هل رأيت شيئاً غريباً ينمو في طبق بتري في قبو أحد الأصدقاء؟ هل تعرف أيّ طالب دراسات عليا غاضب ويعمل لساعات غير منتظمة في مختبر للعوامل الممرضة؟
إذن، قد يكون عليك الاتصال بإدوارد يو.
بصفته عميلاً خاصاً مشرفاً في مديرية أسلحة الدمار الشامل في مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي بواشنطن العاصمة، فإن يو هو فعلياً أفضل شرطي بيولوجي في أميركا. وتتمثّل وظيفته في تتبُّع التطورات السريعة في المختبرات والتأكد من أنها لا تؤدي إلى هجوم بيولوجي.
"إنه الشخص الذي تتصل به عندما لا تعرف بمن تتصل".
إنها مهمة صعبة؛ فطرق تعديل الحمض النووي للكائنات الحية الدقيقة أصبحت متاحة بسهولة كما أنها تصبح أكثر قوة. وفوق ذلك، فقد بدأ اتجاهٌ جديد للقيام بها دون مساعدة الخبراء بنقل الهندسة الجينية من المؤسسات الكبيرة إلى المختبرات الشخصية أو منازل الناس، حيث يصعب مراقبتها بشكل حثيث.
يقول الأشخاص الذين يعرفون يو -الذي انضم إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2005- بأنه قام بزيادة دوره في الوكالة والتأثير على صُنّاع السياسة لإلقاء الضوء على الأمور المخفية وتنفيذ حملة ودية عامة للتسلّل إلى مجتمعات علماء الأحياء "المستقلين" من خلال التعرّف عليهم.
يشير يو إلى شبكة مصادره على أنها "شبكة للكشف"، وهي التي تتيح له معرفة ما يخشاه العلماء. كما يقول بأنه لم يشارك في أي عملية مطاردات بالسيارات حتى الآن. إنه في الحقيقة بمثابة المرادف البيولوجي لـ "اتصالات الطوارئ حول الأشخاص الذين يقودون بتهوّر"، على حدّ تعبيره.
ويعدّ النهج الذي يتّبعه يو ملائماً بشكل جيد لمشكلة التهديدات البيولوجية. إذ يمكن السيطرة على الأسلحة النووية عن طريق الحفاظ على السرّية أو عن طريق تتبّع أجهزة الطرد المركزي عالية السرعة الخاصة التي تحوّل اليورانيوم إلى وقود للقنابل. ولكن الخبرة البيولوجية لا يمكن احتواؤها بسهولة. فالتحدّي هو أن نفس الجراثيم والتقنيات والمهارات اللازمة لدراسة الأمراض يمكن أن تستخدم أيضاً كأسلحة.
والنتيجة هي أن التكنولوجيا -التي يحتمل أن تكون خطرة- متوافرة بسهولة دون سيطرة. ففي فبراير من عام 2016، أعلنت الولايات المتحدة أن تعديل الجينات -وهو طريقة جديدة لتعديل الحمض النووي بسهولة- هو سلاح محتمل للدمار الشامل. في الوقت نفسه، يتم بيع الأدوات المنزلية اللازمة لتعديل جينات البكتيريا باستخدام طريقة كريسبر عبر الإنترنت مقابل 140 دولاراً.
وقد أدى ذلك إلى وجود احتمال نظري لإمكانية أن يقوم الشخص السيئ بتطوير جرثومة مصمَّمة لتكون مُميتة أو أن يعيد إنتاج واحدة قديمة مثل الجدري. وفي الواقع العملي، ليس من السهل القيام بهذا التعديل، ولكنه قد يكون كذلك في المستقبل القريب. يقول نيفين سامرز، المدير التنفيذي لمركز البيولوجيا التركيبية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "إن عوائق الدخول أقل من أجل القيام بشيء ضار، وهذا يعرضنا جميعاً للخطر. وسيتعيّن على الجيل القادم من الأطفال الذين يدخلون مجال البيولوجيا حلّ بعض المشاكل الصعبة المتعلقة بالأمن".
ويعدّ مكتب التحقيقات الفيدرالي وكالةً لإنفاذ القانون وللاستخبارات المحلية، وهذا يعني أن يو يبحث عن المجرمين البيولوجيين المحليين بشكل أكبر من العملاء الأجانب.
ولا تزال الجرائم البيولوجية نادرة جداً، إلا أنها عندما تحدث، فغالباً ما تقع المسؤولية على عاتق شخص تلقى تدريباً علمياً. ففي عام 1996، أخبرت ديان تومبسون -فنية المختبر في مركز سانت بول الطبي- زملاءها بأنها تركت فطائر التوت والكعك في المطبخ، ولكنها كانت قد لوثتها ببكتيريا الشيغيلا، مما تسبب في إسعاف تسعة أشخاص إلى المستشفى (حكم عليها بالسجن لمدة 20 عاماً). كما خلُص مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن هجوم الجمرة الخبيثة المميت عام 2001 عبر نظام البريد الأميركي كان قد نفّذه عالِم عسكري مختل عقلياً.
يقول يو بأن جزءاً من دوره يتمثّل في مساعدة العلماء في التعرّف على كيفية اكتشاف هذه التهديدات "الداخلية". فغالباً ما يسبق الهجمات أن يقوم المشتبه فيه بتصرّفات لجذب الاهتمام (من خلال رسائل غير لائقة بالبريد الإلكتروني أو هيجانات غاضبة) أو يعمل لساعات غريبة أو يستخدم الكثير من المستلزمات. ومع ذلك، فإن معظم علماء البيولوجيا الأكاديميين الذين يعملون على علاج السرطان أو ابتكار اختبارات جديدة لا يدركون شيئاً عن علامات التحذير. يقول يو: "إن منع إساءة استخدام التكنولوجيا هي مسؤولية مشتركة. نحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى لأن يكون لدينا جيش من الأشخاص الجيدين الذين يراقبون أنشطة الأشخاص السيئين".
وكان يو يقوم بعمله في بداية شهر أكتوبر من عام 2016 خلال مؤتمر سينبيوبيتا (SynBioBeta)، الذي استمر ليومين في سان فرانسيسكو واستقطب مجموعة من الشركات الكبيرة مثل شركة دوبونت (DuPont) والشركات الناشئة التي تقوم بإعداد اللحوم المزروعة في المختبر وهواة البيولوجيا. وكان يملأ الأجواء بالمصافحات وتبادل التحيات أثناء قيام زميلته من المكتب الميداني المحلي لمكتب التحقيقات الفيدرالي -وهي وكيلة ذات وشوم وحَلَق في أنفها- بتوزيع بطاقتها؛ إذ قالت لأحد رواد الأعمال: "إذا كان هناك أي شيء تريد أن تخبرنا به، فيمكننا إرساله إلى المقر الرئيسي في واشنطن".
وكان يو يرتدي بدلة زرقاء، ليجعل نفسه بارزاً للجميع. في اليوم الثاني من المؤتمر، حضر وهو يرتدي قميصاً يتدلّى فوق البنطال وقبعة أسكوت. كان الناس يتواجدون حول القهوة والبسكويت ويشاهدون معدّات المختبرات المعروضة. سألت يو عما إذا كان يأتي إلى مثل هذه الأحداث بسلاحه، فأجاب بغموض: "نحن جميعاً عملاء خاصون".
حصل يو على درجة الماجستير في البيولوجيا الجزيئية ثم حصل على وظيفة في شركة أمجين (Amgen). ومنذ انضمامه إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، فقد ساعد أيضاً في تعليم الحكومة "أن تكون أقل غباءً" بشأن البيولوجيا، على حد تعبير كين أوي، عالم السياسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وفي عام 2004، أظهر مكتب التحقيقات الفيدرالي مدى سوء استعداده عندما احتجز ستيف كورتز، الفنان البيولوجي من جامعة بوفالو، الذي اتُّهم لاحقاً بموجب القانون الوطني بعد العثور على مستزرعات بكتيرية في منزله. ووُصف الأمر بأنه ضربة كبيرة للإرهاب البيولوجي، ولكن القاضي أغلق القضية في النهاية باعتبارها بلا جدوى. يقول روب كارلسون، المستثمر والمحلّل الذي كان لديه مختبر منزلي خاص به: "لم يكن هناك شيء، فقد كانت بكتيريا غير مؤذية، وكان من الممكن أن تلعق الطبق البتري الموجودة فيه دون أن تصاب بأذى".
وبحلول عام 2009، غيَّر المكتب مساره. إذ بدأ يرعى المسابقة الدولية للكائنات الحية المعدّلة جينياً، وهي معرض سنوي يقوم فيه 3000 طالب بتعديل الميكروبات. (في عام 2016، أقام مكتب التحقيقات الفيدرالي كشكاً مهنياً فيه). كما بدأ بالتقرّب من علماء البيولوجيا المستقلين، وهم أعضاء حركة مضادة للثقافة، وتشتمل مشاريعها على محاولات لتصنيع الأنسولين مفتوح المصدر، والجبن الخالي من منتجات الألبان، وغيرها من الأمور السيئة المرتبطة بالتكنولوجيا البيولوجية التجارية.
وبدلاً من مضايقة المجموعة -التي تجذب بعض الشخصيات المهمشة- فقد قدّم مكتب التحقيقات الفيدرالي لها المصداقية وأحياناً الدعم المالي، وذلك بإشراف من يو. ويقول سيباستيان كوسيوبا -الذي يدير مختبراً في غرفة نوم احتياطية حيث يقيم في نيويورك- بأن لديه "اتصال مباشر" مع المكتب الميداني الإقليمي لمكتب التحقيقات الفيدرالي. ويضيف: "أتواصل معها بشكل منتظم لإعلامها بما يجري".
وقد أدركتُ مدى فعالية شبكة يو أثناء محاولتي معرفة المزيد عنه؛ إذ قام شخص واحد على الأقل بإبلاغه مباشرةً عن أسئلتي، وذلك كجزء من سيل من المعلومات السرية التي تتدفق الآن من الزوايا البعيدة للتكنولوجيا البيولوجية إلى مكتبه في العاصمة واشنطن. تقول ميغان بالمر -عالمة الأمن البيولوجي بجامعة ستانفورد- بأنها تُحيل الناس إلى يو مرتين في الشهر تقريباً. وشمل ذلك مديراً لإحدى شركات التكنولوجيا البيولوجية ارتعب من أسئلة أحد العملاء، وشخص من مجموعة العلماء المستقلين التي أصيبت بالقلق من تجربة سمعت عنها. تقول بالمر: "إنه الشخص الذي تتصل به عندما لا تعرف بمن تتصل".
"إن منع إساءة استخدام التكنولوجيا يُعدُّ مسؤولية مشتركة".
وغالباً ما يكون يو هو أول من يسمع عن أسوأ مخاوف العلماء. ففي عام 2016، ارتبطت بعض هذه المخاوف بطريقة كريسبر لتعديل الجينات، التي يمكن استخدامها لإنشاء تعديلات جينية ذاتية الانتشار عند الحشرات أو الفيروسات ذات الحمض النووي الكثيف. وتقول بالمر بأنه "يذهب إلى كل مكان ويطرح الأسئلة الصحيحة".
وهناك خطر أمني آخر كان يو يبحث فيه، وهو مرتبط بقواعد البيانات الكبيرة الخاصة بالحمض النووي والبيولوجيا. حيث قامت الولايات المتحدة بإجراء دراسة للطب الدقيق اشتملت على مليون شخص وجمعت مثل هذه البيانات، كما توجد بالفعل مجموعات تجارية ضخمة. وعلى الرغم من أنه لم يتضح بعد السببُ وراء رغبة بعض الأشخاص المتطفلين باختراق مثل هذه البيانات، إلا أن يو يرعى ورشات عمل حول "حماية الاقتصاد البيولوجي" التي تتطرق إلى المخاطر المحتملة.وغالباً ما يكون يو هو أول من يسمع عن أسوأ مخاوف العلماء. ففي عام 2016، ارتبطت بعض هذه المخاوف بطريقة كريسبر لتعديل الجينات، التي يمكن استخدامها لإنشاء تعديلات جينية ذاتية الانتشار عند الحشرات أو الفيروسات ذات الحمض النووي الكثيف. وتقول بالمر بأنه "يذهب إلى كل مكان ويطرح الأسئلة الصحيحة".
وإن أحد الأشياء التي لم يقم بها مكتب التحقيقات الفيدرالي هو وصف نتائج عمله. فكم عدد التهديدات البيولوجية الموجودة؟ وكم عدد تلك التي تم التحقيق منها؟ وكم عدد تلك التي نشأت داخل المختبرات الجرثومية الحكومية، ولها سجل من الحوادث؟ تقول بالمر إن العلماء يريدون أيضاً معرفة كيف يتم استخدام المعلومات التي يقدمونها لمكتب التحقيقات الفيدرالي، لكن التواصل مع الوكلاء يحدث باتجاه واحد.
ولم يصف يو أياً من تحقيقاته، ولكنه يقرُّ بأنه يسعى خلف تهديدات بيولوجية قد لا تحدث أبداً. ويقول: "ينطوي التهديد على وجود نية، ولم نشهد ذلك بعد. ولكن مع توافر الأشياء وتوزيعها على نطاق أوسع، تنخفض المعايير ويزداد احتمال وقوع الحوادث".