هل يمكن تعديل البكتيريا وراثياً لمقاومة السرطان؟

4 دقائق
هل يمكن تعديل البكتيريا وراثياً لمقاومة السرطان؟
حقوق الصورة: شركة نانو كرييتف. شركة ساينس سورس. شركة ساينس فوتو لايبراري

هناك تريليونات الميكروبات التي تعيش في أجسامنا وعليها، وقد نتمكن من تعديلها وراثياً لتساعدنا على علاج الأمراض. عدّل العلماء في بحث جديد جينومات بعض أنواع البكتيريا التي تعيش على جلد الإنسان؛ أي أنهم صمموا ميكروبات يمكن أن تقي من السرطان أو تعالجه. ويبدو أن هذه الميكروبات فعالة في الفئران، ومن المخطط إجراء التجارب على البشر في المستقبل القريب.

تسخير الميكروبات لعلاج السرطان

تقول عالمة الوراثة وعالمة الأحياء المتخصصة بالجلد في معهد أبحاث الجينوم البشري الوطني في مدينة بيثيزدا في ولاية ماريلاند الأميركية، جولي سيغري (Julie Segre) التي لم تشارك في البحث الجديد: "أعتقد أن هذا إنجاز كبير وغير مسبوق". وتضيف سيغري قائلة إن فكرة تسخير الميكروبات لعلاج السرطان وربما الأمراض الأخرى أيضاً: "تمثّل تطبيقاً جديداً ومثيراً لدراسة الميكروبيوم".

ركّزت أغلبية الدراسات التي أُجريت على الميكروبيوم على تريليونات الميكروبات التي تعيش في الأمعاء؛ لكن يحتوي جلد البشر أيضاً على العديد من البيئات الحيوية الميكروبية، وثمة الكثير من الاختلافات بين جماعات الميكروبات التي تعيش تحت الإبط وتلك التي تعيش على الجفون على سبيل المثال. ما زال العلماء يدرسون الدور الذي تؤديه هذه الميكروبات؛ لكن يبدو أنها تتغذى على مفرزات الجسم، ومن المحتمل أنها تفرز بعض المواد المفيدة وتحمينا من حالات العدوى.

يبدو أيضاً أن هذه الميكروبات تؤثر في عمل الجهاز المناعي؛ إذ يشير عدد متزايد من الأبحاث إلى أن الميكروبات التي تعيش في أجسام البشر وعليها تعزز استجابة الجهاز المناعي أو تثبّطها للعوامل التي قد تتسبب بالأذى للجسم، سواء كانت حالة عدوى أو أوراماً أو عوامل أقل خطورة.

ويمكن أن يحفّز وضع ميكروب على جلد حيوان استجابة مناعية أيضاً، على الرغم من أن هذه الاستجابة لا تتسبب بظهور علامات الإصابة بالعدوى مثل الألم والحمى أو الغثيان. وفقاً للباحث في جامعة ستانفورد، مايكل فيشباك (Michael Fischbach)، فإن حدوث هذه الاستجابة غريب نوعاً ما لأن هذه الميكروبات تميل إلى أن تكون غير مضرة؛ إذ يقول: "هذه الميكروبات صديقة لنا". يضيف فيشباك قائلاً إن إضافة ميكروب إلى جلد الفئران، على سبيل المثال، تؤدي إلى أثر مشابه لمنح الفئران اللقاح.

اقرأ أيضاً: تعرف على الطبيبة والباحثة السعودية ملاك عابد الثقفي ودورها البارز في الأبحاث الجينية والسرطانية

الميكروبات المعدّلة

تساءل فيشباك وزملاؤه عما إذا كان بإمكانهم الاستفادة من هذا الأثر لتعديل الجهاز المناعي.

بدأ الفريق بدراسة هذه الإمكانية من خلال اختيار نوع من الميكروبات يوجد عادة على جلد البشر. ويعتقد العلماء أن بكتيريا العنقودية البشرويّة (تحمل أيضاً اسم "عنقودية الجلد الخارجي") تنتمي إلى الميكروبيوم البشري وأنها لا تتسبب عادة بأي مرض. ويقول فيشباك إن الميكروبات التي استخدمها فريقه جُمعت في الأصل من خلف أذن متطوع،

وعدّل الباحثون هذه الميكروبات من خلال إدخال مورثة جديدة إليها، وهذه المورثة مسؤولة عن تشفير بروتين يوجد على سطح بعض الخلايا السرطانية. تكمن الفكرة في أنه إذا ولّد الجهاز المناعي الخلايا التي تتعرف على هذا الميكروب، ستتمكن هذه الخلايا من التعرف على الأورام أيضاً.

اختبر الباحثون بعد ذلك هذه البكتيريا المعدلة من خلال وضعها على رؤوس الفئران باستخدام الماسحات القطنية. وضع الباحثون أيضاً البكتيريا غير المعدّلة من النوع نفسه على رؤوس مجموعة أخرى من الفئران، ويقول فيشباك إن الميكروبات استعمرت جلد الفئران بسرعة في المجموعتين.

حقن الباحثون خلايا سرطان الجلد في أجسام الفئران في الوقت نفسه؛ إذ أُخذت هذه الخلايا من فئران أخرى مصابة بالسرطان، لذلك فهي احتوت على البروتين السابق الذكر على أسطحها.

اقرأ أيضاً: هل تؤدي الهواتف المحمولة إلى الإصابة بالسرطان حقاً؟

الورم الهدف

نمت الخلايا السرطانية خلال الأيام والأسابيع التالية إلى أورام في أجسام الفئران التي استعمرت البكتيريا ذات الجلود غير المعدلة؛ ولكن تباطأ تطور السرطان بشكل ملحوظ في الفئران التي احتوى جلدها على الميكروبات المعدلة.

يقول فيشباك: "تمكّنّا من رؤية الأورام الكبيرة تنمو على أجسام الفئران التي تلقت بكتيريا العنقودية البشروية غير المعدلة؛ ولكننا لم نتمكن من رؤية الأورام على أجسام الفئران التي تلقت الميكروبات المعدلة". يشير فيشباك إلى أن هذا النوع من السرطان يشتهر بأنه عدواني للغاية وبأن علاجه صعب في الفئران،

ويقول: "فاجأتنا شدة الاستجابة؛ إذ إنها كانت مرتفعة للغاية نسبةً إلى درجة العلاج المعتدلة". كان العلاج فعالاً أيضاَ بالنسبة إلى الفئران التي أُصيبت بالأورام على نحوِ طبيعي، ولاحظ الباحثون أن الأورام تقلصت في أجسام الفئران التي تلقّت الميكروبات المعدلة. نُشرت نتائج البحث في مجلة ساينس (Science).

ثمة بعض العمل الذي يجب على فيشباك وزملائه إنجازه قبل البدء باختبار الميكروبات المعدلة على البشر. أولاً، يجب على الباحثين تحديد نوع مناسب من الميكروبات، فلا يعلم الباحثون بعد ما إذا كانت بكتيريا العنقودية البشروية ستحفّز الاستجابة المناعية نفسها لدى البشر، ومن المحتمل أن يكتشفوا نوعاً آخر أكثر فعالية.

اقرأ أيضاً: مجهر ذكاء اصطناعي يكتشف الأنسجة السرطانية

يجب عليهم أيضاً اختيار نوع مناسب من البروتينات السرطانية ليستهدفوه، ويمثّل تحديد البروتين الهدف تحدياً كبيراً في عملية تطوير لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال الخاصة بالسرطان؛ وهي لقاحات تعتمد أيضاً على تحفيز استجابة مناعية للبروتينات السرطانية؛ إذ إنه لا يوجد عادة بروتين مرشّح واضح.

وبمجرد تحديد نوع الميكروب الذي سيُعدَّل وطريقة تعديله، سيختبر الباحثون هذا الميكروب على الحيوانات للتأكد من أمانه. ويُخطط فيشباك لبدء التجارب على البشر المصابين بالسرطان في السنوات القليلة المقبلة.

قالت الباحثة في جامعة روكفلر في مدينة نيويورك، إلين فيوكس (Elaine Fuchs)، وزملاؤها في مقالة تعقيبية بمجلة ساينس إنه على الرغم من أن الفريق سيركّز على مرض السرطان؛ لكن يمكن استخدام البكتيريا المعدلة وراثياً لعلاج الأمراض الأخرى وحالات الحساسية أيضاً. كتب الفريق أن إجراء المزيد من الأبحاث على استخدام الميكروبات المعدلة: "يمكن أن يمهد الطريق لتطوير علاجات آمنة وفعالة أكثر وقابلة للتطبيق على نطاق واسع".

ويقول فيشباك: "ما يثير حماسنا هو أننا قد نتمكن في المستقبل من وضع الميكروبات المعدلة على الجلد وراء أذن المريض ببساطة، ومن المحتمل أن نلاحظ استجابة مناعية شديدة بعد 10 أيام تستمر إلى أجَل غير مسمى من ناحية المبدأ".

المحتوى محمي