تغيرات بسيطة تؤثر على كفاءة استهلاك الطاقة في أبحاث الذكاء الاصطناعي

4 دقائق
تغيرات بسيطة تؤثر على كفاءة استهلاك الطاقة في أبحاث الذكاء الاصطناعي
MS TECH

يمثل التعلم العميق أساس أكبر النجاحات في التعلم الآلي، مثل التعرف المتقدم على الصور، وبرنامج ألفاغو (AlphaGo) بطل لعبة غو اللوحية، والنماذج اللغوية مثل جي بي تي 3 (GPT-3). ولكن هذا الأداء المذهل يتطلب تكلفة باهظة، حيث يحتاج تدريب نماذج التعلم العميق إلى مقادير ضخمة من الطاقة.

والآن، يبين بحث جديد كيف يمكن للعلماء الذين يستخدمون المنصات السحابية لتدريب خوارزميات التعليم السحابي أن يخففوا إلى درجة كبيرة من الطاقة التي يستهلكونها، وبالتالي الانبعاثات التي يولدها هذا العمل. ويكمن المفتاح الأساسي في تغييرات بسيطة في إعدادات الخدمة السحابية. 

قياس استهلاك الطاقة

ومنذ تم نشر أول بحث يدرس تأثير هذه التكنولوجيا على البيئة منذ نحو 3 سنوات، ظهرت حركة متنامية بين الباحثين للتصريح عن الطاقة المستهلكة والانبعاثات الصادرة عن عملهم. إن وجود أرقام دقيقة يمثل خطوة مهمة نحو التغيير، ولكن جمع هذه الأرقام فعلياً قد يكون أمراً صعباً.

يقول الباحث العلمي في معهد آلين للذكاء الاصطناعي (Allen Institute for AI) في سياتل، جيسي دودج: "لا يمكنك تحسين ما لا يمكنك قياسه". "وإذا أردنا أن نحقق تقدماً جيداً في تخفيض الانبعاثات، فإن الخطوة الأولى التي يجب أن نتخذها هي الحصول على قياس جيد".

اقرأ أيضاً: كيف يمكننا قياس البصمة الكربونية لنماذج الذكاء الاصطناعي وتقليلها؟

ولهذا، قام معهد آلين مؤخراً بالعمل مع مايكروسوفت (Microsoft) وشركة الذكاء الاصطناعي هاغينغ فيس (Hugging Face) و3 جامعات لبناء أداة تقيس استخدام الكهرباء لأي برنامج تعلم آلي يعمل على آزور (Azure)، وهي خدمة الحوسبة السحابية لمايكروسوفت. وباستخدام هذه الأداة، يستطيع مستخدمو آزور الذين يبنون نماذج جديدة استعراض إجمالي استهلاك الكهرباء من قبل وحدات المعالجة الرسومية (GPU)، وهي شرائح حاسوبية خاصة لإجراء الحسابات على التوازي، خلال كل مرحلة من مشاريعهم، بدءاً من اختيار النموذج وصولاً إلى تدريبه ووضعه موضع الاستخدام. وتمثل آزور أول خدمة سحابية شهيرة تمنح المستخدمين إمكانية الاطلاع على معلومات حول تأثير برامجهم للتعلم الآلي من حيث استهلاك الطاقة. 

وعلى حين توجد أدوات أخرى لقياس استهلاك الطاقة ومقدار الانبعاثات لخوارزميات التعلم الآلي التي تعمل على خوادم محلية، فإن هذه الأدوات لا تعمل عند استخدام الباحثين للخدمات السحابية التي تؤمنها شركات مثل مايكروسوفت وأمازون (Amazon) وجوجل (Google). لا تقدم هذه الخدمات لمستخدميها إمكانية الاطلاع المباشر على موارد وحدات المعالجة الرسومية ووحدات المعالجة المركزية والذاكرة التي تستهلكها نشاطاتهم، وهي قيم تحتاجها الأدوات الموجودة، مثل كربون تراكر (Carbontracker) وإكسبريمينت تراكر (Experiment Tracker) وإينيرجي فيز (EnergyVis) وكود كربون (CodeCarbon)، لتقديم تقديرات دقيقة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لعمليات التحول الرقمي أن تساعد في الانتقال إلى عالم أكثر استدامة؟

هل حقاً يمكن تقليل الانبعاثات السحابية؟

تقوم أداة آزور الجديدة، والتي تم إطلاقها في أكتوبر/ تشرين الأول، بتقديم تقرير عن استهلاك الطاقة فقط، دون الانبعاثات. ولهذا، قام دودج وباحثون آخرون بتحديد العلاقة بين استهلاك الطاقة والانبعاثات، وقاموا بتقديم بحث مرافق حول هذا العمل في مؤتمر جمعية آلات الحوسبة للعدالة والمساءلة والشفافية (FAccT)، وهو أحد المؤتمرات الرئيسية حول علوم الحاسوب، في أواخر يونيو/ حزيران. وقد استخدم الباحثون خدمة تحمل اسم وات تايم (Wattime) لتقدير الانبعاثات بناء على مناطق وجود الخوادم السحابية التي تشغل 11 نموذجاً للتعلم العميق.

ووجدوا أنه يمكن تخفيف الانبعاثات بدرجة كبيرة إذا استخدم الباحثون خوادم موجودة في أماكن جغرافية محددة في أوقات محددة من اليوم. يمكن تخفيف الانبعاثات الناتجة عن تدريب نماذج التعلم الآلي الصغيرة بنسبة تصل إلى 80% إذا بدأ التدريب في أوقات ترتفع فيها نسبة كهرباء المصادر المتجددة على الشبكة، على حين يمكن تخفيف الانبعاثات من النماذج الكبيرة بنسبة تزيد على 20% إذا تم إيقاف عملية التدريب مؤقتاً عندما تصبح كهرباء المصادر المتجددة ضعيفة، وإعادة تشغيلها عندما تزداد قوتها. 

يستطيع مستخدمو الخدمات السحابية الراغبون بتخفيف الانبعاثات تحقيق هذا الهدف بضبط هذه العوامل عبر إعدادات التفضيلات على أكبر 3 خدمات سحابية، وهي مايكروسوفت آزور (Microsoft Azure) وجوجل كلاود (Google Cloud) وأمازون ويب سيرفيسز (Amazon Web Services). 

اقرأ أيضاً: إليك أهم ميزات اعتماد الحوسبة السحابية في الرعاية الصحية ومعوقات تطبيقها

ولكن المساهمة في تأسيس كلايميت تشينج أيه آي (Climate Change AI)، وهي منظمة تدرس تأثير التعلم الآلي على التغير المناخي، لين كاك، تقول إن مزودي الخدمات السحابية يجب أن يقوموا بإيقاف هذه المشاريع وتشغيلها آلياً لتحسين عملية تخفيض الانبعاثات إلى أقصى حد ممكن.

وتقول: "إن تحديد موعد تشغيل الخوارزمية أمر ممكن بطبيعة الحال، ولكنه يتطلب جهداً يدوياً كبيراً. ويحتاج تنفيذ هذا العمل على نطاق واسع إلى حوافز سياسية على الأرجح". وتضيف قائلة إن السياسات مثل تسعير الكربون يمكن أن تحفز مزودي الخدمات السحابية على بناء مسارات عمل تدفقية تتضمن عمليات إيقاف وإعادة إقلاع يتم تنفيذها آلياً، وجعلها خياراً متاحاً للمستخدمين.

ما زال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لجعل التعلم الآلي أقل ضرراً للبيئة، خصوصاً مع استمرار اعتماد أغلب البلدان على الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة حتى الآن. إضافة إلى ذلك، يقول دودج إن أداة آزور تقيس فقط الكهرباء المستهلكة من قبل وحدات المعالجة الرسومية. ويتطلب تحسين دقة حساب استهلاك الطاقة للتعلم الآلي تحديد استهلاك وحدات المعالجة المركزية والذاكرة، ناهيك عن الطاقة المطلوبة لبناء الخوادم الفيزيائية نفسها وتبريدها.

كما أن تغيير العادات قد يتطلب بعض الوقت. ويقول دودج إن نسبة الذين اطلعوا على نتائج أداة قياس الطاقة من بين مستخدمي آزور الذين يشغلون برامج التعلم الآلي لا تتجاوز 13% منذ إطلاق الأداة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويقول أحد مصممي كربون تراكر، راغافيندرا سيلفان، إنه واجه صعوبة في إقناع الباحثين باستخدام الأداة في أبحاث التعلم الآلي. 

ويقول: "أعتقد أنني كنت عاجزاً حتى عن إقناع مجموعتي".

اقرأ أيضاً: لماذا لا ترقى بدائل الوقود الأحفوري إلى مستوى التوقعات المتعلقة بالانبعاثات في صناعة الطيران؟

ولكنه يشعر بالتفاؤل. فقد ازدادت أعداد الباحثين الذين اعتادوا على نشر تفاصيل استهلاك الطاقة في أبحاثهم، وذلك بفضل التشجيع المؤتمرات المهمة مثل نيور آي بي إس (NeurIPS) على هذا. ويقول سيلفان إنه إذا بدأ المزيد من الباحثين بأخذ هذه التكاليف من الطاقة والانبعاثات بعين الاعتبار عند التخطيط للمشاريع المستقبلية، فربما يؤدي هذا إلى بداية موفقة في تخفيف أثر التعلم الآلي على التغير المناخي.

المحتوى محمي