ضمن أي نظامٍ حاسوبيّ، هنالك تبادلٌ متواصلٌ للبيانات والمعطيات المخزنة ضمن أماكن مختلفة، وعندما نقول "أماكن مختلفة" فإننا لا نقصد فقط نوعية الوحدات الحاسوبية (مسجلات، أو ذواكر وميضية، أو ذاكرة العمل، أو وحدات التخزين… إلخ)، بل نعني أنها "فيزيائياً" مخزنة ضمن أماكن مختلفة؛ فقد تكون موجودة ضمن قرص صلبٍ يعتمد على تقنية المغنطة لحفظ وقراءة البيانات (HDD)، وقد تكون موجودة ضمن شريحة إلكترونية من نوع ذواكر الحالة الصلبة (SSD) وقد تكون موجودة حتى ضمن أحد الأنماط القديمة لحفظ وتخزين البيانات مثل الأقراص الليزرية.
وعلى اختلاف أنواع الوسائط الفيزيائية التي يمكن تخزين البيانات والمعلومات ضمنها، إلا أن ذلك لا يمثل مشكلة لأي نظامٍ حاسوبيّ نستخدمه ونعتمد عليه اليوم. وبالرّغم من اختلاف خصائص هذه الأوساط الفيزيائية (مثل تردد عملها وسرعة تبادل البيانات التي تستطيع أن توفّرها)، إلا أنها دائماً ما كانت متوافقة مع المعالجات التي تجلب البيانات منها بهدف معالجتها.
بالنسبة للحواسيب الكمومية، التي لا تزال في حاجة إلى الكثير من التطوير قبل أن تصبح قابلة للاستخدام بنفس درجة وثوقية الحواسيب الحالية، فإن القدرة على التعامل مع نظام معلومات مختلط بشكلٍ مشابه لقدرة الحواسيب التقليدية على التعامل مع أنماط وسائط التخزين المختلفة، هو أمرٌ سيعزز من القدرات التي ستوفرها لنا ويدعم فرص استخدامها على نطاقٍ واسع.
هذا الأمر -أي إنشاء نظام معلومات كمومي مختلط- هو محور الإنجاز الجديد الذي حققته مجموعة من علماء الفيزياء في المعهد الوطني الأميركي للمعايير والقياسات (NIST)؛ إذ تم الكشف عن إجرائهم لعملية "تشابك" كمي لذرةٍ مشحونةٍ مع جزيءٍ مشحون، مُظهرين آليةً جديدة لإنشاء نظام معلومات كمومي هجين، الذي يمكن عبره تخزين وتبادل أنماط مختلفة من البيانات. يذكر أن باحثي المعهد قد أعلنوا مؤخراً أيضاً عن تطويرهم لآلية اصطناع جديدة للترانزيستورات أحادية الذرة، وهو الإنجاز الذي شكل أيضاً خطوةً هامة في مجال أبحاث الحواسيب الكمومية.
تعتمد الحواسيب الكمومية على وحداتٍ خاصة لتمثيل البيانات التي تم تسميتها كيوبت (Qubit)، والتي تستطيع -بشكلٍ مشابهٍ للبتات الرقمية التقليدية- أن تمتلك قيم صفر أو واحد. في الحواسيب التقليدية، يتم تمثيل الحالات الرقمية للبتات (أي الصفر والواحد) عبر الجهود الكهربائية، بينما في الحواسيب الكمومية يتم الاعتماد على الحالات الكمية للجسيمات والذرات من أجل تمثيل الحالات الرقمية مثل الصفر والواحد، وكمثال، فإن وجود جسيم أو ذرة ضمن سويةٍ طاقية مرتفعة تمثل الواحد الرقمي، ووجوده ضمن سويةٍ منخفضة يمثل الصفر المنطقي. علاوةً على ذلك، يمتلك الكيوبت خاصيةً فريدة وهي التراكب (Superposition)، أي أنه يمكن أن يمتلك قيمة صفر وواحد في الوقت نفسه.
ما قام به الباحثون في المعهد الوطني الأميركي للمعايير هو تشبيك حالات الطاقة الخاصة بذرة كالسيوم مشحونة (شاردة) مع الحالات الدورانية لجزيء هيدريد الكالسيوم المشحون. يعود السبب الأساسيّ لتشبيك ذرة مع جزيء (بدلاً من تشبيك ذرة مع ذرة) إلى بعض الخواص الفريدة التي تتيحها الجزيئات؛ فهي كالذرات تمتلك سويات طاقية مختلفة، ولكنها تمتلك القدرة على الدوران والتذبذب عند سرعاتٍ وزوايا مختلفة، وهي بذلك تستطيع لعب دور الوسيط في الأنظمة الكمومية؛ من أجل جعل عملية تبادل المعلومات الكمومية أسهل عبر مجالٍ واسع من الكيوبتات التي تعمل عند ترددات تتراوح بين عدة آلاف وحتى عدة تريليونات دورة بالثانية. هذا يعني أن الجزيئات تستطيع أن تؤمّن عملية نقل فعال للمعلومات بين الأنظمة الكمومية التي تعمل عند تردداتٍ مختلفة. وبالنسبة للبحث الجديد، امتلك الكيوبت الجزيئي (أي المكون من جزيء هيدريد الكالسيوم) تردُّدَ تبديل قدره 13.4 كيلوهرتز عند السويات الطاقية المنخفضة، وتردد تبديل قدره 855 جيجاهرتز عند السويات الطاقية المرتفعة.
يمثل هذا البحث وهذه التجربة آليةً جديدة يمكن عبرها ربط أنماط مختلفة من الكيوبتات مع بعضها البعض، أي -وبشكلٍ مشابه للحواسيب التقليدية- سيكون هنالك إمكانية لربط وحدات وأنظمة معلومات كمومية مختلفة، حيث يمكن تشكيل الكيوبتات من الجسيمات الضوئية أو من الذرات التقليدية أو من الذرات في أنظمة فائقة الموصلية (Superconducting). ومع امتلاك القدرة على تبادل المعلومات الكمومية بين هذه الأنظمة المختلفة وعند تردداتٍ مختلفة، ستصبح عملية معالجة البتات الكمومية أكثر سهولة، ومن المفترض أن نقترب أكثر من امتلاك الحاسوب الكمومي المتفوق.
تم نشر النتائج المتعلقة بالبحث الجديد ضمن ورقةٍ علمية في دورية نيتشر، وقد حملت عنوان: التشابك الكمومي بين ذرةٍ وجزيء (Quantum Entanglement between an atom and a molecule).