تعرّف إلى جهاز «أورب» الذي يُميّز المستخدمين البشر عن بوتات الذكاء الاصطناعي على الإنترنت

5 دقيقة
توليد الصورة بمساعدة "بكسلر" بإشراف محرر مجرة

هل جربت من قبل حجز تذكرة عبر الإنترنت لحضور مباراة كرة قدم مهمة أو حفلة موسيقية طال انتظارها ووجدت أن التذاكر نفدت حتى قبل أن تتمكن من كتابة بياناتك على موقع الحجز؟ ربما بعد دقائق ستجد التذكرة نفسها معروضة للبيع على مواقع ثانوية بأضعاف ثمنها الحقيقي. وصل سعر تذكرة لمباراة جمعت فريقي أرسنال وتشيلسي في الدوري الإنجليزي لكرة القدم مؤخراً إلى 1817 جنيهاً إسترلينياً (نحو 2400 دولار) على موقع بيع غير رسمي، مقارنة بالسعر الأصلي البالغ 163 جنيهاً (217 دولاراً) فقط.

في الغالب لم تختفِ التذاكر سريعاً بسبب الحماس الجماهيري، وإنما بسبب اقتناصها لحظة طرحها بواسطة ما يُعرف باسم "بوتات التذاكر". هذا النوع من البوتات، الذي بدأ يتسبب في أزمة عالمية، هو مجرد مثال على الكيفية التي أدّى من خلالها التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى طمس الحدود بين السلوك البشري والنشاط الآلي، حتى أصبح من الصعب على المستخدمين والمواقع الإلكترونية التمييز بين الإنسان الحقيقي والبرمجيات الذكية التي تُحاكي التفاعل البشري ببراعة. يفرض هذا الواقع تحديات متزايدة في العديد من مجالات مثل أمن المعلومات وحماية الخصوصية الرقمية وحتى صحة النقاشات العامة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قد تتفاجأ بأن الشخص الذي تحاوره منذ فترة طويلة هو في الواقع بوت ذكاء اصطناعي. من قلب هذا المشهد المعقد، تسعى شركة تكنولوجيا مدعومة من الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أيه آي" سام ألتمان، إلى إيجاد حل غير تقليدي لهذه المشكلة التي تتفاقم مع الوقت: جهاز أورب (Orb).

اقرأ أيضاً: هل ستصبح الروبوتات زملاء لنا في العمل؟

إثبات الهوية البشرية عبر جهاز "أورب"

يهدف جهاز "أورب"، الذي طوّرته شركة أدوات من أجل الإنسانية (Tools for Humanity)، التي شارك ألتمان في تأسيسها، إلى توفير طريقة أكثر فاعلية للتحقق من الهوية في عصر الذكاء الاصطناعي. يستخدم هذا الجهاز البيضاوي، الذي يشبه الأجهزة المستخدمة في أفلام الخيال العلمي، عدسة لاستشعار قزحية العين، كأداة تحقق حيوية متقدمة لإنشاء ما تقول الشركة إنه هوية عالمية (World ID)، تعتمد على تقنيات إثبات المعرفة الصفرية، التي تضمن عدم المساس بخصوصية المستخدم.

يعمل الجهاز عبر التقاط بصمة قزحية العين باستخدام كاميرات ومستشعرات متعددة الأطياف، لتوليد رمز رقمي فريد يُميّز كلَّ شخصٍ بناءً على النمط الحيوي الفريد لقزحيته، ما يُمكّن من التحقق من "إنسانية" المستخدم بدقة عالية في مواجهة أنظمة الذكاء الاصطناعي. وتُسجّل هذه الهويات على شبكة وورلد (World Network)، ما يُتيح للشخص إثبات هويته لمختلف الجهات دون الكشف عن بياناته الشخصية.

وفي تجربة عملية أجرتها محررة التكنولوجيا لدى شبكة "سي إن إن"، كلير دافي، مؤخراً للتحقق من دقة الجهاز، اعتبر "أورب" أن هناك محاولة لإخفاء الهوية أو التحايل على نظام التحقق، عبر ارتدائها عدسات لاصقة، فرفض اعتبارها "إنساناً فريداً" وأظهر رسالة تقول: "هناك شيء يحجب وجهك".

هكذا يتحقق "أورب" من "إنسانيتك"

ولكن كيف يتأكد "أورب" من أن الشخص الذي يجري عملية التحقق إنسان حقيقي حقاً وليس صورة أو مجسّماً؟ 

توضّح الشركة أن الجهاز يجري أولاً بعض الاختبارات للتأكد من عدم وجود محاولة لخداعه. وبعد أن يلتقط صورة قزحية العين، يستخدم التعلم الآلي لتحويلها إلى ما يُعرف برمز القزحية (IrisCode)، وهو تمثيل رقمي دقيق يُمثّل العشوائية التي تجعل بصمة القزحية فريدة لدى كل إنسان. بعد اجتياز هذه الخطوات، يُضاف الشخص إلى قائمة "الأشخاص الفريدين" ويحصل على مفتاح عام لـ "هوية عالمية"، يُولّدها هاتفه الشخصي عبر تطبيق وورلد (World).

تقول شركة "أدوات من أجل الإنسانية"، التي تتخذ من سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة وميونيخ في ألمانيا مقراً لها، إن الصور تُحذف فور استخراج "رمز القزحية"، ولا يُخزن إلّا الرمز المشفر فقط. وهذا الرمز لا يمكن عكسه للحصول على الصورة الأصلية، كما أنه لا يرتبط بأي معلومات شخصية كاسم المستخدم أو حساباته.

ولكن لماذا لا تستخدم أجهزة جاهزة مثل الهواتف الذكية أو أجهزة تصوير القزحية بدلاً من هذا الجهاز بالغ التكلفة؟ 

توضّح الشركة أن أياً من الأجهزة الحالية لا يصلح في ظل وجود حوافز كبيرة للتحايل على عملية التحقق. وتشير إلى أن كاميرات الهواتف الذكية غير كافية للقياسات الحيوية للقزحية نظراً لانخفاض دقتها في تصوير القزحية، كما أن "أورب" يتمتّع بنظام كاميرا مخصص ذي مجال رؤية ضيق، ما يجعل دقته أعلى بأكثر من عشرة أضعاف مقارنة بمعايير التعرّف إلى قزحية العين المستخدمة حالياً. بالإضافة إلى ذلك، تخضع عملية التصوير لشروط إضاءة وطيف محددة للحصول على أكبر قدر من التفاصيل.

شبكة رقمية عالمية للبشر فقط!

في منتصف عام 2023، خضت تجربة استخدام جهاز "أورب" في الأيام الأولى لإطلاقه في العاصمة الألمانية برلين، وشاركت تفاصيل تلك التجربة في مقالة سابقة. حينها، كانت الفكرة لا تزال جديدة نسبياً، وكان عدد الحاصلين على "هويات عالمية" لا يتجاوز مليوني شخص. أمّا اليوم، فالأعداد ازدادت بشكلٍ غير متوقع، حيث يشير تطبيق وورلد (World) إلى أن أكثر من 12 مليون شخص سجّلوا بياناتهم عبر أحد أجهزة "أورب" المنتشرة في مئات الموقع عبر 23 دولة، مع خطط طموحة لإطلاق خدمة جديدة خلال هذا العام، تُتيح توصيل أجهزة "أورب" مباشرة إلى منازل الراغبين لتسهيل إجراءات التحقق.

بمجرد الحصول على "الهوية العالمية"، يمكن لهؤلاء الأشخاص استخدامها كجواز سفر للانضمام إلى شبكة "وورلد"، وهي شبكة عالمية من التطبيقات والخدمات المالية التي يُفترض أنه "لا يمكن للبوتات التسلل إليها". تُتيح هذه الشبكة للمستخدم تنفيذ مجموعة من الخدمات الإلكترونية، مثل شراء العملات المشفرة أو التسوق عبر الإنترنت، كما تُستخدم "الهوية العالمية" حالياً بشكلٍ محدود على بعض المنصات، مثل المنتديات الفرعية "المخصصة للبشر" على منصة "ريديت". ويوضّح كبير مسؤولي المنتجات في الشركة المطورة للجهاز، تياغو سادا، أن تلك الهوية يمكن استخدامها مثلاً إذا أراد بنك ما التأكد من هوية عميل قبل الإفصاح عن معلوماته المالية، لا سيما وأنها تتفوق على أسئلة الأمان التي قد يسهل تخمينها.

بالإضافة إلى ذلك، ترتبط "الهوية العالمية" بشبكة بلوك تشين وبعملة مشفرة تحمل الاسم نفسه: عملة (Worldcoin)، التي يُشار إليها على منصات العملات المشفرة بالرمز (WLD). وتوزّع الشركة كميات من هذه العملة مجاناً على كل شخص سجّل بياناته وحصل على هوية فريدة، في خطوة تشبه مفهوم الدخل الأساسي الشامل (UBI)، الذي لطالما دعا له ألتمان وإيلون ماسك وغيرهما من قادة التكنولوجيا لاعتباره حلاً مقترحاً لتوزيع الثروات على أفراد المجتمع مستقبلاً إذا استولى الذكاء الاصطناعي والروبوتات على معظم الوظائف.

اقرأ أيضاً: كيف تجعل بوتات الدردشة أكثر إنسانية لحماية شركتك من الاحتيال؟

الطموح يصطدم بالتنظيم: مخاوف الخصوصية تهدد تطور "الهوية العالمية"

على الرغم من الوعود الكبيرة التي يحملها جهاز "أورب" والشبكة التي تقف وراءه، فإن الطريق مليء بالمخاطر والتحديات. وتتركز أبرز المخاوف حول مسألة الخصوصية، إذ تعتمد التقنية على جمع قياسات حيوية مهمة، ما يُثير تساؤلات حول كيفية استخدام هذه البيانات وحمايتها. ويخشى البعض من أن تؤول السيطرة على هوية رقمية عالمية إلى شركة واحدة، وأن تصبح جهة واحدة مسؤولة عن بيانات حساسة لملايين البشر.

هذه المخاوف جعلت الشركة هدفاً دائماً لهيئات تنظيم الخصوصية في أوروبا وغيرها من المناطق وسط شكوك حول مدى امتثالها لقواعد الخصوصية وحماية البيانات. وقد أسفرت بعض التحقيقات عن قرارات بوقف أنشطة معالجة البيانات، مثلما حدث في إسبانيا والبرتغال وهونغ كونغ، بينما لا تزال دول أخرى تسمح بمواصلة العمل مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية والأرجنتين.

في المقابل، تقول شركة "أدوات من أجل الإنسانية" إن شبكتها تحافظ على الخصوصية بحكم طريقة بنائها، وإن هدفها الأساسي هو بناء تقنيات تعمل لصالح البشر في عصر الذكاء الاصطناعي، مع التشديد على أن استخدام هذه التقنيات يحتاج إلى "هوية عالمية" تثبت أننا بشر حقيقيين. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الرؤية سيتوقف على قدرة الشركة على بناء الثقة مع الجمهور والجهات التنظيمية، وإثبات أن فوائد هذه التقنية يمكن أن تتحقق دون التضحية بخصوصية وأمان المستخدمين.

المحتوى محمي