طوّر فريق من الباحثين الدوليين، بقيادة كلية لندن الجامعية، خوارزمية ذكاء اصطناعي يمكنها تشخيص الإصابة بالصرع غير القابل للعلاج بالأدوية، عن طريق صور الرنين المغناطيسي، ما قد يساهم في تشخيص آلاف الأطفال من حول العالم المصابين بهذه الحالة المعروفة بخلل التنسج القشري البؤري المقاوم للأدوية (FCD)، والتي لا يمكن علاجها دون الخضوع للجراحة.
الصرع المقاوم للأدوية
تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 50 مليون شخص حول العالم مصابون بالصرع، ما يجعله أحد أكثر الأمراض العصبية شيوعاً، يُضاف إليهم 5 ملايين شخص كل عام، يمكن لـ 70% منهم أن يعيشوا دون الإصابة بالنوبات إذا حصلوا على التشخيص المبكر والعلاج المناسب.
لتشخيص الصرع يعتمد الأطباء على إجراء التخطيط الكهربائي للدماغ والتصوير بالرنين المغناطيسي للكشف عن وجود ورم في المخ أو تلف في الدماغ أو تندب في الدماغ. ويكون العلاج غالباً بتناول الأدوية المضادة للصرع، لكن 20-30% من المصابين لا يستجيبون للأدوية، لذلك قد يخضعون لجراحة يُزال فيها الجزء الصغير من الدماغ الذي يسبب النوبات.
تعتبر التشوهات الدقيقة في الدماغ المعروفة بخلل التنسج القشري البؤري المقاوم للأدوية أو FCD السبب الأكثر شيوعاً لخضوع الأطفال لجراحة علاج الصرع، والسبب الثالث الأكثر شيوعاً لدى البالغين، لكن تحديد هذه التشوهات عبر التصوير بالرنين المغناطيسي يمثل تحدياً بالنسبة للأطباء في بعض الأحيان، فقد تبدو الصور طبيعية على الرغم من إصابة صاحبها بالصرع.
اقرأ أيضاً: في عصر الذكاء الاصطناعي: كيف يمكنك العيش طويلاً؟
الذكاء الاصطناعي وتحديد التشوّهات الدقيقة في الدماغ المسببة للصرع
من هذه النقطة، انطلق الباحثون وعملوا على إنشاء خوارزمية ذكاء اصطناعي تساعد في الكشف عن تشوّهات الدماغ الدقيقة المسؤولة عن نوبات الصرع، وقد نجحوا في ذلك. بحسب النتائج المنشورة في دورية برين Brain، يمكن للخوارزمية كشف التشوّهات في ثلثي الحالات، وهي نسبة أكبر من تلك المكشوفة بالرنين المغناطيسي لوحده.
في البداية أنشأ الفريق مشروع اكتشاف آفات الصرع متعدد المراكز (MELD)، ليتمكنوا عن طريقه من جمع أكبر عدد ممكن من صور الرنين المغناطيسي لمصابين سابقين ليتمكنوا من تدريب الخوارزمية التي سميت ميلد (MELD) على اسمه.
وقد استطاعوا عبر المشروع جمع أكثر من 1000 فحص بالرنين المغناطيسي من 22 مركزاً في جميع أنحاء العالم، واستخدموها لتدريب الخوارزمية على التعرّف على التشوّهات الدقيقة في الدماغ.
حدد الفريق صفات مميزة في الصور مثل مدى ثخانة سطح الدماغ أو ثنياته، وقياسها في نحو 300 ألف موقع في دماغ كل مشارك، ثم عمل خبراء الأشعة على تصنيف المناطق في فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي على أنها طبيعية أو غير طبيعية.
كخطوة أخيرة، درّب الفريق الخوارزمية على التعرّف على ميزات خلل التنسج القشري البؤري FCD المسبب لحالات الصرع غير المستجيب للأدوية. وعند اختبارها على 538 شخصاً مشاركاً، كان بإمكانها اكتشاف تلك التشوّهات في 67% من المرضى. إن ثلث هؤلاء (178 منهم)، قيل لهم سابقاً إن صور الرنين المغناطيسي الخاصة بهم طبيعية، إذ لم يتمكن خبراء الأشعة من اكتشاف إصابتهم. وقد اكتشفت الخوارزمية الإصابة لدى 63% من هذا الثلث.
قالت الدكتورة هانا سبيتزر، المشاركة في الدراسة من مركز هيلمهولتز ميونيخ: "تتعلم خوارزميتنا تلقائياً اكتشاف الآفات من آلاف عمليات التصوير بالرنين المغناطيسي للمرضى. يمكن أن تكتشف بطريقة موثوقة الآفات من مختلف الأنواع والأشكال والأحجام، وحتى العديد من تلك الآفات التي غاب عنها أطباء الأشعة في السابق".
اقرأ أيضاً: هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل أطباء الأشعة؟ الاتحاد الأوروبي يمنح الترخيص الأول من نوعه
خوارزمية ميلد تساعد في تشخيص الصرع عند آلاف الأطفال من حول العالم
تكمن أهمية هذا الابتكار بمساعدة الأطباء على تشخيص تشوّه الدماغ هذا، وإجراء الجراحة للمرضى وتخليصهم من نوبات الصرع التي تنتابهم. فقد قال الدكتور المشارك في الدراسة كونراد واجستيل من معهد كوين سكوير لطب الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "يمكن أن تساعد هذه الخوارزمية في العثور على المزيد من هذه الآفات المخفية لدى الأطفال والبالغين المصابين بالصرع، وتمكين المزيد من مرضى الصرع من التفكير في جراحة الدماغ التي يمكن أن تعالج الصرع وتحسن نموهم المعرفي". وأضاف: "يمكن أن يستفيد ما يقرب من 440 طفلاً سنوياً من جراحة الصرع في إنجلترا". وربما الآلاف من حول العالم.
يحصل الطبيب على تلخيص للمعلومات التي استخدمتها الخوارزمية في تقرير يشير إلى المنطقة في الدماغ التي يعتقد الذكاء الاصطناعي أنها غير طبيعية، ويحدد سبب ذلك. لكن لا يزال على الخبير التأكد من صحة النتائج التي تتوصل إليها الخوارزمية، وأن هذه التشوّهات التي أشارت إليها صحيحة أم أنها ناتجة عن خلل في صور الرنين المغناطيسي، لأن أي حركة يقوم بها المريض يمكن أن تؤدي إلى عدم وضوح الصورة.
اقرأ أيضاً: تعاون الطبيب مع الذكاء الاصطناعي يتفوق على القدرات المنفردة لكل منهما في الكشف عن سرطان الثدي
لذلك عمل المختصون على تطوير خوارزمية ميلد أكثر ليصبح بإمكان المستشفيات من حول العالم اعتمادها، وقد حصل ذلك بالفعل، ما مكّن الباحثين من جمع المزيد من البيانات، وتدريب الخوارزمية عليها، والكشف عن خلل التنسج القشري البؤري عند عدد أكبر من المرضى. وأصبح بإمكان المستشفيات عرض صورة الرنين المغناطيسي الخاصة بأي شخص يُشتبه بإصابته بالصرع ويزيد عمره على 3 سنوات على الخوارزمية، ليستفيد من العلاج بالجراحة.