يتوجه العالم نحو بدائل الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة. من أهم هذه البدائل الوقود الحيوي الذي أصبح بالإمكان الحصول عليه من مصادر طبيعية متجددة مثل النباتات والمخلفات العضوية، ما يسهم في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتلوث الهواء، وقد ظهر العديد من الطرق الجديدة للحصول على هذا النوع من الوقود.
أنواع الوقود الحيوي وطرق الحصول عليه
يصنف الوقود الحيوي إلى أربعة أجيال حسب مصادره وإنتاجه للمواد الحيوية المختلفة، وهذا يساعد على فهم مدى كفاءته كمصدر للوقود وتأثيراته البيئية المحتملة:
الجيل الأول من الوقود الحيوي
الوقود الحيوي من الجيل الأول هو وقود حيوي تقليدي، تُشتق مصادره من المحاصيل التي غالباً ما تُستخدم كغذاء والتي تحتوي على نسبة عالية من النشاء أو السكر أو الدهون. وتُزرع هذه المحاصيل لإنتاج الوقود الحيوي وتتم معالجتها مباشرةً لتحويلها إلى إيثانول من خلال التخمير.
لكن استخدام المحاصيل الغذائية الصالحة للأكل تلك لإنتاج الوقود الحيوي يؤدي إلى انخفاض في الإمدادات الغذائية، وبالتالي احتمال زيادة أسعارها. ومن المخاوف الأخرى تحويل الأراضي الزراعية لإنتاج الوقود، وقد يُضطر المزارعون لاستخدام كمية أكبر من الأسمدة والمبيدات الحشرية في الإنتاج الزراعي ما يؤثّر سلباً في البيئة.
من أمثلة الوقود الحيوي من الجيل الأول الكحوليات الحيوية المُستخلَصة بمساعدة الإنزيمات والكائنات الحية الدقيقة عن طريق تخمير الكحول للسليلوز والغلوكوز والنشويات والكربوهيدرات والسكريات الأخرى، ووقود الديزل الحيوي المستخرج من المواد الأولية المتجددة، مثل الكتلة الحيوية الخشبية السليلوزية، أو وقود الديزل الحيوي المُنتَج كيميائياً عن طريق تفاعل الدهون، مثل الدهون الحيوانية، أو زيت فول الصويا، أو الزيوت النباتية الأخرى مع الكحول، أو المستخرج من الزيوت النباتية مثل زيت الزيتون، وزيت الخروع، وزيت عباد الشمس. ومنها نفايات الطهي والزيوت النباتية التي تعد وقوداً بديلاً لمحركات الديزل، بالإضافة إلى الوقود الحيوي الصلب مثل الخشب ورقائق الخشب وأوراق الشجر ونشارة الخشب والفحم وروث الحيوانات كوقود حيوي صلب.
اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: المملكة المتحدة تحصل على الطاقة من المصادر المتجددة بنسبة أكبر من الوقود الأحفوري
الوقود الحيوي من الجيل الثاني
لأن الجيل الأول من الوقود الحيوي يعتمد على مصادر غذائية، التفتت الأنظار نحو الجيل الثاني الذي يشمل الكتلة الحيوية الخشبية السليلوزية أو الكتلة الحيوية الكربوهيدراتية. لا تعتمد هذه المواد الأولية على النباتات الصالحة للأكل ولا تحتاج إلى أراضٍ زراعية، وتسهم في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وتعزيز الاقتصاد، وأمن الطاقة. يتم الحصول عليه من العديد من الأشجار والأعشاب والشجيرات والمخلفات الزراعية، واستناداً إلى التقنيات المستخدمة لإنتاجه، يشمل الإيثانول السليلوزي المستخرج من السكريات المتخمرة من مركبات مثل السليلوز.
من أمثلته: الطحالب وهي المادة الخام الأسرع نمواً لإنتاج الوقود الحيوي وبديل أساسي للمصادر الأخرى، والكحول الناتج عن تخمير الكتلة الحيوية بمساعدة كائنات دقيقة معينة، والغاز الطبيعي الصناعي الذي يُنتَج من الهضم اللاهوائي بمساعدة الميكروبات. ومنها أيضاً نفايات المحاصيل مثل القشور، أو نفايات الطعام أو المحاصيل غير الصالحة للأكل.
اقرأ أيضاً: لماذا يمثل الهيدروجين الأخضر بديلاً جذاباً للوقود الأحفوري؟
الوقود الحيوي من الجيل الثالث
يُنتَج الوقود الحيوي من الجيل الثالث من الكتلة الحيوية للطحالب والأعشاب البحرية ونفايات الزيوت، ويتميز بزيادة النمو والإنتاجية، وعدم الحاجة إلى أراضٍ زراعية، وتأثير أقل على الإمدادات الغذائية. تعد الطحالب الدقيقة وزيت السمك والدهون الحيوانية ونفايات زيت الطهي المصادر الرئيسية لمواد خام الديزل الحيوي من الجيل الثالث. تتميز الطحالب والأعشاب البحرية بقصر وقت الزراعة، والمحتوى العالي من الكربوهيدرات والبروتينات والدهون. يشمل الوقود الحيوي المعتمد على الطحالب الإيثانول الحيوي، والديزل الحيوي، والهيدروجين الحيوي.
يبحث العلماء في كيفية جعل مصادر الوقود الحيوي هذه فعّالة من حيث التكلفة لإنتاجها كوقود حيوي من الجيل الأول. سيكون لهذا النوع من الوقود الحيوي تأثيرٌ أقل على إنتاج الغذاء ويمكن أن تكون له فوائد بيئية مشتركة مهمة، مثل استخدام الطحالب لمعالجة مياه الصرف الصحي ثم استخدام تلك الطحالب لصنع الوقود.
اقرأ أيضاً: حاسوب يعمل بطاقة التركيب الضوئي للطحالب الخضراء
الوقود الحيوي من الجيل الرابع
يشمل الوقود الحيوي من الجيل الرابع الوقود الناتج عن الطحالب التي تم تطبيق البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية والأساليب الفيزيائية والكيميائية متعددة التخصصات عليها، والتي تشمل استخدام تقنية كريسبر لتحسين وتعزيز إنتاج الوقود الحيوي. تتراكم في الطحالب المعدّلة وراثياً نسبة عالية من الدهون والكربوهيدرات لتحسين إنتاج الوقود الحيوي.
طرق جديدة للحصول على الوقود الحيوي
يبحث العلماء دائماً عن مصادر جديدة لتكون موادَّ أولية لإنتاج الوقود الحيوي الذي ينتمي لواحد من الأجيال السابقة، ومن أحدث هذه الطرق:
الغاز الحيوي
يُستخدم الغاز الحيوي، وهو الوقود المصنوع من النفايات الحيوانية والغذائية، لتشغيل السيارات الكهربائية. في هذه الطريقة، يتم حرمان النفايات العضوية من الأوكسجين لتعمل البكتيريا على هضم النفايات لاهوائياً، وتُطلق في النهاية غاز الميثان، المكون الرئيسي للغاز الطبيعي. يتم بعد ذلك تجميع الغاز ونقله عبر الأنابيب إلى أحد المرافق وتحويله إلى كهرباء.
أشجار الحور
تُزرع أشجار الحور على أطراف الأراضي الزراعية وتُستخدم لتحسين نوعية المياه، وتنظيف المواقع الملوثة كيميائياً. تنمو بسرعة ويمكن أن تكون جاهزة للحصاد بعد 2-3 سنوات من زراعتها. إذا تمت زراعتها على أرض لا يمكن استخدامها للزراعة أو أرض لا يمكن إعادتها إلى الموائل الطبيعية، فإن أشجار الحور تخلق فرصة للحصول على مصدر للوقود الحيوي قد يكون محايداً للكربون.
الخشب المقطوع
يعد الخشب الناتج عن قطع الأشجار المائلة أو فروع الأشجار والقمم وجذوع الأشجار المعيبة المتبقية بعد حصاد الأخشاب، نوعاً متاحاً بسهولة من الكتلة الحيوية التي يمكن استخدامها للوقود الحيوي. هناك عدة طرق لتحويل الخشب إلى وقود حيوي، بما في ذلك استخدام آلات الانحلال الحراري المتنقلة أو مولدات الكتلة الحيوية المستقلة. ينتج الانحلال الحراري كلاً من الوقود والفحم الحيوي.
الوقود الحيوي الميكروبي
تُستخدم الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والخمائر والفطريات والطحالب الدقيقة كمصادر للدهون والإنزيمات، وبرز دور الدهون الميكروبية التي تُنتجها كمورد محتمل لإنتاج الوقود الحيوي الميكروبي على المدى الطويل. تُنتج العديد من البكتيريا (التي تُسمّى الكائنات الحية الدقيقة الزيتية) كميات هائلة من الدهون عند توفر الظروف المناسبة، بحيث تحتوي على أكثر من 25% من الدهون في الكتلة الحيوية لخلاياها وهي نسبة كافية لاستخدامها في إنتاج الزيت.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى خلايا الوقود الميكروبية التي تولّد الكهرباء عن طريق البكتيريا
بالاعتماد على الدهون الميكروبية، حدد باحثون في المختبر الوطني البرازيلي للطاقة المتجددة إنزيماً معدنياً مشتقاً من بكتيريا "روتيا ماسيماريوم" (Rothia nasimurium)، يمكن أن يحل محل المحفزات التقليدية المستخدمة في الطرق الكيميائية الحرارية لإنتاج الكيروسين الحيوي للطيران. قد يكون الإنزيم المفتاح لتطوير طرق تكنولوجية حيوية جديدة في إنتاج الهيدروكربونات المتجددة للطيران من مواد أولية مختلفة، مثل الكتلة الحيوية الزيتية من فول الصويا أو الذرة، بالإضافة إلى تفل قصب السكر أو القش وفي صناعة الورق.
اعتمد باحثون آخرون من مختبر بروكهافن الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية على طحلب البط للحصول على إنتاجية عالية من الدهون الميكروبية عبر الهندسة الوراثية، فقد أضاف الفريق جينات إلى واحدة من أسرع النباتات المائية نمواً في الطبيعة لزيادة إنتاج الأحماض الدهنية وتحويلها إلى زيوت. يمكن حصاد طحلب البط الغني بالزيوت بسهولة لإنتاج الوقود الحيوي أو المنتجات الحيوية الأخرى.
تخفيض تكلفة الإنتاج
يعمل باحثون بطريقة مختلفة، إذ يحاولون العثور على طرق تخفّض تكاليف إنتاج الوقود الحيوي بحيث يحل في نهاية المطاف محل الوقود الأحفوري في النقل والطيران. على سبيل المثال، طوّر العلماء في مجموعة ليفينغستون في إمبريال كوليدج لندن نظام استخلاص قائماً على الأغشية يتطلب أقل من 25% من طاقة العمليات الحالية وينتج وقوداً حيوياً أكثر بعشرة أضعاف بنقاء يزيد على 99.5%.
اقرأ أيضاً: ماذا حل بالمفاعلات النووية الأصغر حجماً التي كنا موعودين بالحصول عليها؟
عموماً، لا تزال هذه الطرق قيد الدراسة، وتحتاج إلى المزيد من التطوير لتصبح قابلة للإنتاج التجاري، واستبدال الوقود الأحفوري. من جهةٍ أخرى، يُستخدم الوقود الحيوي في محركات الديزل القياسية كوقود مستقل أو ممزوج بالبترول، ومن المتوقع أن يزداد إنتاجه واستهلاكه في السنوات القليلة القادمة.