في مختبر يطل على شارع مزدحم يعجُّ بالمتسوقين في كامبريدج بماساتشوستس، يقبع روبوت يحاول تصميم مواد جديدة.
تقوم ذراع روبوتية بغمس طرف الممص في طبق، وتنقل مقداراً صغيراً من سائل زاهي اللون إلى إحدى الفتحات أمام آلة أخرى، وعندما تصبح جميع العينات جاهزة، تقوم الآلة الثانية باختبار ميزاتها الضوئية، وتُلقم النتائج إلى الحاسوب الذي يتحكم في الذراع، ويقوم برنامج بتحليل نتائج هذه الاختبارات، ويصيغ فرضيات جديدة، ومن ثم يبدأ العملية مرة أخرى. وطبعاً يجري كل هذا بمعزل شبه تام عن البشر.
وقد قامت الشركة الناشئة كيبوتيكس بتطوير هذا النظام، وهي تلمح إلى إمكانية استخدام التعلم الآلي والأتمتة الروبوتية لإحداث ثورة في علم المواد خلال السنوات المقبلة، وتعتقد الشركة أنها قد تجد مركبات جديدة يمكن أن تحقِّق الكثير من الأمور، مثل امتصاص التلوث، ومكافحة الإصابات الفطرية المقاومة للأدوية، وصناعة عناصر كهرضوئية أكثر فعالية. ويتعلم برنامج الشركة من نماذج ثلاثية الأبعاد للجزيئات ذات الخصائص المعروفة.
واستخدام الخوارزميات البرمجية لتصميم المركبات الكيميائية ليس بالأمر الجديد، ولكن العملية بطيئة وبدائية. وعادة ما تقوم الآلة -ببساطة- باختبار تعديلات طفيفة على المادة في إطار بحث عشوائي عن تركيبة جديدة ومفيدة، ولكن يمكن تسريع هذه العملية وزيادة فعاليتها باستخدام التعلم الآلي والروبوتات، وكيبوتيكس هي واحدة من عدة شركات ناشئة تعمل على هذه الفكرة.
والهدف هو استخدام التعلم الآلي لتصميم مواد جديدة مرشحة لعدة استخدامات. وتقول جيل بيكر (المديرة التنفيذية لكيبوتيكس): "الاكتشاف عملية بطيئة للغاية، حيث تكون لديك فكرة عن مادة ما، وتحاول تركيبها واختبارها. ولكن لا تصل إلى مرحلة الاختبار هذه سوى بضعة أفكار، وتكون النتائج حتى أقل من ذلك".
وتستخدم كيبوتيكس عدة أساليب للتعلم الآلي من أجل تصميم مركبات كيميائية جديدة، حيث تقوم بتلقيم نماذج جزيئية لمركبات ذات خصائص مرغوبة إلى شبكة عصبونية تتعلم التمثيل الإحصائي لهذه الخصائص. ويمكن لهذه الخوارزمية بعد ذلك أن تضع أمثلة جديدة تنطبق على نفس النموذج.
كما تستخدم كيبوتيكس شبكة أخرى تقوم باستبعاد التصاميم التي يحتمل أنها عديمة الفائدة لأنها ابتعدت كثيراً عن المركب الأصلي، ومن ثم يقوم النظام الروبوتي للشركة باختبار البِنى الكيميائية المتبقية. ويمكن تلقيم هذه النتائج إلى نظام التعلم الآلي مرة أخرى لمساعدته على الاقتراب من الخصائص الكيميائية المطلوبة. وقد أطلقت الشركة على النظام اسم "المختبر ذاتي القيادة".
يقول كريستوف كريسبيك (مسؤول الإنتاج الأساسي في الشركة) إن كيبوتيكس ستبدأ بالعمل على جزيئات للتطبيقات الإلكترونية، ومن ثم ستحاول تصميم بوليميرات وسبائك جديدة، ويقول: "يتوقع الذكاء الاصطناعي ما يجب فعله ويخطط له، ويجري النظام الروبوتي المؤتمت اختبارات سريعة على الجزيئات الجديدة، وتتعلم الآلة من قاعدة البيانات وتتخذ قرارات أفضل في الجولة التالية من العمل".
وقد تم تأسيس كيبوتيكس على يد باحثين يعملون في هارفارد في مختبر الباحث آلان أسبورو-جوزيك، الذي ترك هارفارد في وقت سابق من هذا العام لبناء مختبر في جامعة تورونتو في كندا. وتعمل شركة كيبوتيكس من مقر في شركة إم آي تي الاستثمارية، ذا إينجن، وقد تلقت مؤخراً تمويلاً أولياً بقيمة 5 مليون دولار، وكانت هذه الجولة من التمويل بقيادة ون وي فينتشرز، وهي شركة استثمارية تتخصص بتمويل رواد الأعمال المهاجرين إلى الولايات المتحدة، على غرار جميع مؤسسي كيبوتيكس.
ويعمل كلافس جينسين بروفيسوراً في قسم الهندسة الكيميائية في إم آي تي، ويقود مختبراً يعمل على تطوير أساليب مؤتمتة لتركيب مواد كيميائية جديدة، بما فيها أساليب تجمع ما بين التعلم الآلي والروبوتات. ويقول إن المشكلة في هذه الطرق تكمن في حاجتها إلى كميات ضخمة من البيانات، وهو ما لا يمكن تأمينه عادة إلا بصعوبة وبعد فترة طويلة من الوقت، كما أن الصعوبة تزداد مع زيادة تعقيد المواد، ويقول: "لا شك في أنه يمكنك أن تفعل الكثير بهذه الطريقة، ولكنها تعتمد على جودة البيانات، شأنها شأن جميع الطرق المماثلة".
ويرى جينسين أن الأتمتة -التي أصبحت أداة واسعة الانتشار في مجال الصناعات الصيدلانية- ستصبح أكثر أهمية في أبحاث علم المواد أيضاً، ويقول: "من المؤكد أنها لن تحل محل الخبراء، ولكنها ستسرِّع كثيراً من وتيرة العمل".