يمكن إرجاع تاريخ الحواسيب إلى أربعينيات القرن العشرين، عندما تم تطوير أول حاسوب إلكتروني متعدد الأغراض عُرف باسم حاسوب إينياك (ENIAC). منذ ذلك الحين، خضعت الحواسيب لتغييرات كثيرة، وأدى ذلك إلى ظهور الحواسيب المتقدمة والمتطورة التي نستخدمها اليوم.
في هذه المقالة، سوف نتتبع الخط الزمني لتطور الحواسيب منذ ظهورها حتى يومنا هذا الذي نستخدم فيه الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية صغيرة الحجم.
عقد الأربعينيات
أدت الحرب العالمية الثانية دوراً في تطوير أول الحواسيب الإلكترونية، حيث سعت الدول إلى تطوير آلات قادرة على إجراء عمليات حسابية تخدم الأغراض العسكرية، مثل حاسوب كولوسس (Colossus computer) الذي تم تطوير نسختين منه في بريطانيا؛ النسخة مارك 1 (Mark 1) عام 1943، والنسخة مارك 2 (Mark 2) عام 1944. كان الغرض من النسختين هو فك تشفير الرسائل التي ترسلها القيادة الألمانية العليا وتتلقاها.
لكن أول حاسوب إلكتروني متعدد الاستخدامات في العالم هو حاسوب إينياك (ENIAC) الذي تم تطويره في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، وكُشف عنه رسمياً يوم 14 فبراير/ شباط 1946 في جامعة بنسلفانيا.
اقرأ أيضاً: كيف ستغيّر الحواسيب الكمومية مستقبلنا؟
صُمم إينياك من قِبل جيش الولايات المتحدة الأميركية بغرض حساب الزمن الذي تستغرقه القذائف منذ انطلاقها إلى لحظة اصطدامها بالهدف، وكان حاسوباً ضخماً يملأ غرفة كبيرة ويزن نحو 30 طناً. يتكون من أنابيب مفرغة ومفاتيح ومرحلات تستخدم في إجراء الحسابات.
كانت قدرات هذا الحاسوب ضعيفة جداً مقارنة بالحواسيب المتوفرة اليوم، لكنها كانت في ذلك الوقت ثورة في مجال الحوسبة، إذ كان قادراً على إجراء 5000 عملية حسابية في الثانية الواحدة.
إحدى أهم ميزات إينياك أنه كان قابلاً للبرمجة، الأمر الذي سمح باستخدامه في عدة مجالات أخرى، حيث إن البرمجة من أهم العوامل التي جعلت الحواسيب قابلة للاستخدام في مهام متعددة، ما أسهم في انتشارها.
على الرغم من تطوره، لم يستخدم إينياك على نطاق واسع، فقد كان باهظ الثمن وكبير الحجم ويحتاج للكثير من الخبراء والفنيين لتشغيله، لكنه مهّد الطريق للأجيال القادمة من الحواسيب، وكان بمثابة نقطة تحول في تاريخ الحوسبة.
اليوم، يعتبر حاسوب إينياك أحد أهم الاختراعات في القرن العشرين، ومعترف به كأول حاسوب إلكتروني متعدد الاستخدامات.
بعد الحرب العالمية الثانية، تغيّرت استخدامات الحواسيب، وسعت العديد من الشركات والجامعات لتطوير حواسيب يمكن استخدامها لأغراض تجارية أو علمية.
اقرأ أيضاً: الإعلان عن أحدث قائمة لأقوى 500 حاسوب خارق في العالم
عقد الخمسينيات
كان يونيفاك 1 (UNIVAC I) أول حاسوب تجاري يتم إنتاجه بكميات كبيرة، وقد استخدم على نطاق واسع في التطبيقات العلمية والتجارية والحكومية. تم تصميم هذا الحاسوب من قبل جي إيكيرت وجون ماكلي اللذين عملا على التصميم الهندسي لحاسوب إينياك، وقاما بتسليم يونيفاك 1 لمكتب تعداد الولايات المتحدة (United States Census Bureau) في شهر مارس/ آذار 1951.
كان يونيفاك 1 قادراً على إجراء 1000 عملية حسابية في الثانية، ويمكنه تخزين نحو مليون حرف على شريطه المغناطيسي.
دفع النجاح الذي حققه يونيفاك 1 والطلب الكبير عليه في مختلف الصناعات المطورين لتأسيس العلامة التجارية يونيفاك (UNIVAC) التي أدت دوراً مهماً في تطوير الحواسيب وإتاحتها للأغراض التجارية والعلمية.
خلال عقد الخمسينيات، أصبحت الحواسيب تستخدم الترانزستورات بدلاً من الأنابيب المفرغة، ما جعلها أصغر حجماً وأقل استهلاكاً للطاقة وأسرع وأكثر استقراراً.
تسمى الحواسيب التي تعمل بالأنابيب المفرغة حواسيب الجيل الأول، أما تلك التي تعمل بالترانزستورات فتسمى حواسيب الجيل الثاني. كان حاسوب آي بي إم-1401 (IBM-1401) الذي تم إطلاقه عام 1959 أول حاسوب يستخدم الترانزستورات بدلاً من الأنابيب المفرغة.
في عام 1959، اختُرعت الدوائر المتكاملة (Integrated circuit) المعروفة أيضاً باسم الشرائح الإلكترونية أو الرقائق الإلكترونية (Chip)، وأدت هذه الرقائق دوراً مهماً في تطوير الحواسيب؛ لقد أتاحت إمكانية دمج المزيد من المكونات في شريحة واحدة، وجعلت الحواسيب أصغر حجماً وأسرع وأكثر كفاءة، وعُرفت الحواسيب التي تحتوي على الرقائق الإلكترونية باسم حواسيب الجيل الثالث.
اقرأ أيضاً: شبكة عصبونية جديدة تساعد الحواسيب على برمجة نفسها
عقد الستينيات
حتى منتصف الستينيات، كان يُنظر إلى الحاسوب على أنه جهاز يستخدم من قِبل المؤسسات فقط وليس للاستخدام الشخصي،
كانت شركة آي بي إم (IBM) ناجحة للغاية خلال هذا العقد، حيث طوّرت مجموعة من الحواسيب المركزية الكبيرة التي عُرفت باسم "آي بي إم سيستم/360" (IBM System/360)، وسيطرت على نحو 70% من سوق الحواسيب في ذلك الوقت.
استمر تطور الحواسيب بوتيرة سريعة، وأصبحت الحواسيب المركزية الكبيرة مثل آي بي إم سيستم/360 أكثر قوة، وتم تبنيها على نطاق واسع من قبل الشركات والمؤسسات الحكومية والجامعات.
في منتصف الستينيات، ابتكر المهندس الأميركي غوردون مور ما عرف باسم قانون مور (Moore's law). يتنبأ هذا القانون بأن قدرات الحوسبة في الحواسيب سوف تتضاعف كل عامين.
اقرأ أيضاً: هل الحواسيب الخارقة التي تحاكي الدماغ البشري خرافة؟
عقد السبعينيات
كان عقد السبعينيات حاسماً في تطور الحواسيب ووصولها لما هي عليه الآن. في عام 1971، ظهرت حواسيب الجيل الرابع التي تحتوي على المعالجات الدقيقة، وهي معالجات تحتوي على جميع الدوائر المطلوبة لأداء العمليات الحسابية والمنطقية على شريحة واحدة. كان معالج إنتل 4004 (Intel 4004) أول معالج دقيق يتم إنتاجه تجارياً.
شهد عام 1972 تأسيس شركة أتاري (Atari) الأميركية، أطلقت هذه الشركة في العام نفسه لعبة بونغ (Pong) التي تعتبر أول لعبة حاسوب. في هذه المرحلة، أصبحت الحواسيب لأول مرة تستخدم في مجال الترفيه.
في عام 1973، تم تطوير بروتوكول TCP/IP وبروتوكول إيثرنت (Ethernet). سمحت هذه البروتوكولات للحواسيب بالتواصل ونقل البيانات فيما بينها، ما مهّد الطريق لظهور علم الشبكات وشبكة الإنترنت.
شهد عقد السبعينيات أيضاً ظهور الحواسيب الشخصية، كان أولها حاسوب ألتير 8800 (Altair 8800) الذي بلغ سعره عام 1975 نحو 2200 دولار أميركي.
ظهر أول حاسوب محمول في سبتمبر/ أيلول 1975. كان هذا الحاسوب الذي عُرف باسم آي بي إم 5100 (IBM 5100) يزن 25 كلغ. على الرغم من أنه ليس خفيفاً لحمله بسهولة وفقاً لمعايير اليوم، فإنه مهّد الطريق لتطوير الحواسيب المحمولة.
في عام 1975، قام بيل غيتس وشريكه بول ألن بتأسيس شركة مايكروسوفت (Microsoft). وفي عام 1976، قام كل من ستيف جوبز وستيف وزنياك ورونالد واين بتأسيس شركة أبل (Apple). تنافست شركتا مايكروسوفت وأبل وأدى كل منهما دوراً مهماً في تطوير الحواسيب وأنظمة تشغيلها وبرامجها حتى يومنا هذا.
في أواخر السبعينيات، كان حاسوب أبل 2 (Apple II) أحد أكثر الحواسيب شعبية في السوق، خاصة في مجال التعليم.
عقد الثمانينيات
كان عقد الثمانينيات مهماً في تطوير الحواسيب، فقد أصبحت أجهزة الكمبيوتر الشخصية متاحة على نطاق واسع، ما أدى إلى زيادة كبيرة في استخدامها. دفع ذلك الشركات إلى تطوير برامج وأنظمة تشغيل جديدة.
في عام 1981، قدّمت شركة مايكروسوفت نظام التشغيل إم إس-دوس (MS-DOS)، وطرحت شركة آي بي إم (IBM) أول حاسوب شخصي من إنتاجها، وكان يعمل بنظام التشغيل إم إس-دوس. تفوق حاسوب آي بي إم الجديد على حاسوب أبل 2 بسرعة، وبرزت شركة آي بي إم كلاعب رئيسي في صناعة الحواسيب.
في عام 1984، طرحت شركة أبل حاسوباً ثورياً، وهو حاسوب أبل ماكنتوش 128 كي (Macintosh 128K). تميز هذا الحاسوب بنظام التشغيل ماكنتوش الذي يمكن التحكم فيه عن طريق واجهة مستخدم رسومية (GUI)، وكان أول حاسوب يأتي مع ماوس. أسهم هذا الحاسوب في إعادة أبل إلى الصدارة، وأصبحت واجهة المستخدم الرسومية المعيار المستخدم حتى الآن في كل الحواسيب.
لمنافسة شركة أبل، أصدرت شركة مايكروسوفت عام 1985 الإصدار الأول من نظام التشغيل ويندوز (Windows)، والذي جاء بواجهة مستخدم رسومية ومتوافقاً مع حواسيب شركة آي بي إم. وسرعان ما أصبح أكثر أنظمة التشغيل استخداماً في العالم حتى يومنا هذا.
اقرأ أيضاً: كيف أحدث حاسوب ماكنتوش ثورة في مجال التكنولوجيا؟
عقد التسعينيات
في عام 1990، اخترع السير تيم بيرنرز لي شبكة الويب العالمية، والتي أحدثت ثورة في الاتصالات من خلال تسهيل وصول الأشخاص إلى المعلومات ومشاركتها. وسرعان ما أسهم ذلك في زيادة هائلة باستخدام الإنترنت، وأدى هذا النمو إلى ظهور متصفحات الويب ومحركات البحث ومواقع التسوق الإلكتروني.
شهد عقد التسعينيات أيضاً انتشار الحواسيب المحمولة التي يسهل حملها ونقلها، فأصبحت متاحة وفي متناول الجميع، سواء في المنزل أو مكان العمل أو الدراسة.
في عام 1995، أصدرت مايكروسوفت نظام التشغيل ويندوز 95 (Windows 95)، وهو نظام تشغيل انتشر على نطاق واسع من قِبل المستخدمين الأفراد والمؤسسات. تميز هذا النظام بالعديد من الميزات الجديدة، مثل قائمة ابدأ.
القرن الواحد والعشرون
استمر تطوير الحواسيب في القرن الواحد والعشرين، وأهم ما ميّز الحواسيب في هذا القرن هو زيادة قدرة الحوسبة التي تقدمها ومساحة التخزين الكبيرة فيها وانخفاض سعرها وصغر حجمها، لدرجة أننا أصبحنا قادرين على حمل الحواسيب التي تعرف باسم الهواتف الذكية (Smart Phones) في جيوبنا.
عودةً إلى قانون مور الذي ابتكره المهندس الأميركي غوردون مور في منتصف الستينيات، فقد نص هذا القانون على أن قدرات الحواسيب ستتضاعف تقريباً كل عامين، وكان هذا صحيحاً نسبياً لمدة نصف قرن. لكن الآن، وصلنا إلى حدود هذا القانون، إذ تحتوي المعالجات الموجودة في الحواسيب اليوم على مليارات المليارات من الترانزستورات، ولم تعد الشركات قادرة على حشر مزيد من الترانزستورات فيها، ما يعني أننا لن نكون قادرين على تطوير حواسيب ذات قدرات أفضل.
لحل هذه المشكلة، يسعى العديد من الشركات والمؤسسات البحثية والجامعات لتطوير نوع جديد من الحواسيب تعرف باسم الحواسيب الكمومية (Quantum computers).
اقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين الحاسوب العادي والحاسوب الكمي؟
تعتمد هذه الحواسيب على مبادئ فيزياء الكم بدلاً من الترانزستورات، وإذا تم تطويرها بنجاح، سيوفر كل حاسوب كمومي قدرات حوسبة فائقة تعادل ملايين أو ربما مليارات الحواسيب العادية التي نستخدمها.