في عام 2019، تمكن المعالج الكمومي سيكامور بروسيسور (Sycamore processor) الذي طوّره قسم الذكاء الاصطناعي في شركة جوجل، من إجراء عمليات حسابية كثيرة في غضون 200 ثانية، هذه العمليات يحتاج الحاسوب الشخصي العادي 10 آلاف سنة لإتمامها. يشير ذلك إلى مدى القدرات الفائقة التي من المتوقع أن توفرها الحواسيب الكمومية.
تم نشر نتائج عمل هذا المعالج في ورقة بحثية على موقع نيتشر (Nature). وقال باحثو جوجل إن حاسوب ساميت (Summit)، الذي كان يعتبر أقوى حاسوب عملاق في العالم عام 2019، يحتاج إلى العمل لمدة يومين ونصف من أجل إتمام نفس العمليات الحسابية التي أجراها المعالج الكمومي (Sycamore processor) خلال 200 ثانية.
يتوقع خبراء التكنولوجيا أن تصبح الحواسيب الكمومية قابلة للاستخدام قريباً، هذا سيمنح العلم دفعةً قويةً نحو الأمام، ويساعد في الإجابة عن أسئلة معقدة يصعب الإجابة عنها حالياً، مثل الأسئلة المتعلقة بالفيزياء والكيمياء وعلم الجينوم. لكن في نفس الوقت، يُبدي البعض مخاوفهم من قدرات هذه الحواسيب الفائقة؛ إذ يمكن استغلالها لكسر تشفير الاتصالات أو اختراق الشبكات والأنظمة، أو تدمير شبكات العملات المشفرة.
اقرأ أيضاً: إليكم ما يعنيه وما لا يعنيه مفهوم التفوق الكمومي في عالم الحوسبة
قدرات فائقة ومخاوف كبيرة
تمتلك عملة البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة بنية مشفرة ومعقدة للغاية يصعب اختراقها، وهناك عشرات الآلاف من الأجهزة التي تعمل طوال الوقت على تعدين هذه العملات للتحقق من المعاملات التي يجريها المستخدمون.
من المستحيل اختراق البنية الأساسية للعملات المشفرة المعروفة باسم سلسلة الكتل أو البلوك تشين (Blockchain) باستخدام الحواسيب المتوفرة حالياً، سواء كانت حواسيب شخصية أو حواسيب عملاقة، لكن ماذا عن الحواسيب الكمومية؟ هل تستطيع هذه الحواسيب كسر تشفير سلسلة الكتل؟ وما هو مصير العملات المشفرة في حال حدوث ذلك؟
بعد الإعلان عن نتائج عمل المعالج الكمومي (Sycamore processor)، زعم بعض الخبراء أن هذا المعالج لديه القدرة على تعدين 3 ملايين عملة بيتكوين في أقل من ثانيتين فقط.
من المستبعد أن تقوم شركة جوجل باستخدام معالجها الكمومي غير المستقر، والذي يعمل فقط في ظروف المختبر من أجل تعدين البيتكوين. لكن قدرات الحوسبة التي يتيحها يمكن أن تتفوق بسهولة على قدرات كل الأجهزة الأخرى التي تستخدم لتعدين البيتكوين.
في الحقيقة، لم يختبر أحد استخدام حاسوب فائق القدرات لتعدين العملات المشفرة. لذلك، لا نعرف ما الذي سيحل بالشبكة في حال حصول ذلك، لكن التقديرات التي تقول إن معالج جوجل الكمومي قادر على تعدين كل عملات البيتكوين المتبقية خلال ثانيتين، هو أمر قد لا يكون صحيحاً؛ لأن هذه التقديرات لم تأخذ بالاعتبار صعوبة التعدين (Mining Difficulty).
اقرأ أيضاً: خطوة بخطوة: دليلك الشامل إلى إنشاء محفظتك الرقمية الأولى
ما هي صعوبة التعدين؟
تمت برمجة خوارزمية التعدين للحفاظ على استقرار الشبكة بأكملها، حيث تتدخل الخوارزمية وتزيد أو تقلل من صعوبة تعدين البيتكوين حسب عدد الأجهزة التي تقوم بالتعدين، فعندما يكون هناك عددٌ كبيرٌ من الأجهزة، تزيد الخوارزمية من صعوبة التعدين. والعكس صحيح؛ أي إذا كان هناك عددٌ أقل من الأجهزة التي تعدّن عملة البيتكوين، فإن الخوارزمية تقلل من صعوبة التعدين.
يتم تحديث صعوبة تعدين البيتكوين كل 2016 كتلة، بحيث يظل متوسط وقت تعدين كل كتلة 10 دقائق (أسبوعان تقريباً لتعدين 2016 كتلة). على سبيل المثال، إذا وجدت الخوارزمية أن تعدين كل كتلة خلال الأسبوعين الماضيين استغرق في المتوسط 12 دقيقة، تقوم بخفض صعوبة التعدين لتصبح 10 دقائق تقريباً لكل كتلة، وإذا وجدت أن متوسط تعدين كل كتلة استغرق نحو 8 دقائق، تقوم بزيادة صعوبة التعدين لتصبح 10 دقائق تقريباً لكل كتلة.
هذا يعني أن قيام أي حاسوب كمومي أو فائق بتعدين 2016 كتلة سيجعل الخوارزمية تزيد صعوبة التعدين بشكل كبير لجعل عملية تعدين 2016 كتلة تستغرق أسبوعين تقريباً، ولن يكون من المفيد تشغيل حاسوب كمومي أو فائق لمدة أسبوعين من أجل تعدين 2016 كتلة فقط.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر تعدين البيتكوين على المجتمعات المحلية؟ دراسة حالة
تجميد الشبكة
بمجرد تشغيل الحاسوب الكمومي لتعدين البيتكوين، سيقوم بتعدين أول 2016 كتلة خلال أقل من ثانية واحدة، عندها ستقوم الخوارزمية بزيادة صعوبة التعدين لتجعل عملية تعدين 2016 كتلة أخرى تستغرق أسبوعين تقريباً. وكما ذكرنا أعلاه، لن يكون تشغيل حاسوب كمومي لمدة أسبوعين من أجل تعدين 2016 كتلة فقط مفيداً، هذا يعني أننا سنضطر إلى فصل الحاسوب الكمومي عن الشبكة. في هذه الحالة، ونظراً لصعوبة التعدين الكبيرة التي فرضتها الخوارزمية، ستحتاج الحواسيب العادية إلى آلاف السنين لتعدين 2016 كتلة أخرى قبل أن تقوم الخوارزمية بتقليل صعوبة التعدين.
باختصار، بمجرد إدخال حاسوب كمومي أو فائق لتعدين البيتكوين، سيؤدي حتماً إلى توقف الشبكة نهائياً، ولن يكون بالإمكان استعادتها.
توقعات مخيفة أخرى تتعلق باستخدام الحواسيب الكمومية لتعدين البيتكوين
حين قال خبراء التكنولوجيا إن المعالج الكمومي (Sycamore processor) قادر على تعدين 3 ملايين عملة بيتكوين خلال ثانيتين، كان هدفهم توضيح القدرات الفائقة لهذا المعالج، والإشارة إلى المخاطر المتوقعة لاستخدامه. لكن، لا تقتصر مخاطر استخدام الحواسيب الكمومية على شبكات العملات المشفرة فحسب، بل على كل نظام تشفير في العالم.
إذا حصلنا على حواسيب كمومية مستقرة وقابلة للاستخدام، فإننا سنواجه مشكلة كبيرة للغاية، أكبر بكثير من مشكلة تدمير شبكات العملات المشفرة أو تجميدها. تتمثل هذه المشكلة في أن كل الاتصالات المشفرة التي تتم عبر الإنترنت يمكن كسر تشفيرها، ما سيجعل بياناتنا الشخصية والمالية وكل البيانات الحساسة والمهمة التي تنقل عبر الإنترنت معرضة للخطر.
اقرأ أيضاً: العلماء يسابقون الزمن لتطوير خوارزميات تشفير ما بعد الكم
لمواجهة هذا الجانب المتشائم المتعلق باستخدام الحواسيب الكمومية، تعمل العديد من الشركات والباحثين على تطوير تقنيات تشفير ملائمة للعمل مع الحواسيب الكمومية، والسباق قائم على قدم وساق لتكون هذه التقنيات متوفرة وجاهزة للاستخدام قبل أن تصبح الحواسيب الكمومية المستقرة متاحة للاستخدام.