كيف تعزز أداء فريقك باستخدام الذكاء الاصطناعي؟

6 دقيقة
كيف تعزز أداء فريقك باستخدام الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/metamorworks

لم يكن بناء فرق عمل عالية الأداء أمراً سهلاً على الإطلاق، إذ غالباً ما تفشل أساليب البناء التقليدية في ظل الضغوط والتحديات المتعددة مثل مشكلة الإرهاق الوظيفي الذي يؤثر سلباً في إنتاجية الموظفين. وفي ظل هذه الضغوط يأتي دور الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً بل مساعداً ذكياً يمكنه تحليل البيانات وتقديم رؤى ثاقبة تساعد المدراء وقادة الفرق على بناء فرقهم وإدارة مهام أعضائها بكفاءة.

الذكاء الاصطناعي أداة موثوقة لبناء فرق أقوى وأكثر كفاءة

في عالم الأعمال سريع الخطى أصبح بناء فرق قوية وقادرة على التكيف أكثر أهمية من أي وقت مضى، خاصة مع التحول الكبير في منهجيات العمل وتصاعد مفاهيم العمل عن بعد والعمل الهجين، وهما على الرغم من مرونتهما، فإنهما يأتيان مع تحديات تجعل ضرورة التغلب عليها أمراً ضرورياً لتماسك فرق العمل وتعزيز إمكاناتها وتحسين كفاءته الإنتاجية.

في هذا السياق يأتي دور الذكاء الاصطناعي كقوة محركة قادرة على إعادة تشكيل آلية عمل فرق العمل والشركات على حد سواء، إذ أصبح دوره في بيئات العمل الحديثة يتجاوز أتمتة المهام ليصل إلى المساهمة في نمو الإنتاجية مع تزايد أعداد الموظفين واستعدادهم الكبير لتبنيه، وحقيقة أن العديد منهم أصبحوا يستخدمونه بالفعل ويتوقون إلى تعلم المزيد عنه.

يتطور الذكاء الاصطناعي بسرعة، ليصبح أكثر من مجرد أداة للمهام الفردية وسبباً في إحداث تحول جذري في كيفية عمل الفرق معاً ومساهماً بارزاً في تعزيز فاعليتها من خلال:

1- تحسين تكوين الفريق وديناميكيته

يعد التكوين الاستراتيجي للفرق، أي ترتيب أعضائها بعناية بناءً على المهارات والتوفر ونقاط القوة المكملة، أمراً بالغ الأهمية في تحقيق أداء فعال، حيث يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في هذا المجال باستخدام أساليب قائمة على البيانات لتقييم توافق الشخصية، ما يعزز تماسك الفريق وإنتاجيته.

على سبيل المثال، يمكن استخدام خوارزميات التحليل المتقدمة لتحليل الأداء التاريخي للموظفين ومطابقته مع المهارات والخبرات للتوصية بتشكيل الفريق الأمثل لمشروع أو مهمة في الشركة. إذ تشير الدراسات إلى أن الفرق التي تتمتع بمهارات متوازنة ومتكاملة تحقق أداءً أفضل بنسبة تتراوح ما بين  30 و60%، وتكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافها مقارنة بالفرق التي يتم تشكيلها بناءً على التوفر فقط.

2- تعزيز التنوع والشمول

من خلال التخفيف من التحيزات اللاواعية المتأصلة في عمليات التوظيف وتكوين الفرق التقليدية، فعندما تصمم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، يمكن أن تركز على معايير موضوعية مثل المهارات والخبرة وتفضيلات العمل، ما يؤدي إلى تكوين بيئات عمل أكثر تنوعاً وشمولاً، الأمر المهم بشكل خاص إذ ثبت باستمرار أن التنوع يحفز الابتكار والإبداع داخل الفرق.

اقرأ أيضاً: 7 أدوات ذكاء اصطناعي يستخدمها المدراء في تحليل أداء الفريق وتحسينه

3- إعادة الهيكلة الديناميكية وتنقل المواهب

تستخدم أنظمة التنقل الداخلي المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليلات البيانات لتحديد الموظفين ومطابقتهم مع الأدوار أو الفرص الجديدة بناءً على مهاراتهم وخبراتهم وتطلعاتهم المهنية الحالية، إذ يحسن هذا النهج بشكل كبير الاستفادة من المواهب ويسهم في زيادة استبقاء الموظفين.

ومن ثم، تمكن هذه القدرات المؤسسات من الانتقال من دورات التوظيف والتسريح المتكررة إلى إدارة أكثر استدامة للموظفين، ما يقلل حالة دوران الموظفين، كما يمكن للأدوات التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التنبؤ باحتياجات المهارات المستقبلية، ما يمكن المؤسسات من إعداد قواها العاملة بشكل استباقي والحفاظ على ميزة تنافسية في سوق سريع التطور.

4- الارتقاء بالأداء والتطوير الشخصي

من خلال الاستفادة من التحليلات التنبؤية يمكن لأنظمة إدارة الأداء المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحديد الأنماط المعقدة في أداء الموظفين ومشاركتهم واستبقائهم، ما يوفر رؤى استشرافية كان من الصعب الحصول عليها سابقاً.

على سبيل المثال، يمكن للتحليلات التنبؤية التنبؤ بالأحداث المستقبلية مثل دوران الموظفين أو الغياب، ما يمكن فرق الموارد البشرية من تطوير استراتيجيات التخفيف بشكل استباقي وتنفيذها قبل تفاقم المشكلات.

5- تعزيز المشاركة والسلامة النفسية

تعد الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي فعالة في تهيئة بيئة عمل جماعية أكثر تفاعلاً وأماناً نفسياً، فمن خلال استخدام أدوات تحليل المشاعر يمكن تحليل أنماط التواصل واكتشاف التغيرات الطفيفة في المشاعر لدى أعضاء الفريق.

ومن ثم ستتيح هذه القدرة التحديد الاستباقي للصراعات المحتملة أو العلامات المبكرة لانعدام المشاركة وزيادة التوتر بين الموظفين، ما يمكن القادة والمدراء من تنفيذ تدخلات مستهدفة للحفاظ على الإنتاجية وكفاءة الأداء، مثل تعديل أعباء العمل أو دعم الصحة النفسية قبل تفاقم المشكلات.

الفوائد العميقة والقابلة للقياس عند بناء الفرق باستخدام الذكاء الاصطناعي

تشير دراسة لشركة مايكروسوفت إلى أن دمج أتمتة سير العمل باستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز أداء العاملين بنسبة تقارب 40%، وقد أظهرت الفرق التي تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي متوسط ​​وقت استجابة لرسائل البريد الإلكتروني أسرع بمقدار 12%، كما أظهرت دراسة أجرتها شركة بروكتر آند جامبل أن الفرق كانت أسرع بنسبة 12% باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

فيما يتعلق برضا الموظفين وتفاعلهم، أظهر الذكاء الاصطناعي تأثيراً إيجابياً على تجربة الموظف بشكل عام، ما أدى إلى ردود فعل عاطفية أكثر إيجابية. كما يميل الموظفون الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر إلى المبادرة والمساهمة بأفكارهم والسعي وراء فرص النمو، وهو ما يرتبط بزيادة الإنتاجية وانخفاض معدلات الغياب عن العمل.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقييم أداء الموظفين؟

تظهر هذه التحسينات الفردية عند النظر إليها مجتمعة تأثيراً مركباً أكبر، حيث يعزز الذكاء الاصطناعي القدرات البشرية بدلاً من مجرد استبدالها، وهذه الظاهرة التي توصف باسم "عائد الاستثمار المركب للتآزر بين الإنسان والذكاء الاصطناعي" تشير إلى أن القيمة الحقيقية عند استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل فرق العمل لا تكمن فقط في أتمتة المهام؛ بل في تحرير القدرات البشرية للقيام بعمل أكثر إبداعاً وتركيزاً.

وهذا بدوره يغذي الابتكار ويعزز رضا الموظفين، ما يؤدي إلى حلقة معززة ذاتياً من تحسين الأداء والرفاهية، ويثبت بشكل قاطع أن النتائج الأكثر تأثيراً تتحقق عندما يعمل البشر مع الذكاء الاصطناعي، وليس عندما ينظر إلى الذكاء الاصطناعي بديلاً للتفاعل البشري.

 من الخوارزمية إلى التآزر: تعقيدات الذكاء الاصطناعي في بناء فرق العمل

يتطلب نجاح استخدام الذكاء الاصطناعي في بناء فرق العمل اتباع نهج استباقي للاعتبارات الأخلاقية الحاسمة، لا سيما فيما يتعلق بالحد من التحيز والشفافية وخصوصية البيانات. وفيما يخص التحيز إذا احتوت مجموعات بيانات التدريب على تحيزات متأصلة، فسيكرر نظام الذكاء الاصطناعي هذه الأنماط وربما يضخمها، ما يؤدي إلى نتائج غير عادلة في مجالات مثل الترقيات. ولمعالجتها ينبغي أن تشمل أفضل الممارسات تنويع بيانات التدريب والتدقيق الدوري للخوارزميات بحثاً عن النتائج المتحيزة.

كما تعد الشفافية مصدر قلق بالغ الأهمية، إذ غالباً ما تكون عمليات صنع القرار المتعلقة بالذكاء الاصطناعي معقدة وغامضة، وهي ظاهرة يشار إليها باسم فجوة التفسير. ومن ثم لكي يحظى الذكاء الاصطناعي بالثقة ويستغل بفاعلية ينبغي للموظفين فهم كيفية اتخاذ القرارات التي يعتمد عليها وإتاحة الفرصة لفهمها.

وتعد خصوصية البيانات بالقدر نفسه من الأهمية، حيث تتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي في كثير من الأحيان الوصول إلى كميات كبيرة من بيانات الموظفين الشخصية، ما قد يثير مخاوف تتعلق بالخصوصية، لذا ينبغي للمؤسسات ضمان الامتثال الصارم لقوانين خصوصية البيانات ذات الصلة وحصر جمع البيانات فيما هو ضروري فقط وتأمين معلومات الموظفين من خلال تدابير قوية مثل التشفير وبروتوكولات الوصول المقيد.

هذه المخاوف الأخلاقية ليست مجرد قضايا تتعلق بالامتثال، بل تمثل ضرورة أساسية لنجاح تبني الذكاء الاصطناعي من قبل أعضاء فرق العمل، فدون أساس متين من الثقة تقل احتمالية مشاركتهم في مبادرات الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها بشكل كامل، ويزداد احتمال شعورهم بالقلق من مراقبتهم من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي.

ومن ثم فإن ممارسات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية لا تقتصر على الالتزام باللوائح فحسب، بل تشمل أيضاً ترسيخ ثقافة عمل يشعر فيها الموظفون بالأمان والاحترام والثقة في دور الذكاء الاصطناعي كأداة تعزيز بدلاً من اعتباره تهديداً، ما يتطلب تواصلاً استباقياً وشفافاً من القادة إلى جانب برامج تدريبية شاملة لضمان فهم القوى العاملة لتكامل الذكاء الاصطناعي وتبنيها له.

اقرأ أيضاً: كيف يستخدم القادة الذكاء الاصطناعي لتوقع المخاطر وتحسين الأداء؟

بناء فرق عمل مرنة وعالية الأداء باستخدام الذكاء الاصطناعي

يحدث الذكاء الاصطناعي تغييراً جذرياً في بيئة العمل الحديثة مقدماً نهجاً متعدد الجوانب لبناء فرق أقوى وأكثر مرونة وأعلى أداءً، ولكن من المبادئ الأساسية لنجاح دمجه أن يكون بمثابة مكمل للقدرة البشرية على اتخاذ القرارات لا بديلاً عنها.

فبينما يتفوق الذكاء الاصطناعي في معالجة كميات هائلة من البيانات وتحديد الأنماط، إلا أنه يفتقر بطبيعته إلى الصفات البشرية الأساسية، وهي سمات لا غنى عنها لاتخاذ القرارات المهمة، لذا ينبغي على القادة الاحتفاظ بالسلطة النهائية في القرارات المهمة والاستفادة من توصياته كمدخل لاتخاذ القرارات بدلاً من أن يكون العامل الحاسم الوحيد.

اقرأ أيضاً: 20 وظيفة جديدة ستظهر بسبب الذكاء الاصطناعي وستطلبها غالبية الشركات في العالم 

هذه الفلسفة التصميمية المدروسة حيث ينظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه مساعد وليس بديل تؤدي إلى ما يمكن تسميته بنموذج الذكاء التكافلي الذي يسمح للبشر والذكاء الاصطناعي في العمل كشركاء متساويين يتشاركون المسؤوليات بشكل ديناميكي بناءً على نقاط قوتهم، إذ يتعامل الذكاء الاصطناعي بكفاءة مع معالجة البيانات بينما يسهم البشر بقدراتهم الفريدة في الحكم والإبداع والذكاء العاطفي.

ومن ثم تعزز هذه العلاقة التكافلية الذكاء الجماعي إلى أقصى حد، ما يطلق العنان لمستويات جديدة من الإبداع والإنتاجية في مكان العمل. ولكن يتطلب نجاح هذا النموذج إعادة تعريف الأدوار وتعزيز ثقافة تعاونية تقدر كلاً من الإبداع البشري والبراعة التحليلية للذكاء الاصطناعي، ما يمكن فرق العمل من الازدهار في ظل المتطلبات المتطورة لبيئة العمل الحديثة.

المحتوى محمي