يجري رئيس المنتجات المخصصة لمنصة شركة أوبن أيه آي (OpenAI)، أوليفييه غودمون، ومدير تجربة مطوري البرمجيات في الشركة، روماين هويت، جولة سريعة ومحمومة حول العالم. ومنذ فترة وجيزة، التقيت بهما في لندن قبل المؤتمر السنوي الذي تنظّمه الشركة لمطوري البرمجيات، ديف داي (DevDay). يمثّل مؤتمر ديف داي في لندن أول نسخة نظّمتها الشركة من هذا المؤتمر خارج سان فرانسيسكو. سنغافورة هي الوجهة التالية لغودمون وهويت.
لقد كانت الأسابيع الماضية حافلة بالنسبة إلى الشركة. ففي لندن، أعلنت أوبن أيه آي تحديثات على منصتها الجديدة ريلتايم أيه بي آي (Realtime API)، التي تُتيح لمطوري البرمجيات دمج الميزات الصوتية في تطبيقاتهم؛ حيث تعمل الشركة على إطلاق أصوات جديدة، ووظيفة جديدة تُتيح لمطوري البرمجيات توليد الأوامر النصية، ما سيسمح لهم ببناء التطبيقات ومنظومات مساعدة صوتية (مساعدات صوتية) أكثر فائدة بسرعة أكبر. وفي هذه الأثناء، وعلى صعيد المستهلكين، أعلنت أوبن أيه آي إطلاقها وظيفة تشات جي بي تي سيرتش (ChatGPT search)، أو البحث عبر تشات جي بي تي، التي ستُتيح للمستخدمين البحث عبر الإنترنت باستخدام بوت الدردشة. يمكنك قراءة المزيد عن هذه الوظيفة هنا.
اقرأ أيضاً: هل وكلاء الذكاء الاصطناعي مفيدون حقاً؟ شركات التكنولوجيا تسعى لإقناعنا بذلك
المنظومات الوكيلة
يمثّل كلا مساري التطور حدثاً يمهّد الطريق أمام الإنجاز الجديد المقبل في مجال الذكاء الاصطناعي: المنظومات الوكيلة (الوكلاء الأذكياء [Agents]). هذه المنظومات الوكيلة تمثّل المنظومات المساعدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي (المساعدات الذكية [AI Assistants]) التي يمكنها إنجاز سلاسل معقدة من المهام، مثل حجز الرحلات الجوية. ويمكنك قراءة مقالي التوضيحي حول المنظومات الوكيلة هنا.
يقول غودمون: "إذا تخيلنا شكل المستقبل بعد مرور بضعة أعوام، فسنجد أنه قد أصبح لدى كل شخص وكل شركة على وجه الأرض، منظومة وكيلة. هذه المنظومة الوكيلة تعرفك جيداً، وتعرف تفضيلاتك". ستتمكن المنظومة الوكيلة من الوصول إلى بريدك الإلكتروني، وتطبيقاتك، وجداول مواعيدك، وستتولى دور مساعدك الرئيسي، حيث ستتفاعل مع كل من هذه الأدوات، بل وحتى تعمل على حل المشكلات الطويلة الأمد، مثل كتابة ورقة بحثية حول موضوع معين، على حد قول غودمون.
ويقول غودمون إن استراتيجية أوبن أيه آي تتمثل في بناء المنظومات الوكيلة بنفسها، والسماح لمطوري البرمجيات في الوقت نفسه باستخدام برمجياتها لبناء منظوماتهم الوكيلة الخاصة. وسيؤدي الصوت دوراً مهماً في الهيئة التي ستتخذها هذه المنظومات الوكيلة، والانطباع الذي ستشكّله عند التعامل معها.
يقول غودمون: "حالياً، يعتمد معظم التطبيقات على الدردشة، وهو أمر رائع طبعاً، لكنه لا يلائم حالات الاستخدام جميعاً. ثمة حالات استخدام لا يستعمل فيها المستخدم لوحة المفاتيح، أو لا ينظر إلى الشاشة حتى، ما يجعل الصوت وسيلة أفضل بكثير لهذه الحالات".
اقرأ أيضاً: ما هو وكيل الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يساعدك في حياتك اليومية؟
عائقان كبيران أمام تحويل المنظومات الوكيلة إلى حقيقة واقعة
لكنْ، ثمة عائقان كبيران يجب أن نتغلب عليهما قبل أن تتحول المنظومات الوكيلة إلى حقيقة واقعة، على حد قول غودمون.
المشكلة الأولى هي التفكير. فبناء منظومات وكيلة تعمل بالذكاء الاصطناعي يتطلب منا الثقة بقدرتها على إنجاز المهام المعقدة واختيار الأفعال الصحيحة، على حد قول هويت. وهنا تظهر أهمية ميزة "التفكير" (reasoning) التي تطرحها أوبن أيه آي. طرحت أوبن أيه آي هذه الميزة في نموذجها المعروف باسم "أو ون" (o1) في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي تعتمد على التعلم المعزز لتعليم النموذج كيفية معالجة المعلومات باستخدام "سلسلة الأفكار". يقول غودمون إن منح النموذج مزيداً من الوقت لتوليد الإجابات، يسمح له بكشف الأخطاء وتصحيحها، وتفكيك المشكلات إلى مشكلات أصغر، وتجربة أساليب مختلفة للإجابة عن الأسئلة.
لكن يجب التعامل مع مزاعم أوبن أيه آي بشأن ميزة التفكير بحذر، وفقاً لأستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة واشنطن، شيراغ شاه. فالنماذج اللغوية الكبيرة لا تتمتّع بقدرة حقيقية على التفكير، ومن المرجّح أنها اكتسبت شيئاً يبدو شبيهاً بالمنطق من أشياء صادفتها في بياناتها التدريبية.
يقول شاه: "أحياناً، يبدو لنا أن هذه النماذج مذهلة للغاية من حيث قدرتها على التفكير، لكنها في الواقع تجيد التظاهر إلى حدٍّ كبير، ولا يتطلب الأمر سوى القليل من البحث عن عيوب المنطق لديها لإظهار هشاشتها".
يعترف غودمون بأنه ما زال هناك الكثير من العمل الذي يجب إنجازه. فعلى المدى القصير، يجب أن تصبح نماذج الذكاء الاصطناعي مثل "أو ون" أكثر موثوقية وأسرع في أدائها وأقل تكلفة. وعلى المدى الطويل يتعين على الشركة أن تطبّق تقنية سلسلة الأفكار على نطاقٍ أوسع من حالات الاستخدام. اختارت أوبن أيه آي أن تركّز على العلوم والبرمجة والرياضيات. والآن، ترغب الشركة في التطرق إلى مجالات أخرى، مثل القانون والمحاسبة والاقتصاد، على حد قول غودمون.
ويقول غودون إن المهمة الثانية على قائمة المهام المطلوبة هي امتلاك القدرة على الربط مع أدوات مختلفة. ستكون قدرات نموذج الذكاء الاصطناعي محدودة إذا كان عليه الاعتماد على بيانات التدريب وحدها. ويجب أن يكون قادراً على تصفح الويب والبحث عن أحدث المعلومات. تمثل وظيفة تشات جي بي تي سيرتش إحدى الوسائل الفعّالة التي تُتيح لأدوات أوبن أيه آي الجديدة أن تحقق ذلك الآن.
اقرأ أيضاً: ما بعد بوتات الدردشة: صعود وكلاء الذكاء الاصطناعي
يجب ألّا تكون هذه الأدوات قادرة على استرجاع المعلومات فحسب، بل عليها أيضاً أن تتخذ إجراءات في العالم الحقيقي. أعلنت الشركة المنافسة أنثروبيك (Anthropic) ميزة جديدة تُتيح لبوت الدردشة الخاص بها كلود (Claude) أن "يستخدم" الكمبيوتر من خلال التفاعل مع واجهته التخاطبية للنقر على مجموعة من الأزرار والأيقونات على الشاشة على سبيل المثال. هذه الميزة مهمة بالنسبة إلى المنظومات الوكيلة إذا كانت ستتمكن من تنفيذ بعض المهام في العالم الحقيقي، مثل حجز الرحلات الجوية. يقول غودمون إن بإمكان أو ون استخدام الأدوات "إلى حد ما"، وإن لم يكن ذلك على نحو موثوق للغاية، ويُضيف قائلاً إن الأبحاث الجارية حول استخدام الأدوات تمثّل "تطوراً واعداً".
يقول غودمون إنه يتوقع أن يشهد العام المقبل نمواً في تبنّي الذكاء الاصطناعي لدعم العملاء وغير ذلك من المهام التي تعتمد على المنظومات المساعدة. ومع ذلك، يقول إنه قد يكون من الصعب التنبؤ بكيفية تبنّي الناس تكنولوجيا أوبن أيه آي واستخدامها.
ويقول غودمون: "بصراحة، عندما أتأمل كل عام التطورات التي تحققت في العام السابق، تدهشني كل مرة حالات الاستخدام التي ظهرت والتي لم أكن حتى أتوقع ظهورها. ولهذا، أتوقع أن نشهد عدداً لا بأس به من المفاجآت التي لم يكن أي منا ليتنبأ بحدوثها".