يسبِّب اضطراب المزاج ثنائي القطب فترات من الاكتئاب الشديد تتخللها فترات من الحماس أو الهذيان، إذ يتصرف الذين يعانون من هذه الحالة تصرفات متطرفة، ويُبدون مستويات مرتفعة للغاية من فرط النشاط، يليها انخفاض في النشاط وخمول شديد، وتشير بعض التقديرات إلى أن 30% من المصابين به ينتحرون.
إحدى طرق الوقاية من هذه السلوكيات المتطرفة هي الكشف عن الأعراض في أثناء تطورها، وقبل ظهورها بشكل كامل؛ حيث يسمح ذلك ببدء العلاج في وقت مبكر، ولذلك فإن وجود طريقة لاكتشاف هذه العلامات المبكرة بشكل تلقائي يمكن أن يكون له آثار كبيرة على المرضى وعائلاتهم ومقدِّمي الرعاية الصحية.
وفي الوقت الحالي، يقول ين هاو هوانغ وزملاؤه في جامعة تسينغ هوا الوطنية في تايوان إنهم طوروا طريقة لكشف العلامات المبكرة لاضطراب المزاج ثنائي القطب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويقولون بأن طريقتهم يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الطريقة التي يتم بها تقييم المرضى المعرضين للإصابة.
تتميز بداية اضطراب المزاج ثنائي القطب ببعض الأعراض؛ مثل فرط الكلام واضطراب النوم والتغيرات المزاجية السريعة، وقد اتضح أن العديد من المرضى يشاركون تفاصيل حالتهم المرضية -بما في ذلك تواريخ تشخيص الحالة- على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر.
وقد ألهم ذلك الباحثين فكرةً ما؛ فعند الأخذ في الاعتبار إمكانية التأكد من أن تغريدات تويتر كانت منشورة من قِبل أشخاص يعانون من اضطراب المزاج ثنائي القطب، فما أنماط السلوك التي كانوا قد أظهروها قبل تشخيص الحالة؟
ولمعرفة ذلك، قام هؤلاء الباحثون بتحليل حوالي 10 آلاف تغريدة تم نشرها بين عامي 2006 و2016 من قِبل أكثر من 400 شخص مصاب باضطراب المزاج ثنائي القطب، وقارنوا هذه التغريدات مع تغريدات عدد مماثل من الأشخاص الذين تم اختيارهم بشكل عشوائي، والذين قاموا بدور المجموعة الشاهدة.
ثم فحص الفريق نمط نشر التغريدات بمرور الوقت لمعرفة كيفية تطابقه مع أنماط النوم العادية، وبحثوا عدد مرات تكرار التغريدات لقياس مدى كثرة كلام كل مستخدم، كما درسوا أنواع الكلمات المستخدمة في كل تغريدة من حيث الشعور والمحتوى العاطفي.
وطوروا أيضاً مقياساً صوتياً جديداً بالكامل، من خلال استنباط الطاقة الصوتية لكل كلمة كما لو أنه قد تم التعبير عنها بالنطق، واستندت هذه الفكرة إلى اعتقاد أن الأشخاص الذين يعانون من العلامات المبكرة لاضطراب المزاج ثنائي القطب يستخدمون كلمات ذات طاقة مرتفعة.
وقد استخدم الباحثون بعد ذلك نهج النافذة المنزلقة لمعرفة كيفية تغيُّر محتوى مشاركات تويتر لكل شخص بمرور الوقت، خاصةً عند الاقتراب من نقطة التشخيص.
ثم قام الفريق أخيراً بتدريب إحدى خوارزميات التعلُّم الآلي؛ لاستخدام مزيج من هذه الميزات في التمييز بين الأشخاص الذين يعانون من العلامات المبكرة لاضطراب المزاج ثنائي القطب، والذين لا يعانون منها، وتمكَّنوا من ذلك بدقة تصل إلى أكثر من 90%.
ويعتبر المقياس الجديد للطاقة الصوتية لكل كلمة الخاص بالفريق أمراً جيداً بشكل خاص؛ إذ يقول الباحثون: "يمكن بسهولة لمن يقوم بالتصنيف -عن طريق توظيف الميزة الصوتية مع نموذج تجميع النص الخالص- أن يصل إلى دقة أكثر من 91%".
ومن المثير للاهتمام أن هوانغ وشركاءه يسمُّون هذا النهج بالتعهيد الجماعي غير الواعي، ويشيرون إلى أن مجموعة التغريدات التي ينشرها المصاب باضطراب المزاج ثنائي القطب يمكن أن توفر مجموعة غنية من المعلومات حول الحالة العقلية؛ لذا فإن هؤلاء الأشخاص يقدمون بشكل لا شعوري مجموعة بيانات يمكن تحليلها من أجل الحصول على المعلومات.
إلا أن مقدار المعلومات التي يمكن استخلاصها بهذه الطريقة غير واضح، لكن من غير المحتمل أن يكون اضطراب المزاج ثنائي القطب هو الحالة العقلية الوحيدة التي يمكن تحديدها.
ويعدُّ هذا العمل مثيراً للاهتمام، إذ يمكنه أن يمنح المصابين العلاج الذي يحتاجونه في أقرب وقت ممكن.
يقول الباحثون: "إن نتائجنا التجريبية تثبت أن النماذج المقترحة يمكن أن تسهم بشكل كبير في التقييمات الدورية للأشخاص الذين يعانون من اضطراب المزاج ثنائي القطب، وهو أمر مهم في مجال الرعاية الصحية الأولية".
وهذا من شأنه أن يقلل من احتمال السلوكيات المتطرفة التي قد تؤدي إلى أسوأ نتيجة ممكنة.