متطوعون على الإنترنت يساعدون في تعقب الجرائم في الحرب الروسية الأوكرانية

5 دقائق
متطوعون على الإنترنت يساعدون في تعقب جرائم الحرب في الحرب الروسية الأوكرانية
حقوق الصورة: شون غالوب/ صور جيتي.

على غرار الكثير من الأشخاص، شعر آيدن بالعجز عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية في أواخر شباط/ فبراير الماضي. وكان شاباً بعمر 23 سنة في المملكة المتحدة دون أي صلة بالبلاد، ولكنه كان بارعاً في جمع المعلومات مفتوحة المصدر، وهي عملية تعتمد على البحث في الويب لجمع المعلومات المتاحة للجميع. 

وهكذا، قرر التطوع في وكالة الاستقصاء "بيلينغ كات" (Bellingcat) للمساعدة على التحقق من صحة الصور والفيديوهات لجرائم الحرب التي يمكن أن تكون قد ارتُكبت في أوكرانيا. ويأمل أن عمله قد يساهم في نهاية المطاف في الملاحقة القانونية للمجرمين من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

العمل الميداني إلى جانب العمل الرقمي في توثيق جرائم الحرب

يقول آيدن، والذي طلب عدم استخدام شهرته حفاظاً على سلامته: "إذا أردنا أن يكون لدينا أي أمل في محاسبة المجرمين على أفعالهم، فيجب أن نحرص على القيام بالعمل الميداني، وهو ما نقوم به الآن".

منذ أن بدأت الحرب، يحاول الناس في جميع أنحاء العالم مساعدة اللاجئين والقضية الأوكرانية. وبالنسبة لذوي المهارات الاستقصائية مثل آدين، والذي تطوع في بيلينغ كات من قبل، فإن هذا يعني تركيز وقتهم وجهدهم على تحليل المواد المنشورة على الإنترنت من قبل الأوكرانيين لتوثيق جرائم الحرب التي يمكن أن تكون قد وقعت، مثل قصف المباني المدنية أو المساحات المحمية مثل المستشفيات، وتأكيد موقعها الدقيق.

وبفضل المهارات المكتسبة من أحداث 6 يناير/ كانون الثاني في الولايات المتحدة، والجهود التي تلتها للعثور على مثيري الشغب على الإنترنت، تحول المتطوعون إلى محققين على الإنترنت يستخدمون نفس المهارات لتوثيق الحرب في أوكرانيا. ولكن، ليس من الواضح ما إذا كانت تلك الجهود ستؤدي فعلاً إلى الحصول على أدلة مقبولة للاستخدام في ملاحقة قضائية فعلية بتهم جرائم الحرب، خصوصاً دون نظام عالمي لتوثيق وتصنيف هذا السيل المتدفق من الأدلة.

فقد قامت منظمات حقوق الإنسان بإرسال محققين احترافيين إلى أوكرانيا لجمع البيانات حول جرائم الحرب التي يمكن أن تكون قد وقعت. وقد وصل ريتش وير- وهو باحث مع "هيومان رايتس ووتش" (Human Rights Watch)- إلى كييف بالطائرة في 23 فبراير/ شباط، وفي الصباح التالي، استيقظ على أخبار الحرب. 

وعندما تحدث معي من لفيف التي انتقل إليها لاحقاً قال: "لقد كان من المفترض أن ينضم إلى أحد الزملاء في كييف، ولكن أُغلق المجال الجوي، لقد كنت هناك لوحدي".

وقد كانت أولى أيام وير من العمل مع بداية الحرب حافلة وصاخبة للغاية. فقد سمع من المحليين عن الضربات الجوية والهجمات، وزار بعض الأماكن للتحقق من الأضرار والضحايا المدنيين، سواء من الجرحى أو القتلى. 

اقرأ أيضاً: كيف يستخدم الناشطون الإعلانات لتسريب الأخبار الحقيقية حول الحرب الروسية الأوكرانية؟

أهمية التحقق ومنع انتشار الأخبار المزيفة حول الحرب في أوكرانيا

وفي حرب معلومات طاحنة تنتشر فيها الشائعات والمعلومات المزيفة، يصبح التدقيق والتأكد أمراً ضرورياً. ولا يكفي فقط مشاهدة فيديو للهجوم أو صورة للجثث، ومع تعطل الإنترنت في الكثير من المناطق في البلاد، اضطر وير إلى اللجوء إلى الأساليب التقليدية لتأكيد الحوادث، مثل المشي إلى المواقع أو التحدث مع اللاجئين أو مشاهدة ما حدث بنفسه.

ويقول وير، والذي أمضى بعض الوقت في سوريا وميانمار لأداء عمل مشابه، إن العمل الأرشيفي أصبح أكثر تعقيداً مع كل صراع. ويعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة انتشار الهواتف الخليوية المزودة بالكاميرات هي من أهم أسباب تطور هذا العمل.

ويقول: "تُعتبر سوريا مثالاً جيداً على وضع تدفقت فيه الصور ومقاطع الفيديو بكميات كبيرة لتوثيق ما كان يحدث في هذه الانتهاكات التي ربما قد وقعت ضد القانون الدولي وحقوق الإنسان". وعلى الرغم من هذا، ومع كل هذه البيانات، فإنه يعتبر أن هدفه لم يتحقق بشكل كامل.

هذه هي أحد مخاطرات هذه الحرب، فحتى لو انتهت الحرب غداً، فإن الملاحقة القضائية للقادة المتورطين بجرائم حرب يمكن أن تستغرق سنوات عديدة، على فرض تنفيذها في المقام الأول. وسيحتاج بناء الأدلة لتدعيم القضايا قيام المحققين بتحديد مكان جميع الأدلة الرقمية باستخدام المعلومات الجغرافية، وتدقيق صحتها.

ولكن يمكن أن تصبح العملية أكثر سرعة، وذلك بسبب العدد الكبير من الأشخاص المستعدين للقيام بهذا العمل والقادرين عليه في جميع أنحاء العالم، ويعود هذا جزئياً إلى الخبرة المكتسبة من توثيق أحداث 6 يناير/ كانون الثاني، 2021، في الولايات المتحدة.

يقول جيانكارلو فيوريلا، وهو محقق مع بيلينغ كات: "لقد قمنا بتطوير العملية وجعلها أكثر سلاسة منذ أحداث الشغب في 6 يناير/ كانون الثاني، والتي وقعت قبل هذه الحرب.إن الدروس التي استقيناها من العمل على حدث أنتج كميات هائلة من البيانات كانت مفيدة لنا، فنحن نلتقط كميات أكبر من البيانات والأدلة لجرائم الحرب التي يمكن أن تكون قد وقعت". يعود جزء كبير من الفضل في هذا العمل إلى المتطوعين من أمثال آيدن.

 

فقد كان آيدن يعمل على تحديد المعلومات الجغرافية للأدلة على إصابات المدنيين وتدمير البنى التحتية المدنية في أوكرانيا، فعند إرسال صورة أو مقطع فيديو من الإنترنت إليه، يُكلف بمهمة استخدام الأدوات مثل صور الأقمار الاصطناعية الجوية وميزة ستريت فيو على جوجل مابس للتحقق من الموقع. وما إن يتفق آيدن وأحد زملائه على موقع ما (يقول آيدن إن مساعدة شخص آخر على تأكيد الدليل مفيدة لتفادي الوقوع في الأخطاء الفردية ووجهات النظر الضيقة)، يقوم باحث من بيلينغ كات بصورة مستقلة بتأكيد المعلومة أيضاً. وبعد ذلك، تبدأ العملية مرة أخرى. 

إنه جهد مثير للإعجاب، ولكن ليندسي فريمان، وهي مديرة القانون والسياسات في مركز حقوق الانسان في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، تقول إن الأعداد الكبيرة وتنوع الجهود تمثل تحدياً بحد ذاته، فعلى الرغم من النوايا الجيدة، فإن عمل البعض أقل بكثير من المستوى المطلوب لتوفير إثباتات كافية للملاحقة القانونية لمرتكبي جرائم الحرب.

متطوعون على الإنترنت يساعدون في تعقب جرائم الحرب في الحرب الروسية الأوكرانية
سكان محليون ينظرون إلى منطقة مقصوفة في 5 مارس/ آذار 2022، في مارخاليفكا بأوكرانيا. قالت الشرطة الإقليمية إن ست أشخاص لقوا حتفهم، بما فيهم طفل، كما جرح أربعة آخرون في غارة جوية روسية على هذه القرية في جنوب غرب كييف. حقوق الصورة: أناستاسيا فلاسوفا/ صور جيتي.

ومن المثير للاستغراب أنه لم يكن هناك، حتى فترة قريبة، أي وثيقة واحدة أو مجموعة واحدة لتوضيح القواعد اللازم اتباعها للعمل بشكل صحيح عند جمع وأرشفة وتقديم البيانات من مناطق النزاعات لتقديمها بصورة مناسبة للملاحقة القضائية بتهم جرائم الحرب. إنها مشكلة تعكس الانتشار والتنوع الكبيرين للمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وعدد كبير من منظمات حقوق الانسان ومنظمات الإغاثة، والتي تتمتع بسلطات ومناطق صلاحية متباينة ومختلفة، وهو ما يناسب مصالح مجرمي الحرب الذين يدركون أنهم قد لا يواجهون العدالة الحقيقية على الإطلاق.

اقرأ أيضاً: كيف تتجنب مشاركة المعلومات المغلوطة حول الحرب الروسية الأوكرانية على الإنترنت؟

بروتوكول بيركلي

في 2020، ساعدت فريمان على قيادة عملية وضع مسودة بروتوكول بيركلي، وهو جهد يهدف إلى وضع قواعد محددة للاستخدام الأخلاقي للمعلومات مفتوحة المصدر. ويُعتبر البروتوكول، والذي تدعمه الأمم المتحدة، بمثابة دليل إرشادي حول كيفية التعامل مع البيانات الرقمية وتنظيمها وأرشفتها. وتقول فريمان إن قسماً كبيراً من هذه الوثيقة يعتمد على العمل المُنجز في سوريا، إضافة إلى أن المهمة هناك كانت بالغة الصعوبة بسبب تباين صيغ المعلومات التي تم جمعها. 

يمثل هذا البروتوكول خطوة أولى نحو بناء نظام منهجي للتعامل مع فيض البيانات القادمة من أوكرانيا، ولكن فريمان تعترف بأن هذا لا يكفي، فعلى الرغم من أن الكثير من مجموعات الإغاثة قررت أن تعتمد على هذا البروتوكول، فإن الكثير من المجموعات الأخرى استقرت على أساليبها وتمتلك أنظمتها الداخلية الخاصة لأرشفة المعلومات.

وتقول فريمان إن بروتوكول بيركلي أيضاً "لا يتعامل فعلاً مع مسألة التعهيد الجماهيري"، وهو من أهم العوامل التي ساهمت في العمل على البيانات في حرب أوكرانيا، بل وأيضاً في العديد من النزاعات على مدى السنوات الماضية، فقد أدت زيادة وصول المواطنين العاديين إلى التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي إلى سهولة إيصال المعلومات من الأشخاص الذين تأثروا بالأحداث مباشرة إلى أصحاب التأثير، غير أن البروتوكول يتفادى الأسئلة المتعلقة بالأساليب المناسبة لتوثيق هذه المعلومات.

ويعود هذا جزئياً، كما تقول فريمان، إلى أن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) انتقائية للغاية فيما يتعلق بالأدلة التي تقبل بها، وغالباً ما تفضل المصادر الرسمية، مثل فيديوهات الدارات التلفزيونية المغلقة المزودة بمعلومات زمنية، على صور الهواتف المهتزة والمشوشة.

ويمثل بروتوكول بيركلي التجاذب بين ما تعتبره المحكمة الجنائية الدولية دليلاً مقبولاً، وبين الجهود الجماهيرية لجمع الأدلة. وعلى حين يمثل البروتوكول خطوة أولى مهمة نحو بناء ادعاء قانوني أكثر صلابة ضد مجرمي الحرب، فإنه يمثل أيضاً اعترافاً بتأخر محكمة العدل الدولية عن متابعة كيفية استخدام الناس للتكنولوجيا، سواء أكانوا من ضحايا الحرب أو من المراقبين الخارجيين. (لم تستجب محكمة العدل الدولية لطلباتنا المتكررة بالتعليق على ما ورد في هذه المقالة).

ولكن كل هذا ليس كافياً لمنع آيدن من مواصلة جهوده. ويقول: "أشعر أحياناً بالقلق من أن أثر هذا العمل سيكون متأخراً كثيراً بالنسبة لضحايا هذا النزاع، ولكنني ما زلت أعتقد أن العدالة التي تتحقق لاحقاً أفضل من لا شيء". 

المحتوى محمي