هل تكون الخطوة التالية لتقنية كريسبر هي تعديل الجينات للعموم؟

5 دقائق
هل تكون الخطوة التالية لتكنولوجيا كريسبر هي تعديل الجينات للعموم؟
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت/ إم آي تي تي آر

نحن ندرك أساسيات الحياة الصحية حالياً. فباتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتفادي التوتر قدر الإمكان، يمكن أن نتجنب الإصابة بأمراض القلب، وهي أهم مسببات الوفاة في العالم. ولكن، ماذا لو أمكننا الاعتماد أيضاً على لقاح؟ وماذا لو لم يكن لقاحاً عادياً، بل قادراً على تغيير حمضك النووي لتوفير حماية مدى الحياة بمجرد حقنة واحدة؟

تقنية كريسبر لإطالة الحياة لم تعد بعيدة المنال

يقول الباحثون إن هذه الرؤية لم تعد بعيدة المنال. فالتطورات في تعديل الجينات، وتقنية كريسبر على وجه الخصوص، قد تجعل تحقيقها ممكناً. في بداياتها، كانت تقنية كريسبر تُستخدم لتقطيع الحمض النووي وحسب. أما اليوم، فيتم إجراء التجارب عليها كوسيلة لتغيير الرموز الجينية الموجودة مسبقاً، وحتى عن طريق إقحام قطع جديدة تماماً من الحمض النووي، أو جينات كاملة، ضمن جينوم شخص ما.

وتعني هذه التقنيات الجديدة أننا قد نستطيع استخدام كريسبر لمعالجة الكثير من الأمراض، والتي ليست أمراضاً جينية بالضرورة. وعلى سبيل المثال، وفي يوليو/ تموز من عام 2022، أطلقت فيرف ثيرابيوتيكس تجربة لعلاج مبني على كريسبر لتغيير الرموز الجينية لتخفيض مستويات الكوليسترول بصورة دائمة.

ويحمل المتلقي الأول للعلاج -وهو متطوع في نيوزيلندا- قابلية عالية موروثة لارتفاع الكوليسترول، كما أنه مصاب بمرض القلب. ولكن كيران موسونورو، وهو أحد مؤسسي فيرف وكبير المستشارين العلميين فيها، يعتقد أن هذه المقاربة يمكن أن تكون مفيدة للجميع تقريباً.

ويعمل العلاج عن طريق إحداث تثبيط دائم للجين الذي يحمل شيفرة بروتين يسمى PCSK9، والذي يبدو أنه يؤدي دوراً مهماً في الحفاظ على مستويات الكوليسترول في الدم.

يقول موسونورو: "حتى لو بدأت مع مستوى طبيعي من الكوليسترول، وقمت بتثبيط PCSK9 لتخفيض مستويات الكوليسترول، فإن هذا سيخفض من احتمال الإصابة بنوبة قلبية. إنها استراتيجية عامة ونافعة لأي شخص تقريباً".

اقرأ أيضاً: تقدم واعد في تقنية كريسبر يمهد الطريق لتطوير علاجات فردية مخصصة

تطور كريسبر

وعلى حين ما زالت الابتكارات الجديدة قيد الدراسة في الأطباق المخبرية وحيوانات التجارب، فإن علاجات كريسبر دخلت نطاق التجارب البشرية. وهو إنجاز مذهل، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه التقنية استُخدِمت لأول مرة لتعديل جينومات الخلايا منذ نحو 10 سنوات وحسب. تقول أليكسيس كومور من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، والتي قامت بتطوير بعض من الأشكال الأحدث لتعديل الجينات بكريسبر: "لقد كانت الرحلة إلى التجارب السريرية سريعة للغاية".

تعمل العلاجات التي تعتمد على التعديل الجيني عن طريق تغيير الحمض النووي في الجينوم بصورة مباشرة. وقد كان الجيل الأول من تقنية كريسبر يقوم بشكل أساسي بتقطيع الحمض النووي. وتقوم الخلايا بعد ذلك بترميم المواضع المقطوعة، وعادة ما تؤدي هذه العملية إلى إيقاف أثر التحولات الجينية المؤذية.

أما الأشكال الأحدث من كريسبر فتعمل بطريقة مختلفة بعض الشيء. ولنأخذ على سبيل المثال تقنية تعديل القواعد، والتي يطلق عليها البعض اسم كريسبر 2.0". فهذه التقنية تستهدف كتل البناء الأساسية للحمض النووي، والتي تسمى بالقواعد.

وتوجد أربع قواعد للحمض النووي: وهي A وT وC وG. وبدلاً من تقطيع الحمض النووي، تستطيع آلية كريسبر 2.0 تحويل أحد أحرف القواعد إلى حرف آخر. وتستطيع تقنية تعديل القواعد تبديل الحرف C إلى الحرف T، أو الحرف A إلى الحرف G. يقول موسونورو: "لم تعد التقنية تعمل كالمقص، بل أصبحت أقرب إلى قلم رصاص وممحاة".

من الناحية النظرية، يفترض بطريقة تعديل القواعد أن تكون أكثر أماناً من الشكل الأصلي لتعديل الجينات بكريسبر. وبما أن الحمض النووي لا يتعرض للقطع، فهناك احتمال أقل لتعرض جين مهم للقطع بشكل عرضي، أو التحام الحمض النووي بصورة خاطئة.

يعتمد علاج تخفيض الكوليسترول من فيرف على تعديل القواعد، شأنه شأن عدة علاجات تجريبية أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن شركة بيم ثيرابيوتيكس (Beam Therapeutics)، تعتمد على هذه المقاربة لصنع علاجات محتملة لمرض فقر الدم المنجلي وغيره.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن ينجح التعديل الجيني في علاج أكثر الأمراض فتكاً في العالم؟

هناك أيضاً طريقة التعديل التحفيزي أو "كريسبر 3.0". وتتيح هذه التقنية للعلماء استبدال قطع من الحمض النووي أو إدماج قطع جديدة من الرموز الجينية. وقد ظهرت هذه التقنية منذ بضع سنوات وحسب، وما زالت قيد التجربة على الحيوانات المخبرية. ولكن إمكاناتها الكامنة كبيرة للغاية.

ويعود هذا إلى أن التعديل التحفيزي يفتح المجال أمام العديد من الخيارات. فتقنيتا كريسبر 1.0 وتعديل القواعد محدودتان إلى حد ما، حيث يمكن استخدامهما فقط في الحالات التي يمكن الاستفادة فيها من قطع الحمض النووي أو تغيير حرف واحد فقط. أما التعديل التحفيزي فيتيح إدماج جينات جديدة كاملة ضمن جينوم أي شخص.

وهو ما يفتح المجال أمام علاج أعداد إضافية من الأمراض الجينية. فإذا رغبت بتصحيح تحول محدد لا يمكن التعامل معه باستخدام تعديل القواعد، فإن "التعديل التحفيزي هو خيارك الوحيد"، كما يقول موسونورو.

وإذا أثبتت هذه الطريقة نجاحها، فقد تحدث ثورة حقيقية. فإذا كان لدينا مئة مصاب بمرض ما، فمن المحتمل أنهم يعانون من تأثيرات جينية جعلتهم عرضة لهذا المرض. ولكن إدماج جين مناسب لتصحيح المشكلة يمكن أن يؤدي إلى شفائهم جميعاً، كما يقول موسونورو. ويقول: "إذا نجحت في وضع نسخة جديدة وفعّالة من الجين، فلن يؤثر عليك أي تحول، فأنت تعتمد في هذه الحالة على نسخة فعّالة، وهذا جيد بما فيه الكفاية".

اقرأ أيضاً: جوجل تدعم محاولة لاستخدام تقنية كريسبر للوقاية من أمراض القلب

يمكن لهذه الأنماط الجديدة من كريسبر مجتمعة، أن تؤدي إلى توسيع نطاق علاجات التعديل الجيني إلى درجة كبيرة، ما يجعلها متاحة على الأرجح لشرائح كبيرة من الناس، وقادرة على علاج نطاق أكبر من الأمراض. إضافة إلى هذا، فإن الأمراض التي يمكن علاجها لا يجب حتى أن تكون ناتجة عن تحولات جينية بالضرورة.

في الواقع، إن بعضاً من أساليب كريسبر القديمة يصلح لعلاج أمراض غير ناتجة بالضرورة عن جين "فاسد". ويعتبر علاج فيرف لتخفيض الكوليسترول بصورة دائمة أول مثال عن علاجات كريسبر التي يمكن أن تكون مفيدة للأغلبية العظمى من البالغين، وفقاً لموسنورو.

لقاحات جينية

تتضمن طريقة فيرف استبدال حرف قاعدي في الجين الذي يحمل شيفرة البروتين PCSK9. وهو ما يؤدي إلى تثبيط عمل الجين، ما يقلل بدرجة كبيرة من إنتاج البروتين. وبما أن البروتين PCSK9 يقوم بدور مهم في الحفاظ على مستويات كوليسترول LDL (كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة) –وهو النوع الذي يؤدي إلى انسداد الشرايين- فإن مستويات الكوليسترول ستنخفض بدورها.

وفي التجارب، وعند تقديم العلاج إلى الفئران والقرود، انخفضت مستويات كوليسترول الدم لديها بنسبة 60-70% تقريباً خلال بضعة أيام، كما يقول موسونورو. ويضيف قائلاً: "ما إن ينخفض هذا المستوى، سيحافظ على انخفاضه". تتوقع الشركة أن تستمر تجربتها السريرية الأولى على البشر بضع سنوات. وإذا نجحت التجربة، ستواصل الشركة عملها بإجراء تجارب أكبر. ويجب أن يحوز العلاج موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية قبل أن يستطيع الأطباء وصفه للمرضى في الولايات المتحدة. يقول موسونورو: "ستحتاج الموافقة على استخدام علاجات كريسبر بشكل فعلي إلى بعض الوقت".

اقرأ أيضاً: تجربة أميركية جديدة تُثبت أمان استخدام تقنية كريسبر في علاج السرطان

ولكن مستقبلاً، يقول إننا قد نتمكن من استخدام نفس الطريقة لحماية الناس من ارتفاع ضغط الدم والسكري.

وتقول كومور من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو إن علاجات كريسبر التي تمنع الإصابة بمرض ألزهايمر قد تحقق انتشاراً واسعاً أيضاً. ولكنها تحذر من أن تعديل جينومات الأشخاص غير المصابين مسألة معضلة من الناحية الأخلاقية، ويمكن أن تمثل مغامرة غير ضرورية للأشخاص الذين لا يعانون من أي مشكلات. وتقول: "إذا سنحت لي فرصة تعديل خلايا الكبد لديّ لتخفيض الكوليسترول الذي يمكن أن يرتفع مستواه لدي في المستقبل، فمن المرجح أنني سأرفض الفكرة، وسأرغب في الحفاظ على الجينوم لديّ دون تغيير، ما لم تكن هناك مشكلة ما".

تقول تانيا بوبيلا، والتي تدرس المسائل القانونية والأخلاقية للتكنولوجيات الجديدة في جامعة سيمون فريزر في مدينة بورنابي بولاية بريتيش كولومبيا بكندا، إن أي علاج جديد يجب أن يكون آمناً بدرجة العلاجات المتوافرة نفسها حالياً على الأقل. تؤدي الكثير من الأدوية إلى أعراض جانبية. تقول بوبيلا: "يكمن الفرق في أن الدواء العادي قابل للتغيير بسهولة، ولكن هذا مستحيل في حالة العلاج الجيني".

إضافة إلى ذلك، فإن قدرة علاجات تعديل الجينات على مساعدة الجمهور بصورة فعلية ستعتمد بشكل أساسي على سعرها ومستوى السلامة الذي تؤمّنه، كما تقول بوبيلا: "من الصعب أن أصدق أن علاجاً جينياً، مثل كريسبر، سيكون أكثر أماناً أو أقل تكلفة من مجرد حبة دواء كوليسترول بسيطة". ولكنها مستعدة لتقبل إمكانية تراجع تكلفة هذه العلاجات، وأن أسلوب "الحقنة الواحدة" قد يكون فكرة جذابة بالنسبة للبعض.

اقرأ أيضاً: أداة جديدة في تعديل الجينات ستُحسّن تقنية كريسبر بشكل جذريّ

يوجد سبب جيد لتركيز أولى تجارب كريسبر على الأشخاص الذين يعانون من أمراض نادرة دون خيارات كثيرة للعلاج، كما تقول كومور: "إنهم الأشخاص الأكثر حاجة إلى العلاج". وعلى الرغم من الحماسة التي ترافق توسع تطبيقات كريسبر، كما تقول، فإن لدينا التزاماً أخلاقياً بمساعدة هؤلاء الأشخاص قبل مساعدة العموم.

المحتوى محمي