مع استمرار جائحة فيروس كورونا بالانتشار حول العالم، لا يخفى على أحد وجود تفاوت واختلاف في أعداد الإصابات والوفيات بين دول العالم. وعلى الرغم من وجود تقارير رسمية يومية في معظم الدول عن الكثير من الأمور التفصيلية الأخرى المتعلقة بالجائحة، مثل أعداد الاختبارات والمصابين الذين يخضعون للعلاج في المستشفيات ولأجهزة التنفس الصناعي، إلا أن المشكلة الكبرى تكمن في أن هذه البيانات التي تُبنى عليها قرارات الدول ليست مثالية، وأحياناً غير صحيحة.
إليكم أبرز الأسباب التي تؤدي إلى وجود مشاكل في هذه البيانات والإحصاءات.
مشاكل متعلّقة بالاختبارات
منذ بداية الجائحة، كان هناك قلق من عدم كفاية الاختبارات في العديد من الدول بسبب نقص المعدّات والتجهيزات والمواد اللازمة، ولهذا الأمر أثر كبير في أعداد الحالات المكتشفة.
في دراسة نُشرت في مجلة ساينس دايركت وبحثت في مدى النقص الحاصل في أعداد الوفيات في عدد من الدول حول العالم، أشارت البيانات إلى وجود عدد كبير من الحالات غير المكتشفة وغير المبلغ عنها في بعض الدول، مثل فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وإيران، بسبب الاختلافات في توافر الاختبارات والنقص في قدرتها الاستيعابية، بالمقارنة مع دول أخرى مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية.
وحتى في الدولة نفسها، قد تختلف إجراءات الاختبارات بشكل كبير بين منطقة وأخرى؛ ففي الولايات المتحدة، يمكن للشخص المسنّ الذي يعاني من الحمّى أن يخضع للاختبار بسهولة في ولاية يوتا، ولكن تكون له أولوية أقل للخضوع للاختبار من باقي المرضى الخاضعين للعلاج في المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية الذين تظهر عليهم الأعراض في ولاية ويسكونسن.
وفي لبنان، أدّى انفجار بيروت حسب تصريحات منظمة الصحة العالمية إلى خروج ثلاثة مستشفيات عن الخدمة، وتعرُّض مشفيين آخرين لأضرار جسيمة، بالإضافة إلى تدمير 17 حاوية من المستلزمات الطبية الأساسية، الأمر الذي قد يكون له تأثير على القدرة على إجراء الاختبارات والإبلاغ عن نتائجها والاستجابة لعدد الحالات الذي أخذ يتزايد بشكل كبير في أعقاب الانفجار؛ حيث وصل العدد اليومي من الحالات في 22 أغسطس إلى 611 حسب وزارة الصحة العامة، وهو رقم قياسي في البلد، ويمثّل 5% من إجمالي الحالات البالغ عددها 12191 حتى التاريخ المذكور.
عدم وجود معايير موحّدة للإبلاغ
بعد إجراء الاختبارات والحصول على النتائج، تختلف الدول عن بعضها في آلية الإبلاغ. يُصنّف فيروس كورونا من بين الأمراض المُعدية، وبالتالي لا بدّ من الإبلاغ عن كافة الاختبارات ذات النتائج الإيجابية. ولكن لا يتم الإبلاغ بشكل دائم عن النتائج السلبية، ويختلف ذلك تبعاً للإجراءات المعتمدة في مختلف البلدان. أصبحت الكثير من الدول الآن تبلغ عن الاختبارات السلبية إما كمؤشر مستقل أو كرقم يمكن حسابه من خلال طرح عدد الاختبارات الإيجابية من مجموع الاختبارات التي تم إجراؤها. ومع ذلك، لم تكن هذه الدول تبلغ عن هذه الأعداد في الفترة الأولى من الجائحة.
كما أن هناك العديد من المؤشرات المهمة الأخرى، مثل عدد الأشخاص الخاضعين للعلاج في المستشفيات أو في وحدات العناية المركزة والمعلومات العِرقية والإثنية وغيرها من المعلومات الديمغرافية، وقليلة هي الدول التي تقوم بالإبلاغ عنها جميعاً، على الرغم من أهميتها في تقييم تأثير الجائحة على مختلف فئات المجتمع، فضلاً عن المخاوف بشأن جودة هذه البيانات ودقتها.
ولمعرفة حجم المشكلة، تم إجراء بحث لتحليل البيانات التي يتم الإبلاغ عنها من قِبل الهيئات الصحية العامة في أكثر 15 دولة تأثراً بفيروس كورونا، من بينها: الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وتركيا وإيران والصين وروسيا والبرازيل وبلجيكا وكندا وهولندا وسويسرا، التي تشكّل حالات الإصابة بفيروس كورونا فيها أكثر من 75% من الحالات حول العالم. خلُص البحث إلى وجود اختلاف كبير بين الدول، وخصوصاً في توافر البيانات المتعلّقة بغير أعداد الإصابات والوفيات، مثل المظاهر السريرية للمرض وأعراضه والبيانات الديمغرافية للمرضى. كما أن الاختلاف كان أيضاً في طريقة عرض البيانات، حيث اعتمدت بعض الدول على منصات تفاعلية على الإنترنت، بينما اعتمدت دول أخرى على ملفات بيانات قابلة للتحميل.
مشاكل متعلّقة بآلية انتقال البيانات
ببساطة، قد يحدث فقدان للبيانات أثناء انتقالها من مكان تسجيلها في المراكز الطبية إلى الهيئات والدوائر الصحية. وعلى الرغم من تبنّي أنظمة السجّلات الإلكترونية في الكثير من الدول، إلا أن هناك عدم اتسّاق في الإبلاغ بين مختلف الجهات الموجودة في نفس الدولة، ولا بدّ من توحيد البنى التحتية حتى يكون العمل منتظماً.
على سبيل المثال، قد يحدث إبلاغ عن البيانات بطريقة غير مكتملة، أو قد تكون البيانات نفسها غير مكتملة، أو قد يحدث تأخر في عملية الإبلاغ. وقد تستخدم بعض المستشفيات برامج مختلفة عن التي تستخدمها المستشفيات الأخرى، بل حتى أن بعض المناطق لا تزال تعتمد على السجلات الورقية أو الفاكس، وهذا يؤدي إلى بطء كبير في الإبلاغ عندما تكون الحالات كثيرة، كما هي الحال مع جائحة فيروس كورونا.
يؤدي مثل هذا التأخر وعدم الاتّساق إلى عدم القدرة على إصدار تقارير مكتملة في الوقت المطلوب للاستجابة، وبذل المزيد من الموارد لترميم النقص في المعلومات. ومن الأمثلة على ذلك أيضاً ما نشره مسؤولو الصحة مؤخراً في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة عن حدوث مشاكل تقنية في النظام الإلكتروني للمختبرات، ما أدى إلى الإبلاغ عن أعداد ناقصة لحالات فيروس كورونا في مقاطعة لوس أنجلوس لمدة أسبوعين على الأقل.
عدم الشفافية
تقول منظمة الصحة العالمية في التقرير النهائي للمؤتمر العالمي الذي عُقد في كوالالمبور بشأن متلازمة السارس عام 2003: "يجب مشاركة المعلومات بطريقة شفافة ودقيقة في الوقت المطلوب. أوضحت فاشية السارس الحاجة إلى مشاركة المخاطر بشكل أفضل كعامل للسيطرة على الوباء وكإستراتيجية لتقليل الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية للفاشيات الكبيرة للأمراض المُعدية".
ومع ذلك، تتعامل العديد من الدول مع المعلومات المتعلّقة بفيروس كورونا بطريقة تخلو من الشفافية، وبالتالي يصعب قياسها والتحقق منها، بخلاف غيرها من المؤشرات الصحية القابلة للقياس.
ففي الصين -التي ظهر فيها الفيروس لأول مرة- تشير الوثائق والتقارير إلى وجود رقابة دقيقة على المعلومات المتعلقة بالنظام الصحي العام، لدرجة أنها أخّرت نشر المعلومات الجينية للفيروس لأكثر من أسبوع بعد أن حصلت عليها ثلاثة مختبرات حكومية بشكل كامل، ولم تنشرها إلا بعد قيام عالم فيروسات من مختبر آخر بنشرها على موقعه الخاص على الإنترنت في 11 يناير.
ووفقاً لتقرير نشرته شبكة بي بي سي في 3 أغسطس واعتماداً على بيانات حصلت عليها، فإن عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا في إيران هو تقريباً ثلاثة أضعاف الأرقام الرسمية؛ حيث يُظهر التقرير وفاة نحو 42 ألف شخص بالفيروس حتى 20 يوليو، بينما كان الرقم الرسمي المُعلن حتى ذلك الوقت هو 14405 حالة وفاة.
وفي سوريا، تُظهر الأعداد الرسمية وجود 2143 حالة إصابة بفيروس كورونا حتى 22 أغسطس 2020، ولكن هناك مؤشرات وأخبار وتصريحات عن وجود عدد أكبر من ذلك بكثير. لتقدير ذلك، قام نموذج نُشر في 4 أغسطس بالتنبؤ بأعداد الحالات في سوريا اعتماداً على العديد من التقارير والأخبار، وافتراض أربعة سيناريوهات لتطوّر المرض خلال شهر أغسطس. خلُص النموذج إلى تقدير وجود نحو 35500 مصاب نشط بالفيروس في نهاية شهر يوليو، وإلى التنبؤ بوجود حوالي مليونيْ حالة في نهاية شهر أغسطس في أسوأ السيناريوهات الأربعة، و101000 في أحسنها.
على الرغم من مرور ما يقرب من ثمانية أشهر على اندلاع الجائحة، ما يزال الوقت متاحاً للتطوير والتحسين والالتزام بالإبلاغ عن بيانات ذات مصداقية عالية بالوقت المطلوب، بحيث يمكن اتّخاذ قرارات من شأنها أن تحدّ من تأثيرات الفيروس على كافة المجالات.