من تحليل المباريات إلى التنبؤ بالإصابات: كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل كرة القدم؟

5 دقيقة
من تحليل المباريات إلى التنبؤ بالإصابات: كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل كرة القدم؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/NicoElNino

تُعدّ لعبة كرة القدم من أكثر الألعاب الرياضية الجماعية تعقيداً وديناميكية، لاحتوائها على متغيرات متعددة مثل مساحة اللعب الكبيرة وفترات اللعب المستمر الطويلة وعدد كبير من اللاعبين الذين يعملون معاً في ظل ظروف من المستحيل التنبؤ بها بدقة، ما يجعلها بيئة خصبة لتطبيق تقنيات التحليل والنمذجة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي أصبح دورها يتجاوز مجرد تحليل مباراة أو قراءة تكتيكات الخصوم.

ومع ذلك، على عكس الألعاب الرياضات الجماعية الأخرى مثل البيسبول أو كرة السلة، فإن لعبة كرة القدم وعلى الرغم من استخدامها منذ فترة طويلة علم البيانات، بدأت مؤخراً بتبنّي إمكانات تحليلات البيانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمعالجة كميات هائلة من البيانات من مصادر متعددة مثل مقاطع الفيديو ومعلومات التتبع.

اقرأ أيضاً: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي اختيار أفضل تشكيلة فريق كرة قدم؟

الذكاء الاصطناعي في كل مكان ورياضة كرة القدم ليست استثناءً

على الرغم من دخول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى معظم القطاعات تقريباً، فإن كرة القدم قاومت التغيير فترة من الوقت خشية أن تؤثّر في تجربة الجمهور، من واقع أن اللعبة مرتبطة بحالات العاطفة والحماس اللذين يُعدّان المحركين الأساسيين لها، لذلك كانت المقاومة على أشدها خاصة بين المدربين الذين كانت لهم وجهات نظر معارضة متباينة حول كيفية تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في اللعبة، وبعض الجماهير الذين اعتبروا أن دخول التكنولوجيا إلى كرة القدم من شأنه أن يفسدها ويغيّر كثيراً من الطقوس الذين عهدوها، سواء عند حضور المباريات في الملاعب أو عبر التجمعات.

ولكن الآن من الممكن تماماً أن يتمكن وكيل الذكاء الاصطناعي من محاكاة مباريات كرة القدم جميعها التي دارت على مدار تاريخها الذي يبلغ 150 عاماً في غضون 24 ساعة فقط، وفقاً للرئيس السابق لفريق تحليلات البيانات في مجموعة سيتي لكرة القدم والمدير التنفيذي الحالي لشركة تحليل البيانات الرياضية إم يو دي أناليتك (MUD Analytics Ltd) لي موني (Lee Mooney).

ويُضيف في تصريح لمجلة ذي أثلتيك (The Athletic) الرياضية، أن استخدام الذكاء الاصطناعي يمكّن من محاكاة كامل تجربة مدرب مانشستر سيتي الحالي بيب غوارديولا الرياضية في غضون ساعات قليلة، بما فيها المباريات التي شاهدها ولعبها ودرّبها، بالإضافة إلى الأفكار التي اكتسبها من مدربين كِبار مثل يوهان كرويف ورينوس ميشيلز.

ومع هذه المعرفة كلّها التي ستُبنى، فإن هذا من شأنه أن يوفّر إمكانات جديدة وفردية لاكتشاف تكتيكات وطرق تدريب وقياس أداء جديدة كُلياً. على سبيل المثال، يمكن لفريق متوسط أن يدرب وكيل الذكاء الاصطناعي الخاص به لفهم كيفية لعب فريق أعلى منه والتعرّف إلى نقاط قوته وضعفه الفردية، ثم تجرية ملايين احتمالات اللعب في فترة وجيزة من الزمن للعثور على الاستراتيجيات الأكثر كفاءة، ما من شأنه أن يؤدي إلى التغلب عليه بمجموعة اللاعبين الموجودين لديه مهما كانت مهاراتهم.

الوقاية من الإصابات وتسريع الشفاء هي الموجة التالية

مع استخدام معظم أندية كرة القدم، خاصة الأندية ذات الموارد الكبيرة، تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وجعلها في صميم خططها التكتيكية وتحليل أداء اللاعبين وتحليل مباريات الخصوم، أصبحت النظرة للذكاء الاصطناعي تتجاوز هذه المرحلة، وتتجه للانتقال للمرحلة التالية، وهي التنبؤ بإصابات اللاعبين بشكلٍ أكثر دقة والعمل على تسريع شفائهم لضمان تحقيقهم أهداف النادي الرياضية والمالية والجماهيرية.

على مدار السنوات السابقة، كانت تكنولوجيا نظام تحديد المواقع العالمي المضمنة في المعدات الرياضية مثل الساعات الذكية والسترات الذكية هي الأداة المثالية لمراقبة أداء اللاعبين، مثل أماكن تمركزهم داخل الملعب وسرعة ركضهم في أثناء الهجوم أو الدفاع وغيرها، لكن هذا أصبح غير كافٍ، حيث يجري التفكير الآن في استخدام الذكاء الاصطناعي لمواكبة الموجة التالية؛ وهي الحصول على البيانات الطبية الحيوية التي تجمع بين بيانات الجينوم وعلامات الجسم الحيوية الأخرى.

مثال 1: التنبؤ بإصابات اللاعبين

تُعدّ شركة زون7 (Zone7) من أبرز الشركات التي تعمل على استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وعلم البيانات لتحليل بيانات اللاعبين واكتشاف الأنماط التي تشير إلى متى يكونون معرضين لخطر الإصابة، والعوامل المساهمة في هذه الإصابات، وبالتحديد إصابات العضلات التي تُعدّ التهديد الأبرز للاعبين بسبب عدد المباريات الكثيرة خلال الموسم الواحد، التي تتراوح ما بين البطولات المحلية والقارية والدولية.

حيث تتعاون الشركة مع خبراء في مجال الطب الرياضي وعلماء البيانات لبناء نماذج مدعومة بالذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمخاطر إصابة اللاعبين، حيث يحلل النموذج البيانات من سجل إصابة اللاعب وسجل الإصابات الشائعة الأخرى وغيرها من المصادر لتحديد العلامات الحساسة التي تشير إلى أن اللاعب معرض مرة أخرى لخطر الإصابة بإصابة يمكن الوقاية منها. ويستخدم النظام قاعدة بيانات تضم أكثر من 200 مليون ساعة من بيانات التدريب والمباريات، إلى جانب بيانات من أكثر من ألف إصابة رياضية معروفة سُجِّلت، ومن ثَمَّ تتنبأ خوارزمية الذكاء الاصطناعي التي تُحدَّث يومياً بمخاطر الإصابة للأيام السبعة التالية، ثم يُخطر المدرب بمستوى احتمالية إصابة اللاعب على أنه عالٍ أو متوسط الخطورة.

وتتمثل قدرة النموذج في التنبؤ بزيادة خطر الإصابة قبل يوم إلى سبعة أيام من حدوث الإصابة بدقة تصل إلى 72%، ما من شأنه أن يوفّر رؤى حول عوامل الخطر وأنواع الإصابات المحتملة، واقتراح تعديلات على عبء العمل لإعادة اللاعبين إلى مستواهم الرياضي الطبيعي.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للنسبية الخاصة أن تساعد الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بالمستقبل؟

مثال 2: الحفاظ على صحة الرياضيين

تعمل شركة التكنولوجيا الحيوية أومني سكوب (Omniscope) على الاستفادة من التقدم المحرَز في الذكاء الاصطناعي وعلم المناعة، لتحويل طريقة التنبؤ بالأمراض السريرية والوقاية منها، حيث تساعد تكنولوجيا الشركة الرياضيين على تقليل مخاطر الإصابة وتحقيق الأداء الأمثل، من خلال توفير رؤى شخصية حول لياقتهم المناعية ومستويات الالتهاب.

فمن خلال تحديد العلامات المبكرة للالتهابات التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابات، يمكن لنظام الشركة المدعوم بالذكاء الاصطناعي إجراء تعديلات مستهدفة على نمط حياة اللاعب مثل التغييرات في روتين التمرين أو التغذية، بالإضافة إلى ذلك يتتبع النموذج كيفية استجابة الجهاز المناعي بمرور الوقت، ما يساعد الرياضيين على معرفة متى يجب عليهم بذل جهد أكبر أو متى يجب عليهم أخذ راحة للتعافي من حالات الإرهاق.

ومن ضمن التطبيقات الرئيسية لنموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بالشركة في مجال الصحة الرياضية ما يلي:

  • تحديد العلامات المبكرة للالتهابات للسماح للاعب بإجراء تعديلات على نمط حياته وتحسينه.
  • مراقبة استجابة الجهاز المناعي للإجهاد والعدوى والروتين اليومي لتحسين التعافي والتدريب.
  • تقييم مدى استعداد الرياضي لصد العدوى وتوفير استراتيجيات مستهدفة للحد من خطر الإصابة بالمرض.
  • الكشف عن العوامل الوراثية التي قد تؤثّر في الصحة وتقديم التوجيه بشأن تعديلات نمط الحياة والرعاية الشخصية.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تطوير الألعاب الرياضية والرياضيين؟

الذكاء الاصطناعي يخطف الأضواء من كشافي كرة القدم

على الرغم من أنه من غير المرجح أن يحل الذكاء الاصطناعي محل المدربين البشريين، فإنه من الممكن أن يحل محل وظائف أخرى في سلسلة الوظائف الإدارية في الأندية، وهذا ما بدأ بالفعل. على سبيل المثال، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2024، أنهى مالك نادي برايتون أند هوف ألبيون عقود غالبية كشافيه للحفاظ على سرية نموذج الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمه النادي للتوقيع مع اللاعبين الشباب، حيث يعتمد النادي بشكلٍ كامل على نموذج ذكاء اصطناعي لم يُكشف عنه علناً للبحث عن المواهب الشابة والتوقيع معها وبيعها لاحقاً للأندية الأخرى محققاً أرباحاً طائلة.

وقد أحدث هذا الخبر هزة كبيرة في مجتمع الكشافين، الذين أصبحوا أكثر اقتناعاً بأن وظائفهم في طريقها للاستبدال بنماذج الذكاء الاصطناعي التي لديها القدرة على تحليل كمية كبيرة من البيانات والفيديوهات المتاحة حول أسلوب اللاعب وكيفية أدائه في مواقف معينة، ما يلغي الحاجة إلى الكشافين البشريين، والذي يُعدّ في الوقت نفسه توفيراً للتكاليف المالية، وبالتحديد للأندية المتوسطة التي يمكنها الاستثمار في نموذج ذكاء اصطناعي مرة واحدة فقط للقيام بدور عشرات الكشافين البشريين.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التدريب الرياضي؟

ومع ذلك، فإن المعارضين يذكرون أن هناك أشياء لا تستطيع نماذج الذكاء الاصطناعي رؤيتها أو لن يكون لديها نطاقات ثقة واسعة حول متغيرات معينة، مثل كيف يتصرف اللاعب تحت الضغط أو كيفية قيامه بالتلاعب بالكرة في مساحة صغيرة وقراءته لتمريرات زملائه التي يمكن رؤيتها عبر مقاطع الفيديو، ولكنها سوف تكون صعبة للنماذج.

بالإضافة إلى ذلك مع تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، قد نرى نقصاً في وظائف أخرى بملاعب كرة القدم، مثل محللي الأداء وبعض أفراد الطاقم الطبي ومراجعي لقطات المباريات. ومع ذلك من المتوقع أن نرى تطوراً آخرَ مثل ظهور جيل جديد من المدربين المبتكرين القادرين على مزج رؤى الذكاء الاصطناعي مع أساليب التدريب التقليدية، ما يضمن وجود الحدس البشري في لعبة يشجّعها أكثر من ثلثي سكان العالم.

المحتوى محمي