، إن البشر يجب أن يعرفوا أنهم يتعاملون مع روبوتات. وقد طُرحت هذه الحجة في 2017، وذلك في تقرير طلبه مجلس أبحاث العلوم الهندسية والفيزيائية في المملكة المتحدة. وورد في التقرير: "الروبوتات عبارة عن أنظمة مصنّعة، ويجب ألا يتم تصميمها بطريقة خادعة لاستغلال المستخدمين الضعفاء، وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون طبيعتها الآلية واضحة وشفافة". وإذا كانت السيارات ذاتية القيادة على الطرقات العامة تخضع فعلاً للاختبار، فهذا يعني أنه يمكن اعتبار المستخدمين الآخرين للطرقات عناصر في هذه التجربة، ما يعني أنه يجب أن يقدموا مثلاً موافقة مبنية على معلومات صحيحة.
هناك حجة أخرى داعمة للتصريح عن طبيعة هذه السيارات، وهي حجة عملية تقول إنه من المفضل لزيادة الأمان إفساح مجال أكبر للسيارة التي قد لا تسلك سلوك سيارة يقودها بشري مدرب جيداً، شأنها شأن السيارة التي يقودها سائق مبتدئ.

اقرأ أيضاً: نظام تعلم آلي جديد يساعد السيارات ذاتية القيادة على التنبؤ بحركة ما حولها

ولكن، هناك حجج تدعم الرأي الآخر أيضاً. فقد تُعتبر العلامة المميزة الدالة على طبيعة السيارة بمثابة تخلٍّ عن مسؤولية المبتكر، بحيث تقتضي وجوب تعرف الآخرين على السيارة ذاتية القيادة والتكيف معها. كما يمكن أن تكون العلامة المميزة الجديدة، والتي لا تعبر بشكل واضح عن حدود التكنولوجيات المستخدمة في السيارة، مثاراً للارتباك على الطرقات التي تعج أساساً بمختلف العوامل التي تشتت الانتباه.

تحدٍ جديد واجه السيارات ذاتية القيادة

ومن وجهة نظر علمية، فإن العلامات المميزة تؤثر أيضاً على عملية جمع البيانات. فإذا كانت السيارة ذاتية القيادة تتعلم القيادة وكان الآخرون مدركين لهذا بصورة تؤثر على سلوكهم، فقد يؤدي هذا إلى إفساد البيانات التي يتم جمعها. ويبدو أن ⁩أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة "فولفو" (Volvo) كان يفكر بنفس الطريقة عندما قال لمراسل صحافي في 2016⁧⁩ إن الشركة "من قبيل الاحتياط" ستستخدم سيارات لا تحمل أي علامات مميزة في اختبارات القيادة الذاتية على طرقات المملكة المتحدة.
وأضاف قائلاً: "أنا متأكد من أن بعض الأشخاص سيتحدّون هذه السيارات إذا كانت تحمل علامات مميزة باستخدام الفرامل أمامها بعنف أو قطع الطريق عليها".

عند المقارنة، تبدو الحجج الداعمة لوضع العلامات المميزة أكثر إقناعاً، على الأقل على المدى القريب. ولكن هذا الجدل أكبر من مجرد مسألة تتعلق بالسيارات ذاتية القيادة. فهو يتعلق مباشرة بالتساؤلات حول كيفية تنظيم التكنولوجيات الجديدة. فمطورو التكنولوجيات الجديدة، والذين ⁩غالباً ما يصفونها ⁧⁩في البداية بأنها مزعزعة وستغير العالم، يميلون إلى وصفها لاحقاً بأنها مجرد تطويرات تراكمية ولن تتسبب بأي مشكلات ما إن يبدأ المشرعون بالنظر في أمرها. ولكن التكنولوجيات الجديدة لا تتلاءم مع العالم على وضعه الحالي مباشرة، بل تعيد تشكيله. وإذا أردنا أن نحصل على جميع فوائدها ونتخذ قرارات جيدة حول مخاطرها، يجب أن نتحلى بالصدق عند التعامل معها.

وحتى نكون أفضل مستوى في فهم وإدارة تطبيق السيارات ذاتية التحكم، يجب أن نتخلى عن أوهامنا التي تقول إن الحواسيب تقود بصورة مماثلة للبشر، ولكن بدرجة أعلى من البراعة. وعلى سبيل المثال، ⁩يقول أستاذ الإدارة أجاي أغراوال⁩، إن السيارات ذاتية القيادة تقلد السائقين بشكل أساسي، ولكن بصورة أكثر فعالية: "يتعامل البشر مع البيانات الواردة إليهم من أجهزة الاستشعار، أي الكاميرات على الوجه والميكروفونات على جانبي الرأس، وعند ورود هذه البيانات، نقوم بمعالجتها باستخدام أدمغتنا المتخلفة ونطبق مجموعة محدودة للغاية من الأفعال: فيمكن أن نستدير يساراً أو يميناً، ويمكن أن نستخدم الفرامل، ويمكن أن نزيد السرعة".

اقرأ أيضاً: بعد السيارات والطائرات: الآن جاء دور القوارب لتصبح ذاتية القيادة

ولكن ليست هذه الطريقة التي يتحرك وفقها الناس على الطريق، وليست طريقة عمل السيارات ذاتية القيادة، فالقيادة لدى البشر هي أقرب إلى حوار مع الآخرين. فعندما نقود السيارة، نكون مدركين أن الآخرين على الطرقات ليسوا مجرد أجسام جامدة يجب تفاديها، بل عناصر نشطة يجب أن نتفاعل معها، ونأمل بأنها تشاركنا فهمنا لقواعد الطريق. أما السيارات ذاتية القيادة فتتعامل مع الطريق بأسلوب مختلف تماماً، وتعتمد في أغلب الأحيان على تركيبة ما من الخرائط الرقمية عالية الدقة، والنظام العالمي لتحديد المواقع، وأجهزة استشعار الليدار. فالطائرات تستطيع التحليق مثل الطيور، ولكن سيكون من الغباء تصميم الطائرة بوصفها طيراً يحمل ميزات إضافية.

ويمكننا القول، من وجهة نظر هندسية، إن الأمر المهم في نهاية المطاف هو سلوك السيارة على الطريق. ولكن الآخرين سيرغبون في معرفة من يتولى التحكم في السيارة، أو ما الذي يتحكم فيها. ويصبح هذا مهماً على وجه الخصوص في بعض الأوضاع مثل عبور المشاة، والذي يعتمد في أغلب الأحيان على تواصل ثنائي الاتجاه. فقد يحاول الشخص الراجل التواصل بالعين مع السائق للتأكد من أنه رآه. وقد يطمئن السائق الشخص الراجل بالتلويح له حتى يعبر. وبغياب إشارات كهذه، قد يصبح من الضروري إعادة تصميم بعضٍ من هذه الحوارات التفاعلات. فقد تخفف إشارات المرور من حالات الشك، على سبيل المثال، أو قد يصبح من الضروري إعلام السيارة ذاتية القيادة بضرورة الانتظار فترة محددة قبل أن تتابع طريقها. ويجب أن تصبح هذه القواعد الجديدة معروفة من قبل المشاة أيضاً.

اقرأ أيضاً: تدريب الذكاء الاصطناعي في السيارات ذاتية القيادة باستخدام محاكاة افتراضية واقعية

وحتى اللحظة، ما زالت مسألة التصريح عن طبيعة السيارة ذاتية القيادة متروكة إلى درجة كبيرة لتقديرات شركات السيارات ذاتية القيادة. وسيؤدي هذا النقص في المعايير إلى مزيد من الارتباك وتقويض الثقة العامة. فعندما نعبر الشارع أو نحاول التحرك ضمن طريق ضيق بوجود سيارة أخرى، يجب أن ندرك تماماً طبيعة العناصر التي نتعامل معها. وعادة ما تكون هذه الحوارات التفاعلية ناجحة بسبب وجود إحساس مشترك بالتوقعات والمسؤوليات المتبادلة. من الواضح أن وضع معايير لهذه العلامات المميزة هو خطوة أولى نحو الاعتراف بأننا نتعامل مع شيء غير مسبوق على الطرقات. وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا ما زالت في بدايتها، فقد آن أوان الالتزام بالوضوح والشفافية.

المحتوى محمي