نشأته وخبراته
وُلد مصطفى السيّد عام 1933 في قرية صغيرة في منطقة زفتى في مصر، وكان الأصغر من بين سبعة أبناء لوالديْه اللذيْن فقدهما وهو في سنّ العاشرة من عمره. ورغم ذلك، فقد كانت طفولته مفعمة بالحبّ والرعاية التي تلقاها من أخيه الأكبر وزوجته.
درس السيّد المرحلتين الابتدائية والثانوية في قريته، والتحق بجامعة عين شمس وحصل على درجة البكالوريوس من كلية العلوم عام 1953، ليبدأ بعدها بالعمل في مجال التدريس داخل الكلية، التي كان يقضي فيها أياماً بأكملها وهو يقوم بالتدريس وإجراء التجارب في المختبرات. وفي أحد الأيام، رأى بالصدفة إعلاناً في إحدى الصحف للزمالة في مجال تخصّصه في جامعة ولاية فلوريدا. قدّم طلباً، ووجد نفسه بعد فترة وجيزة في مدينة تالاهاسي بولاية فلوريدا وهو يُجري امتحانات المعادلة، والتي اجتازها جميعاً، الأمر الذي أدهش لجنة الامتحانات؛ لأنه كان أول طالب أجنبي يقوم بذلك.
عاد السيّد إلى مصر بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من جامعة ولاية فلوريدا عام 1958، ولكنه وجد أن من المستحيل أن يتمكّن من إعالة زوجته وأولاده بالاعتماد على الراتب البسيط الذي كان يأخذه من جامعة عين شمس، ولذلك سافر مرة أخرى إلى الولايات المتحدة وشغل مجموعة من المناصب البحثية في جامعات أميركية مرموقة، شملت جامعة ييل وجامعة هارفارد ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
وفي عام 1961، التحق بقسم الكيمياء والكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وقام بالتدريس فيها إلى أن التحق بنفس القسم في معهد جورجيا للتكنولوجيا عام 1994. وهو الآن من الأساتذة الأعضاء في المعهد، ويرأس أيضاً مختبر ديناميكا الليزر المرموق.
أشهر إنجازاته
أجرى السيّد معظم أبحاثه مع فريقه في مختبر ديناميكا الليزر في معهد جورجيا للتكنولوجيا. احتلّ هذا المختبر التصنيف 17 بين مختبرات الكيمياء على مستوى العالم خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في تلك الفترة، قام المختبر بنشر منشورات علمية أكثر من أي مختبر آخر ضمن قائمة أفضل 20 مختبر.
يقوم السيّد ومجموعته البحثية بإجراء أبحاث في مجال علوم تكنولوجيا النانو ودراسة خصائص المواد النانوية، وبالأخص حول الاستخدامات المحتملة للجزيئات النانوية في الطب النانوي والتحفيز النانوي وفي مجال البلازمونات.
وتتميّز أبحاث السيّد في مجال الطب النانوي ببعدٍ شخصي؛ إذ توفيت زوجته عام 2005 بعد معاناتها مع مرض سرطان الثدي لمدة خمس سنوات. وعلى الرغم من أنه كان يعمل على تكنولوجيا النانو منذ تخرّجه، إلا أنه لم يبدأ التفكير بشكل جدّي في استخدامه لعلاج السرطان إلا بعد وفاة زوجته.
وبعد العمل الدؤوب للسيّد وفريقه المؤلف من 70 باحثاً على مدى عامين، تمكّنوا من تطوير علاج فعّال لسرطان الجلد باستخدام عصيّات الذهب النانوية. تم اختبار العلاج لأول مرة عام 2009 على الحيوانات وبعض الخلايا البشرية، وثبت أنه يقضي على الخلايا السرطانية التي تظهر تحت المجهر كبقع ضوئية، ويترك الخلايا السليمة دون أذى. ويمكن أن يصبح العلاج متوافراً في الصين قريباً؛ لأن معظم الباحثين صينيون.
يعمل مع السيّد أيضاً في مجال أبحاث السرطان الدكتور إيفان السيّد، وهو أحد أبنائه الخمسة وأستاذ جراحة أورام الرأس والعنق في جامعة كاليفورنيا. وقد قاما معاً بنشر العديد من الأوراق البحثية في مختلف المجلات العلمية.
يشرف السيّد على ثلاث مجموعات بحثية، واحدة في الولايات المتحدة واثنتان في مصر. يقوم الباحثون في القاهرة بإجراء اختبارات حيّة على مجموعة صغيرة من الكلاب والقطط، وتشير النتائج الأولية إلى أن العلاج لا يعدّ ناجحاً في القضاء على الخلايا السرطانية فحسب، بل يمنع انتقالها أيضاً إلى أجزاء أخرى من الجسم. وتركّز أعمال السيّد الحالية على علاج خلايا سرطان الثدي، لكن من المحتمل أن تكون الفكرة ملائمة لعلاج أنواع أخرى من السرطانات أيضاً.
وكانت أولى أبحاث السيّد قد شكّلت أساساً جوهرياً لدراسة الكيمياء الضوئية؛ حيث قام السيّد في الستينيات بإعداد ما أصبح يُعرف باسم: قواعد السيّد، التي أصبحت معتمدة الآن في معظم كتب ومراجع الكيمياء الضوئية.
تكريماته ومساعيه
حصل السيّد خلال مسيرته المهنية على جوائز وتكريمات لا تعدّ ولا تحصى، ومن أهم هذه الجوائز جائزة الملك فيصل الدولية في العلوم والكيمياء (التي يعتبرها البعض بمنزلة جائزة نوبل العربية) في عام 1990، وجائزة لانجموير عام 2002 لأبحاثه المتميزة متعددة التخصّصات في الكيمياء والفيزياء. كما حصل عام 2007 على الميدالية الوطنية الأميركية للعلوم في الكيمياء لمساهمته في فهم الخصائص الإلكترونية والتحفيزية للمواد النانوية، وكان أول شخص عربي أميركي يحصل عليها. وفي عام 2009، حصل على جائزة أحمد زويل في العلوم الجزيئية لإسهاماته الأساسية في فهم الخصائص الإلكترونية والجزيئية للأنظمة التي تتراوح مقاييسها الطولية المختلفة من الجزيئات إلى الجزيئات النانوية إلى الأنظمة الطبية الحيوية. كما حصل أيضاً على ميدالية غلين سيبورج وعلى وسام الدرجة الأولى لجمهورية مصر.
كما يتمتّع السيّد بالكثير من الزمالات والعضويات، بما فيها زمالة ألكساندر فون همبولت في عام 1982، وعضوية أكاديمية العالم الثالث للعلوم في عام 1984، والأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم في عام 1986. وتم اختياره في عام 2000 ليكون زميلاً للجمعية الفيزيائية الأميركية والجمعية الأميركية لتقدّم العلوم. وأصبح في عام 2009 زميلاً فخرياً للجمعية الكيميائية الصينية، وتمّ ترشيحه للحصول على جائزة نوبل. وكان السيّد رئيس التحرير لمجلة فيزيكال كيميستري Physical Chemistry لما يقرب من ربع قرن من الزمن بين عاميْ 1980 و2004.
يتحدث السيّد كثيراً عن أهمية التعليم في كل من الولايات المتحدة ومصر، ويعتقد أن إنفاق الأموال على البحث العلمي هو استثمار من أجل المستقبل لأنه سيؤدي إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية على المدى الطويل، وخاصةً مع ازدياد أعداد السكان وتناقص الموارد. ويدافع عن العلماء الذين يعانون من نقص التمويل حول العالم؛ إذ قال في مقالة نشرت عام 2007 على موقع المؤسسة الوطنية الأميركية لميداليات العلوم والتكنولوجيا: "لا يقتصر البحث العلمي على العقول فقط؛ فمن المهم أيضاً توفير ملايين الدولارات للمختبرات والمعدّات والرواتب اللازمة للباحثين. كيف يمكنك أن تتوقع عملاً إبداعياً من باحث ذهنه مشغول بتأمين سعر الخبز أو الوقود لسيارته أو غيرها من نفقات الحياة؟".
من المعروف أيضاً عن السيّد تواضعه وتقديره لمجموعة من الأحداث المواتية التي ساعدته في مسيرته المهنية الطويلة، كما أنه يعزو جزءاً من الفضل فيما وصل إليه إلى فضوله الدائم واهتمامه بالتقنيات والمفاهيم العلميّة الجديدة.