في الأشهر التي تسبق الذكرى الخمسين لبعثة أبولو 11، سنشارك بعض القصص عن الأشخاص الذين ساهموا في تحقيق الهبوط على سطح القمر، وهو: دينيس سيجر.
في الفضاء، يجب أن تكون حساباتك صحيحة، وهذا يعني أنك سترغب على الأرجح بوجود شخص يدقق حساباتك. أُجريت أغلب حسابات بعثات أبولو في مجمع الحوسبة في الزمن الحقيقي (RTCC)، وهي غرفة مليئة بالحواسيب التي قامت آي بي إم بتطويرها. غير أن الاعتماد كلياً على مجموعة واحدة من الآلات لسلسلة من البعثات الفضائية الحساسة لم يكن كافياً بالنسبة لناسا.
ولهذا قامت الوكالة أيضاً بتوظيف غرفة خلفية كاملة من خبراء الرياضيات الذين استخدموا بعض البطاقات المثقبة قديمة الطراز لتدقيق حسابات الآلات الرئيسية. وكانت المنشأة تعمل خلال برنامج جيميني وبعثات أبولو الأولى، وكان دينيس سيجر واحداً من أصغر شاغلي هذه الغرفة الخلفية في المبنى 30 في هيوستن، تكساس، المعروف أيضاً باسم: منشأة الحسابات الإضافية في الزمن الحقيقي (RTACF).
وإضافة إلى تدقيق إجابات الآلات على فروضها المنزلية، كان عمل المجموعة يتضمن أيضاً مساعدة البعثات على الاستعداد لكل ما هو غير متوقع، والتكيف مع تغير الظروف. وفي حين كان يجب على آلات RTCC تثبيت التعليمات البرمجية والمسارات قبل الإقلاع، كان فريق RTACF أكثر مرونة. يقول سيجر: "كنا قادرين على إحداث التغييرات في الزمن الحقيقي فور الطلب. كان باستطاعتنا فعل أمور لم نكن حتى قد فكرنا فيها سلفاً".
كانت غرفته مكلفة بمهام متنوعة، مثل حساب كيفية توجيه البعثة في حال ضرب إعصار خليج المكسيك، وحساب المسارات قبل عدة مدارات من الموقع الحالي للمركبة الفضائية في حال حدوث خطأ أو إيقاف البعثة.
هذا يعني أنهم تعرضوا لعدة مفاجآت، وكانت إحداها على شكل مركبة فضائية روسية غير متوقعة. فخلال بعثة أبولو 11، لم تكن أميركا هي الدولة الوحيدة التي تحاول الوصول إلى القمر، فقد أطلق الروس أيضاً مركبة غير مأهولة، لونا 15، وكانت مصممة لانتزاع الأسبقية من الأميركيين. يقول سيجر: "كان الروس يخططون للهبوط على القمر، والتقاط بعض الصخور، وإطلاقها إلى الأرض، وذلك حتى يقولوا إنهم أحضروا أولى الصخور من القمر وسبقوا الولايات المتحدة. كانوا سيعودون قبل بعثة أبولو 11 بيوم أو اثنين".
وعلى الرغم من أن التقارير قالت إن الروس نشروا خطط الطيران للونا 15، يقول سيجر إن فريقه في RTACF لم يحصل قط على معلومات المدار للمركبة: "لقد حسبنا المدار حتى نتأكد من أنه لن يكون قريباً من مكان أبولو 11". وقد تمكنوا من هذا عن طريق عمليات رصد للمركبة من مرصد بريطاني. وفي نهاية المطاف، تحطمت لونا 15 على القمر على مسافة آمنة، قبل بضع ساعات من بدء رحلة العودة لنيل أرمسترونج وباز ألدرين.
ولكن الأمور تغيرت بعد أبولو 11، فقد كانت التكنولوجيا تتحسن، وأصبحت الحواسيب الرئيسية أكثر مرونة وقابلية للتكيف، ولم تعد بحاجة إلى نظام تدقيق إضافي، أي أنه لم تعد هناك حاجة إلى RTACF، ولهذا شهدت بعثة أبولو 12 تسريح عدد كبير من الموظفين.
وتقلص طاقم RTACF إلى شخصين فقط، هما: آل ديفاليريو وسيجر. ووفقاً لسيجر، فقد كان ديفاليريو "العجوز" اللطيف في RTACF بعمر 34 سنة (لا بد أنك تشعر بالتقدم في السن). ولكن -وللأسف- توفي في منزله بنوبة قلبية خلال بعثة أبولو 12، فأصبح سيجر هو الموظف الوحيد هناك. وعلى الرغم من أنه نال بعض المساعدة في البعثة، فقد أدرك أنه حان وقت المغادرة، ويقول: "لقد أبلغتهم أنني سأغادر بعد أبولو 12 صباح إطلاق المركبة الفضائية لبعثة أبولو 12".
وبعد ذلك بوقت قصير، ترك سيجر مجال الطيران والفضاء ليبدأ حياة مهنية في الطب، ويعلق على هذا بقوله: "لقد كان هناك شعور بالفتور والخيبة ما بعد بعثات أبولو في كافة أنحاء البلاد، وقد ترك عدد منا الهندسة وذهبوا لدراسة الطب، وهكذا أصبحت طبيباً".
غير أن سيجر لم يفقد رغبته بالعمل في الفضاء. فبعد عدة سنوات، قدم طلباً حتى يصبح رائد فضاء، بل استُدعي إلى المقابلات الشفهية لرواد الفضاء، غير أن بصره الضعيف حرمه من هذه الفرصة. ولكن -وعلى غرار الكثير من مخضرمي أبولو الذين قابلتهم- قال سيجر إنه سعيد للاشتراك في البرنامج: "إن العمل في أبولو كان أمراً رائعاً للغاية. لم أحقق شخصياً أي اكتشاف، ومن المؤكد أنهم كانوا سيصلون إلى القمر من دون مساعدتي، ولكنني أشعر بأنني محظوظ بالعمل في هذه البعثة".
يسكن سيجر حالياً في فرجينيا، وهو يعمل طبيبَ رعاية صحية أولية، ويجري الفحوص الطبية للطيارين الخاصين وطياري النقل الجوي لصالح الإدارة الفدرالية للطيران.