تطورت الحرب عبر التاريخ كثيراً ولا تزال تتطور باستمرار. على سبيل المثال أثبتت الحرب الروسية الأوكرانية الدور الفعّال للطائرات المسيرة في استهداف قوات العدو، لدرجة أن بعض المحللين يصفون هذه الحرب باسم حرب الطائرات المسيرة.
لتوضيح السياق التاريخي الذي تطورت وفقه الحروب والصراعات المسلحة عبر التاريخ، قام المؤرخون بتقسيم الحروب إلى عدة أجيال؛ من الجيل الأول الذي شهد استخدام الأسلحة البدائية يدوية الصنع، إلى الجيل الخامس الذي تميز بظهور استخدم أسلحة متطورة للغاية، ثم بدأ ما يعرف بحروب الجيل السادس.
حروب الجيل الأول
يشير مصطلح حرب الجيل الأول إلى الحروب القديمة التي كانت تعتمد على الأسلحة اليدوية مثل السيوف والرماح والسهام، في هذه الحروب، كان العامل الأساسي للانتصار وهزيمة العدو هو التفوق العددي، أي توفر أكبر عدد ممكن من الرجال والخيول.
اعتمدت هذه الحروب أيضاً على مهارات المقاتلين وتدريبهم، لذلك، من الشائع أن تقوم الدول والإمبراطوريات بتدريب مقاتليها منذ صغرهم.
حروب الجيل الثاني
في عام 1989، تحدث الجيش الأميركي عن حروب الجيل الثاني، وهي تشير إلى الصراعات التي تستخدم فيها أسلحة نارية مثل الرشاش الآلي والبنادق والمسدسات والمدافع والتي بدأ استخدامها منذ عدة قرون.
أدى ظهور هذه الأسلحة إلى تغيير كبير في طرق المواجهة، فلم يعد من الضروري أن يلتحم الجيشان مباشرة، حيث يمكن استهداف قوات العدو وضربها من مسافة بعيدة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للهجمات السيبرانية الروسية في أوكرانيا أن تنتشر عالمياً؟
حروب الجيل الثالث
على الرغم من أن الأسلحة الحديثة كانت قادرة على استهداف العدو عن بعد، فإن المسافة كانت محدودة، حيث يحتاج الجيشان إلى الاقتراب من بعضهما خلال المعركة، وهذا أمر خطير خاصةً حين تقترب قوات العدو من حدود الدولة أو مناطق استراتيجية فيها.
بالإضافة إلى ذلك، كانت العوائق الجغرافية الطبيعية مثل الأنهار أو الصناعية مثل الخنادق تؤدي دوراً مهماً في الصمود خلال الحرب ومنع قوات العدو من التقدم، كان ذلك بارزاً خلال الحرب العالمية الثانية، حيث نجحت القوات الألمانية في غزو معظم القارة الأوروبية، لكنها لم تتمكن من غزو بريطانيا بسبب البحر الذي يفصلها عن أوروبا.
لذلك، برزت الحاجة إلى تطوير أسلحة أكثر تطوراً وذات مدى أبعد، ليس لاستهداف قوات العدو المشاركة في المعركة فحسب، بل لاستهداف خطوط إمداداتها ومصانعها، وحتى استهداف القيادات العسكرية والسياسية التي تتحكم فيها.
هنا ظهرت حروب الجيل الثالث، التي تستخدم فيها أسلحة قادرة على اختراق قوات العدو بسهولة وسرعة وتوجيه ضربات لمسافات بعيدة، مثل الطائرات التي برز دورها في الحرب العالمية الأولى الصواريخ بعيدة المدى التي ظهرت في الحرب العالمية الثانية.
نتيجة استخدام الأسلحة بعيدة المدى، برزت مشكلة كبيرة في حروب الجيل الثالث، وهي سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، استهداف المدنيين لم يكن نتيجة الأخطاء في توجيه الأسلحة بعيدة المدى أو وجود معسكرات بالقرب منهم فقط، بل كان في بعض الحروب استراتيجية مقصودة لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين واستخدام ذلك كورقة ضغط على الدولة.
اقرأ أيضاً: الحرب الدعائية تطغى على الحرب السيبرانية في أوكرانيا
حروب الجيل الرابع
في حرب الجيل الرابع، لم تعد الدول هي التي تشارك في الحروب، بل برز دور مهم واستراتيجي للعديد من الجهات الأخرى، مثل منظمات المجتمع المدني التي توجّه المدنيين وإمكاناتهم لخدمة المجهود الحربي بعدة أشكال. يمكن القول إن حروب الجيل الرابع تحولت إلى حروب لامركزية، وأدت إلى طمس الحدود بين القوات المسلحة والمدنيين.
حروب الجيل الرابع غيرت وجه الحرب من تدمير العدو في ساحة المعركة إلى تدميره داخلياً، وبدلاً من استخدام الأسلحة، يمكن استخدام وسائل أخرى مثل الدبلوماسية والإيديولوجية والدين والثقافة.
حروب الجيل الخامس
حروب الجيل الخامس هي عبارة عن نشاط حربي، يتم فيه استخدام أشياء غير الأسلحة لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالعدو، مثل نشر الأخبار الكاذبة وحملات التضليل ضد حكومات العدو لزعزعة الثقة بين الشعب والحكومة، بالإضافة إلى استخدام التقنيات المتطورة مثل الهندسة الاجتماعية والذكاء الاصطناعي لتنفيذ هجمات سيبرانية.
حرب الجيل الخامس هي صراعات المعلومات، وتكون ساحة المعركة فيها منتشرة في كل مكان، وبدلاً من استخدام القوة العسكرية، يمكن استخدام المعلومات لحسم الصراع.
اقرأ أيضاً: نظرة عن كثب إلى البرمجيات التي ستشكل ساحة الحرب المقبلة بين أميركا والصين
من الأمثلة على حرب المعلومات ما فعلته الدول الغربية خلال فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، حيث موّلت هذه الدول مجموعة من القنوات التلفزيونية وإذاعات الراديو الناطقة باللغة الروسية ولغات شعوب الاتحاد السوفييتي الأخرى في محاولة لتغيير الرأي العام، ويبدو أنها نجحت في ذلك، حيث خسر الاتحاد السوفييتي حرب المعلومات وتفكك من الداخل دون أي اشتباك مسلح على الرغم من أنه كان يملك ترسانة هائلة من الأسلحة التقليدية وعشرات آلاف القنابل النووية.
مثال آخر على حرب المعلومات حدث في عام 2016، حيث موّلت الحكومة الروسية الكثير من الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت هذه الإعلانات تهدف إلى نشر معلومات مضللة حول الانتخابات الأميركية لزعزعة ثقة الشعب الأميركي بالنظام الانتخابي في البلاد ودفعهم لإحداث اضطرابات يمكن في النهاية أن تؤدي لانهيار نظام الحكم الأميركي أو إضعاف دور ومكانة الولايات المتحدة الأميركية على مستوى العالم.
نظراً لأن حروب الجيل الخامس غير مكلفة ويمكن توجيهها بسهولة إلى أي مكان، تسعى الدول إلى السيطرة على المعلومات. على سبيل المثال، تحظر السلطات الصينية معظم مواقع الويب التابعة لوسائل الإعلام الغربية وتراقب نشاط المواطنين الصينيين على الويب، وفي الولايات المتحدة الأميركية، هناك مساعٍ لمنع انتشار تطبيق تيك توك الذي يستخدمه الكثير من الأميركيين، حيث تخشى السلطات الأميركية من استخدام هذا التطبيق للتأثير على الرأي العام.
حروب الجيل السادس
لا يوجد إجماع من قبل المؤرخين على مصطلح حروب الجيل السادس، لكن من يتبنون هذا المصطلح يقولون إنه يشير إلى الحرب التي تستخدم فيها الأسلحة الذكية التي يتم التحكم فيها عن بعد أو تعمل بشكل مستقل، مثل الروبوتات المقاتلة والدبابات ذاتية القيادة والطائرات المسيرة ذاتية القيادة
يمكن للأسلحة الذكية إحداث ضرر كبير في قوات العدو وبنيته التحتية دون المخاطرة بخسارة الجنود، فالروبوتات على سبيل المثال لا تخشى من الموت ويمكن برمجتها لتقاتل في أي مكان، كما أنها لا تتأثر بظروف الحرب مثل انخفاض درجات الحرارة أو الغازات السامة، كما أن تدميرها لن يؤثر كثيراً كما يحدث حيث يموت الجنود في الحرب.
اقرأ أيضاً: الصراع الأميركي الروسي: هل ستندلع الحرب الإلكترونية قريباً؟
حالياً تستخدم الأسلحة الذكية على نطاق واسع، حيث تعتمد الولايات المتحدة الأميركية منذ عقود على طائرات مسيرة بعيدة المدى لاستهداف التنظيمات المتطرفة. يتم التحكم في هذه الطائرات عبر الأقمار الصناعية، وقد نجحت في استهداف وقتل عدد كبير من زعماء التنظيمات المتطرفة وعناصرها.
تواجه الأسلحة الذكية وخاصة المستقلة منها انتقادات عديدة، يخشى البعض من منح الآلات قدرة على القتل، فمَن سيتحمل المسؤولية إذا قامت هذه الأسلحة بالهجوم على المدنيين؟
حروب الجيل السابع
مصطلح حرب الجيل السابع تشير إلى استخدام الهجمات السيبرانية وغيرها من أنواع الهجمات لتعطيل البنية التحتية للعدو، مثل تدمير شبكة الكهرباء والمياه والاتصالات، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي هجوم سيبراني على منشأة نووية إلى حدوث تسرب إشعاعي، وقد يؤدي اختراق نظام أحد السدود إلى سكب كميات كبيرة من الكلور في مياه الشرب تؤدي لتسمم السكان.
في حروب الجيل السابع، لا تكون الهجمات السيبرانية هي السلاح الوحيد، بل يمكن استخدامها بالتزامن مع هجمات عسكرية بالأسلحة التقليدية.