الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

هل الذكاء الاصطناعي سيجعل تعلُّم اللغات عديم الفائدة؟

4 دقيقة
حقوق الصورة: shutterstock.com/Ole.CNX

بعد عشرة أعوام من الآن، هل ستكون هناك أي ميزة تنافسية في سوق العمل لمرشح يتقن لغة ثانية أو يتقن عدة لغات؟ هل ستحتاج حينها إلى تعلم اللغة الإنجليزية؟ هل ستفكر في شراء كتاب "تعلم كلمات أساسية في اللغة الإسبانية" من متجر المطار قبل سفرك للسياحة في برشلونة؟ 

دعنا نستعرض المستقبل المحتمل. تخيل سماعة ذكية يمتلكها كل شخص، تترجم أي كلام تسمعه بأي لغة كانت إلى لغتك الأم، إلى اللغة العربية لحظياً وبصوت المتحدث نفسه. وتخيل أيضاً وجود ترجمة صوتية فورية في تطبيقات الاجتماعات الافتراضية مثل زوم، وجوجل ميت، ومايكروسوفت تيمز، وترجمة آنية للمكالمات الهاتفية. وتخيل نظارة ذكية تترجم لوحات الإعلانات وأسماء المتاجر والشوارع مباشرة أمام عينيك إلى لغتك الأم. هل ستحتاج في مثل هذا السيناريو الممكن لتعلم لغة ثانية؟

في الحقيقة، لا حاجة إلى أن تتخيل معظم ما سبق، فهذه التقنيات أصبحت، بدرجات متفاوتة من التطور، متاحة فعلاً الآن بفضل التطور السريع في معالجة اللغات الطبيعية، وهي فرع أساسي من فروع الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: 5 تطبيقات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لإتقان النطق في لغات جديدة

أحدث تقنيات الترجمة الفورية المتوفرة حالياً

 إليك فيما يلي بعضاً من أحدث التقنيات في مجال الترجمة الآلية الفورية التي تجعل السيناريوهات أعلاه حقيقة قائمة:

  • نظارة راي بان ميتا "Ray-Ban Meta Glasses": أعلنت ميتا في ديسمبر/كانون الأول عام 2024، تزويد هذه النظارة بالقدرة على تقديم ترجمة فورية بين الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية. تولّد النظارة ترجمة صوتية وترجمة نصية مكتوبة للكلام الذي تسمعه إلى اللغة المطلوبة. يمكنك مشاهدة مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لميتا، يقدّم عرضاً حياً لاستخدام النظارة في الترجمة من الإسبانية إلى الإنجليزية والعكس.
  • نظارة "Apple Vision Pro": بينما تركّز على الواقع المختلط، تُتيح النظارة إمكانات لترجمة فورية للنصوص والحوارات، ما يجعل مشاهدة الأفلام والمسلسلات بلغات مختلفة أكثر سهولة، كما تُتيح ترجمة نصية مباشرة للشخص الذي يتحدث أمامك بالاعتماد على تطبيق نافي (Navi). يمكنك مشاهدة التطبيق الفعلي للميزة في هذا الفيديو.
  • منصات الاجتماعات الافتراضية:
    يقدّم العديد من منصات الاجتماعات الافتراضية ميزات الترجمة، ما يسمح للمشاركين بالتحدث بلغاتهم الأم مع ضمان فهم الجميع، ما يلغي فعلياً حاجز اللغة ويسهّل التواصل.

    1. جوجل ميت (Google Meet): بدءاً من 22 يناير/كانون الثاني، سيقدّم التطبيق ميزة الترجمة النصية الفورية في أثناء الاجتماعات لعدة لغات هي الإنجليزية والألمانية والبرتغالية والإسبانية.
    2. زوم: أدخلت ميزة الترجمة الفورية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي توفّر النص المترجم للكلام بعددٍ كبيرٍ من اللغات من بينها العربية.
    3. مايكروسوفت تيمز: تُتيح منصة تيمز الترجمة النصية الفورية للعروض التقديمية والنقاشات وبعددٍ كبيرٍ من اللغات من بينها العربية. يمكنك مشاهدة تطبيق عملي للميزة في هذا الفيديو.
  • الترجمة الحية للمكالمات الهاتفية: توفّر شركة سامسونج عبر عدد من أجهزتها ميزة الترجمة الصوتية الفورية لكلام المتحدث من لغة إلى أخرى بالاعتماد على نظام الذكاء الاصطناعي جالاكسي إيه آي (Galaxy AI)، وتدعم مجموعة من اللغات بينها العربية.
  • تطبيقات الترجمة ومنصاتها: هناك مجموعة كبيرة من التطبيقات التي توفّر الترجمة الفورية للنصوص والصور بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، هل جربت تطبيق هايجين (HeyGen)؟ يمكنك تحميل فيديو، ليترجمه إلى عددٍ كبيرٍ من اللغات مع تزامن حركة الشفاه بدقة عالية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن تحسين تعلم الذكاء الاصطناعي للغات بالاعتماد على إدراك الأطفال؟

هل عليك أن تتعلم لغة ثانية؟

في العقد الأخير، انخفضت نسبة الأشخاص الذين يتعلمون لغات جديدة بشكلٍ ملحوظ. فوفقاً للرابطة الأميركية للغات الحديثة (MLA)، تراجعت نسبة الالتحاق بدورات اللغات الأجنبية في الجامعات الأميركية بنسبة 29.3% بين عامي 2009 و2021، كما أن بلداناً مثل كوريا الجنوبية ونيوزيلندا أغلقت بعض الجامعات فيها أقساماً كاملة لتعليم لغات مثل الفرنسية والألمانية.

يمكن تفسير هذا الانخفاض بعوامل عديدة؛ منها تأثير الجائحة، والتغيرات الثقافية والسياسية، وتقلص التمويل المخصص للعلوم الإنسانية. لكنّ العامل الأكبر ربما يتمثل في انتشار الترجمة الآلية وتطورها. ومع تزايد الاعتماد على تقنيات مثل ترجمة جوجل (Google Translate) وديب إل (DeepL) والأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي وأدواتها، أصبح من السهل على الكثيرين اللجوء إلى الترجمة الفورية بدلاً من استثمار الوقت في تعلم لغة جديدة.

من ناحية أخرى، رغم التقدم الكبير في تكنولوجيا الترجمة، يبقى تعلم لغة أخرى وسيلة لفهم أعمق للثقافات والقيم؛ فالتواصل الإنساني الحقيقي لا يقتصر على تبادل الحديث بكلمات لغة مشتركة، بل في المعاني الضمنية التي تحملها. 

إليك بعض العوامل المهمة التي ما زالت تشكّل حافزاً قوياً لتعلم لغة جديدة:

  • تعزيز التواصل الثقافي: تجربة فهم ثقافة جديدة من خلال لغتها تمنح المتعلم قدرة على التفاعل بشكلٍ يتجاوز الكلمات، ليدخل في نطاق القيم والعادات.
  • فهم الإشارات غير اللفظية: لغة الجسد، والنبرة، والسياق كلّها عناصر لا يمكن ترجمتها بشكلٍ مثالي حتى الآن باستخدام الذكاء الاصطناعي. يحمل هذا الجانب أهمية كبرى في مفاوضات العمل وإبرام الصفقات. على سبيل المثال، في اليابان، قد يقول أحدهم "نعم" فقط لتأكيد أنه استمع، وليس كإشارة موافقة.
  • التكنولوجيا لا تزال محدودة: رغم سهولة استخدام تقنيات الترجمة، فإنها لا تزال أحياناً غير قادرة على فهم السياق أو بعض التعبيرات الاصطلاحية التي تعكس ثقافة اللغة التي تترجم منها. ويمكن أن تؤدي ترجمة آلية خاطئة إلى سوء فهم كبير. على سبيل المثال، جرّب ترجمة "تشكل آسي" إلى الإنجليزية باستخدام إحدى الأدوات، فلن تحصل على الترجمة الصحيحة. فالترجمة الحرفية هي: أرجو من الله أن تضع الآس (الريحان) على قبري. والترجمة الثقافية: أحبك وأتمنى لك الخير وأن تحيا طويلاً بعدي! جرّب ترجمة "عساكم من عواده"، لن تحصل على ترجمة دقيقة.
  • تطوير التفكير النقدي والتحليلي: تعلُّم اللغات يعزّز مرونة الدماغ والقدرة على التفكير بطرق متعددة، ويعزّز مهارات حل المشكلات والتفكير الإبداعي.
  • بناء العلاقات: التحدث بلغة شخص آخر للتواصل يعكس احتراماً وتقديراً لهويته. هذا النوع من التواصل لا يمكن أن تُحققه الترجمة الآلية، ما يساعد على بناء شبكة علاقات عابرة للغات.
  • توفير فرص وظيفية أوسع: المهارات اللغوية تعزّز فرص العمل، خاصة في المجالات التي تتطلب فهم الثقافات المختلفة والتواصل المباشر والتفاوض.

اقرأ أيضاً: ميتا تطور أداة ذكاء اصطناعي تمكنك من التحدث بـ 6 لغات

لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيُحدِث ثورة في كيفية تواصل البشر، لكنه لن يبدّل جمال فهم ثقافات أخرى ومعناها على مستوى شخصي. وتعلُّم لغة جديدة لا يقتصر على حفظ الكلمات والقواعد، بل ينطوي على اكتساب رؤى جديدة حول العالم وتكوين روابط إنسانية أعمق مع ثقافات مختلفة. ربما لن تحتاج مستقبلاً إلى تعلم بضع كلمات من لغة البلد الذي تزوره للسياحة، لكن إذا كنت تفكر في التخلي عن تعلم لغة لأن التكنولوجيا قد تبدو كافية، ففكّر مرة أخرى: تعلُّم اللغات هو تجربة فريدة تساعدنا على رؤية العالم من زوايا مختلفة. دون هذه التجربة، قد نفقد فرصة لفهم أعمق للعالم من حولنا.

المحتوى محمي