لماذا تنفق شركات التكنولوجيا الكبرى مليارات الدولارات لتطوير نظارات الواقع المعزز؟

5 دقيقة
لماذا تنفق شركات التكنولوجيا الكبرى مليارات الدولارات لتطوير نظارات الواقع المعزز؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Maxx-Studio

في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وضمن المؤتمر السنوي للمطورين، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مارك زوكربيرغ، إطلاق أحد مشاريع الشركة الأكثر طموحاً، وهو نظارة الواقع المعزز أوريون (Orion)، وقبله بعشرة أيام فقط وضمن قمة مؤتمر شركاء شركة سناب السنوي، أعلن الرئيس التنفيذي، إيفان شبيجل، الجيل الخامس من نظارتها التي تأتي مدعومة على نحو كامل بتكنولوجيا الواقع المعزز سبكتاكلس (Spectacles).

وفي كلا الحدثين، أكد الرئيسان التنفيذيان أن رؤية شركتيهما لهذه التكنولوجيا واعدة للغاية، وتُعدّ الجيل التالي من الحوسبة. ولكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة، أمضت الشركتان ما يصل إلى عقدٍ من الزمن في أعمال البحث والتطوير، وأنفقت كلتا الشركتين الكثير من المال للإعلان عن نموذجهما الأولي من نظارات الواقع المعزز الجديدة، والذي تنظر إليهما الشركتان على أنه يمكن أن يحلّ محل الهاتف الذكي الذي يعد أحد أكثر الأجهزة الإلكترونية شعبية واستخداماً في التاريخ الحديث.

إذ ذكرت بعض التقارير أن شركة ميتا على سبيل المثال كانت تهدف عام 2018 إلى بيع القطعة الواحدة من نظارة الواقع المعزز الخاصة بها بسعر يصل إلى 10 آلاف دولار في الوقت الحالي، بينما لم تؤكد التقارير كم أنفقت شركة سناب، ولكن بالنظر إلى عملية الاستحواذ التي نفذتها سابقاً على شركة ويف أوبتيكس (WaveOptics)، فإن الرقم قد يقارب ما أنفقته شركة ميتا.

فلماذا تنفق شركتا ميتا وسناب وغيرها من شركات التكنولوجيا الكبرى هذه المليارات والسنين كلّها في تطوير تكنولوجيا نظارات الواقع المعزز؟ وما هي فرص نجاحها؟ وهل يمكنها أن تحل محل الهواتف الذكية بالفعل؟

اقرأ أيضاً: هل سنشهد اختفاء الهواتف الذكية بحلول العام 2030 حقاً كما يتنبأ الرئيس التنفيذي لنوكيا؟

نظارات الواقع المعزز تطور كبير عن النظارات الذكية

إن تضمين أحدث التكنولوجيات في النظارات التي يرتديها المستخدم على الوجه ليس فكرة جديدة، فكثيراً ما حاولت الشركات إطلاق نظارة ذكية للاستخدام اليومي بطريقة مشابهة لما نفعله بالهاتف الذكي، ويبدو أن شركتي ميتا وسناب أكثر تصميماً للوصول إلى هذه المرحلة، حيث استثمرتا الكثير من الوقت والمال في التطوير والبحث لإنشاء منصة الحوسبة الرئيسية التي توفّر إحساساً عميقاً بالحضور، وكأنك تتحدث إلى شخص آخر مثلما تفعل مع هاتفك المحمول.


يصفُ المراقبون نظارتي الواقع المعزز اللتين كشفت عنهما الشركتان بأنهما قد حققتا بالفعل قفزة تكنولوجية هائلة وخطوة كبيرة إلى الأمام، لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في الانتقال إلى الجيل القادم من الحوسبة. حيث يرى المديران التنفيذيان أن المستخدمين والمطورين قد سئموا من شاشاتهم، ويعتقدون أن المستخدم مستعد لثورة تكنولوجية جديدة على غرار ما شهدته ثورة انتشار الهواتف الذكية.

وتُعدّ شركتا ميتا وسناب أول شركتين كبيرتين تكشفان عن نماذج أولية لنظارات الواقع المعزز بالكامل، والتي تُعدّ قفزة هائلة عن النظارات الذكية المتوفرة الآن، فهي لا تعرض الصور أو تلتقطها فحسب، بل يمكن استخدامها في التفاعلات الصوتية لطرح أسئلة حول ما يحدث أمامك وطلب تشغيل الموسيقى وإجراء المكالمات وغيرها من الوظائف.

اقرأ أيضاً: نظارات ذكية مدعومة بالواقع المعزز تسمح لضعاف السمع برؤية المحادثات

محاولات كثيرة ولكن لم ينجح أحد حتى الآن

يُعدّ الوصول إلى الإمكانات الكاملة لتكنولوجيا الواقع المعزز عبر نظارة عادية حلماً سعى إلى تحقيقه الكثير من شركات التكنولوجيا الكبرى منذ سنوات، لتصدُّر قائمة الدخول في سوق جديدة تماماً مثل شركة جوجل التي أطلقت النموذج الأولي من نظارة جوجل (Google glass) عام 2013، لكن المنتج واجه الكثير من المشكلات بسبب المخاوف بشأن الخصوصية وألغت الشركة المشروع في النهاية عام 2023.

وكانت لشركة مايكروسوفت تجربة من خلال نظارة هولولنز (HoloLens) عام 2016، لكنها فشلت في جذب الانتباه، ما أدّى إلى أن توقف الشركة المشروع في الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي، كما واجهت شركة ماجيك ليب (Magic Leap) العاملة في مجال تكنولوجيا الواقع المعزز، والتي حصلت على جولات تمويل وصلت إلى نحو 2.3 مليار دولار، المصير نفسه. حيث قلّصت مؤخراً عدد موظفيها وانتقلت من تصنيع نظارات الواقع المعزز إلى الشراكة مع شركات أخرى مثل جوجل لترخيص تكنولوجيتها.

كما تواجه شركة آبل مع منتجها فيجن برو (Vision Pro)، وهو نظارة واقع مختلط أُطلقت في بداية العام الحالي، تحديات كبرى وبعيدة كل البعد عن التبني الشامل، حيث أفادت التقارير بأن شركة آبل قد خفّضت توقعاتها للشحنات مع وصول مبيعاتها إلى أقل من 300 ألف وحدة حتى الآن. وحسب مراقبين، كان طرحها لنظارتها خطة أولية للشركة تريد من خلالها استكشاف السوق لتحويلها لاحقاً إلى نظارة واقع معزز.

ومع موجات الإطلاق والفشل، لم تيأس شركتا ميتا وسناب، بل زادتا من الاستثمارات وإنفاق المال على الأبحاث والتطوير للوصول إلى المنتج الحُلم، حيث دخلت شركة ميتا في شراكة مع شركة النظارات راي بان (Ray-Ban) لإطلاق أول إصدار من النظارات الذكية في عام 2023، كما عملت شركة سناب على إطلاق سلسلة نظاراتها الذكية منذ العام 2016 وصولاً إلى الجيل الرابع الذي أضافت إليه بعض قدرات تكنولوجيا الواقع المعزز الأساسية.

اقرأ أيضاً: إليكم نتائج تجربتي لنظارات الواقع الافتراضي الجديدة من شركة سناب

لماذا فشلت الشركات في إقناع المستهلكين بشراء نظارات الواقع المعزز؟

حسب المراقبين، فإن إمكانات التكنولوجيا كبيرة، لكن مع ذلك لم تصل الشركات إلى مرحلة إقناع المستهلكين بأن نظارات الواقع المعزز، أو حتى المختلط، تستحق فعلاً إنفاق الأموال عليها. على سبيل المثال، على الرغم من أن شركتي سناب وميتا قد تجرأتا وقدمتا نماذج أولية لنظارات الواقع المعزز، فإنهما لا تزالان على بعد سنوات من بيعها للمستهلكين، وهذا يعود إلى سببين رئيسين:

تكلفة البحث والتطوير وتعقيد التكنولوجيا

إن التكنولوجيا مكلفة للغاية، فمسألة تطوير نظارة خفيفة الوزن وأنيقة ومريحة ودمج ميزات تكنولوجيا الواقع المعزز فيها تبدو أكثر تعقيداً مما هي عليه حقيقة؛ على سبيل المثال، ضخت شركة ميتا أكثر من 63 مليار دولار على مدار العقد الماضي في قسم ريالتي لابس (Realty Labs) المعني بتطوير منتجات الواقع الافتراضي والمعزز وإنتاجهاـ ومع ذلك لا تزال في المرحلة التجريبية لتكنولوجيا نظارة الواقع المعزز.

السعر المرتفع والحاجة إليها

ما يجعل إقبال المستهلكين على نظارات الواقع المعزز ضعيفاً سعرها المرتفع للغاية مقارنة بسعر أحدث هاتف ذكي موجود في السوق، على سبيل المثال تُباع نظارة آبل فيجن برو في الولايات المتحدة الأميركية بسعر 3,499 دولارات مع قابلية الزيادة في بعض الأسواق الأخرى مثل الصين أو المملكة المتحدة أو هونغ كونغ.

فضلاً عن أن الحاجة إلى مثل هذه المنتجات تبدو موضع شك، على الأقل حتى الآن، أو بعبارة أخرى قبل شرائها قد تبرز أسئلة عديدة؛ مثل: ما هي الأشياء التي يمكن أن تفعلها وتبرر سعرها المرتفع مقارنة بالهواتف الذكية؟ خاصة الهواتف المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي.

لهذين السببين يبدو أن قرار شركتي ميتا وسناب إطلاق منتجيهما باعتبارهما إصدارين تجريبيين كان مدروساً بعناية، حيث تخطط شركة ميتا لاستخدام المنتج داخلياً وسط موظفيها بغرض تطوير البرامج والتطبيقات المتوافقة معها، إلى جانب العمل مع شركاء خارجيين محددين للحصول على المحتوى. بينما تبدو رؤية شركة سناب أكثر تحديداً، حيث تريد إنشاء نظام بيئي من التجارب والألعاب لمنتجها؛ ولهذا السبب فهي تؤجّر النظارة للمطورين الراغبين مقابل 99 دولاراً شهرياً مدة عام.

اقرأ أيضاً: كيف تُحدِث بوتات الدردشة الذكية تحولاً في القطاع المصرفي؟

كيف تنظر الشركتان إلى الالتزام الطويل الأمد في تطوير نظارات الواقع المعزز؟ وهل ستنجحان؟

تتمثل رؤية شركة ميتا في جعل نظارات الواقع المعزز سهلة الاستخدام ومفيدة مثل الهاتف الذكي، وفي الالتزام الذي يبديه رئيسها التنفيذي الذي يرى أن هناك الكثير من الفرص التي يمكن للشركة الاستفادة منها، خاصة مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تساعد على تضمين الكثير من التكنولوجيات في نظارة عادية يمكنها تنفيذ كل ما نريده، مثل قراءة الرسائل ومشاهدة الفيديو وإجراء مكالمات الفيديو دون الحاجة إلى أي جهاز آخر سوى النظارة نفسها.

بينما يبدو أن شركة سناب، المالكة لتطبيق سناب شات، تريد تطوير نموذج عملها نفسه المتعلق بالتصوير والمشاركة والألعاب. ولكن هذه المرة عبر نظارة وليس عبر الهاتف الذكي، لذلك تبدو أكثر حرصاً على جذب مطوري الألعاب، حيث أبرمت شراكة مع شركة نيانتيك (Niantic)، مبتكرة لعبة بوكيمون غو (Pokemon Go) الشهيرة، لإضافة بعض تطبيقاتها إلى النظارات.

ومع ذلك يرى العديد من المراقبين أن مفتاح تسويق هذه الأجهزة الجديدة يتمحور حول عامل رئيسي واحد فقطـ، وهو السعر. فحتى إذا كانت لديها إمكانات تنفيذ كل شيء وأي شيء، وتجاوزت بنطاق سعرها أحدث هاتف ذكي موجود في السوق، فإن هذا يُشكّل ضربة للشركتين في تسويق المنتج للمستهلك العادي مهما احتوى من إمكانات وميزات.

المحتوى محمي