في غضون أسبوع واحد فقط تصدر نموذج الذكاء الاصطناعي المخصص لمهام الاستدلال آر 1 (R1) الذي كشفت عنه شركة ديب سيك (DeepSeek) الصينية عناوين الأخبار بقوة، حيث تمكن من الإطاحة بتطبيق تشات جي بي تي من قمة تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي المجانية الأكثر تحميلاً في متجر تطبيقات آبل ستور في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كما أحدث هزة قوية في أسواق الأسهم الأميركية والعالمية الخاصة بشركات الذكاء الاصطناعي.
علاوة على إمكانية تشكيله منافساً قوياً لشركة أوبن أيه آي في سوق الذكاء الاصطناعي، والخبر الأهم هو الصدمة التي أحدثها لحكومة الولايات المتحدة الأميركية على الرغم من القيود كلّها التي فرضتها على الشركات الصينية ومنعها من الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية.
ولكن وسط هذه العناوين المثيرة كلها كان تفوق نموذج الاستدلال ديب سيك آر 1 (DeepSeek R1) على نموذج أو 1 (o1) خصوصاً وتشات جي بي تي عموماً هو العنوان الأبرز الذي حضر بقوة في منافذ الأخبار كافة بأنواعها المختلفة، فهل ما تناولته عما يخص تفوقه على نموذج الاستدلال الذي تطورّه شركة أوبن أيه آي -والذي تؤكد أنه هو الأقوى حالياً- صحيحاً؟ وما هي عوامل تفوقه ونقاط قوته؟
مقارنة بين نموذج ديب سيك آر 1 وتشات جي بي تي
على الرغم من الجدل المحيط بالمقاييس المعمارية التي تُقاس بها درجة تفوق نموذج ذكاء اصطناعي توليدي في مجال ما، وعدم وجود مقاييس موحدة ومعترف بها عالمياً حتى الآن، فإن الشركات لا تزال تتباهى بتفوق نماذجها في مجالات مختلفة على الرغم من حالة الجدل المستمرة حتى الآن، لذا بعيداً عن الخوض في هذا الجدال إليك مقارنة تفصيلية بين النموذجين فيما يتعلق بمواصفاتهما التقنية ومقاييس الأداء وسهولة الاستخدام.
أولاً: المعمارية والتصميم
ديب سيك آر 1
- يستخدم بنية مزيج من الخبراء (MoE) مصممة لتعزيز كفاءة النموذج وقابليته للتوسع من خلال الاستفادة من شبكات فرعية متخصصة متعددة، حيث ينشّط 37 مليار معامل وسيط فقط في المرة الواحدة من إجمالي 671 مليار معامل، ما يعزّز الكفاءة دون التأثير في الأداء.
- يدعم طول سياق (Context Length)، الذي يعني الحد الأقصى لعدد الرموز التي يمكن للنموذج معالجتها في تسلسل إدخال واحد يصل إلى 128 ألف رمز، ما يسمح بمعالجة إدخال مكثّفة.
- يدمج تقنيات متقدمة مثل سلسلة الأفكار (CoT) لتعزيز قدرات التفكير.
تشات جي بي تي
- يعتمد على بنية المحول (Transformer Architecture) ومُحسَن لمهام المحادثة.
- يدعم عادة أطوال سياق أقصر بحد أقصى يبلغ نحو 8 آلاف رمز.
اقرأ أيضاً: كيف تمكنت شركة «ديب سيك» من تحدي عمالقة الذكاء الاصطناعي بأقل الموارد؟
ثانياً: مقاييس الأداء والكفاءة
ديب سيك آر 1
- حقق معدل دقة وصل إلى 92% في معايير الاستدلال المنطقي، وهو أعلى بكثير من معدل 78% الذي حققه تشات جي بي تي في المهام المماثلة.
- حقق درجة اجتياز الاختبار الأول بنسبة 79.8% في معيار الرياضيات AIME 2024 متفوقاً على درجة تشات جي بي تي التي بلغت 79.2%، وسجّل نسبة 90.8% في اختبار (MMLU).
- أظهر النموذج أداءً تنافسياً محققاً نسبة 73.78% في مقياس (HumanEval) و96.3% في مقياس (Codeforces) لمهام الترميز ونسبة 84.1% في مقياس (GSM8K) لحل المشكلات.
تشات جي بي تي
- معروف بقدراته القوية على المحادثة والإبداع، ويتفوق في مهام مثل سرد القصص وإنشاء محتوى تسويقي.
- أداؤه جيد عموماً في اختبارات المعرفة العامة، ولكنه قد لا يضاهي براعة ديب سيك الفنية في معايير محددة مثل الرياضيات والفيزياء والعلوم.
اقرأ أيضاً: أيّهما أكثر إبداعاً: تشات جي بي تي أمْ محرك البحث جوجل؟
ثالثاً: التكلفة وإمكانية الوصول
ديب سيك آر 1
- يوفّر تكاليف تشغيلية أقل بشكلٍ ملحوظ مع رسوم أساسية أقل بنحو 27.4 مرة لكل رمز مقارنة بتكاليف تشغيل تشات جي بي تي.
- يوفّر تطبيقاً وموقع ويب مجانياً وواجهة برمجة تطبيقات بخطة اشتراك تبدأ من 0.50 دولار شهرياً.
تشات جي بي تي
- يمكنك الوصول إليه عبر طرق متعددة بما في ذلك تطبيق الهاتف وموقع الويب وعبر الواتساب في دول العالم كافة وعبر المكالمات الهاتفية في بلدان محددة.
- خطة الاشتراك تبدأ من 20 دولاراً وتصل حتى 200 دولار لنموذج الاستدلال أوبن أيه آي أو 1 (OpenAI o1).
رابعاً: سهولة الاستخدام والتطبيق
ديب سيك آر 1
- يتفوق في المهام الفنية مثل إنشاء الأكواد وحل المشكلات الرياضية المعقدة، لكنه يواجه صعوبات في التعامل مع الموضوعات الحساسة سياسياً بسبب بروتوكولات الرقابة السارية في الصين.
تشات جي بي تي
- أكثر ملاءمة لحالات الكتابة الإبداعية وسياقات المحادثة، حيث يوفّر استجابات أكثر جاذبية لسرد القصص والتحديثات في الوقت الفعلي للأحداث الجارية.
خامساً: حقوق الملكية والاستخدام
ديب سيك آر 1
- أُصدِر بموجب ترخيص إم آي تي (MIT) مفتوح المصدر، ما يسمح للمستخدمين بتعديله وتكييفه بحرية، والذي بدوره يعزّز الشفافية والتعاون داخل مجتمع الذكاء الاصطناعي.
تشات جي بي تي
- يعمل وفق نموذج خاص مع وصول محدود إلى قاعدة التعليمات البرمجية الأساسية الخاصة به، ما أثار انتقادات من مجتمع البرامج مفتوحة المصدر.
اقرأ أيضاً: «تشات جي بي تي» مقابل «غروك»: أيّهما يناسب احتياجاتك؟
أيّهما أفضل ديب سيك آر 1 أم تشات جي بي تي؟
يعتمد قرار الاختيار بينهما إلى حدٍّ كبير على الاحتياجات المحددة بالنسبة للمستخدم مثل:
- بالنسبة للمهام التي تتطلب التفكير المنطقي المتقدم، أو قدرات حل المشكلات، أو كفاءة التكلفة، فمن المرجّح أن يكون ديب سيك آر 1 هو الخيار الأفضل.
- بالنسبة لمهام الذكاء الاصطناعي التوليدي العامة، أو الكتابة الإبداعية، أو عندما يكون الحصول على المعلومات المحدثة ضرورة، يظل تشات جي بي تي منافساً قوياً.
كيف بدأت شركة الذكاء الاصطناعي ديب سيك؟ ولماذا أطلقت نموذج ذكاء اصطناعي بمثل هذه القوة مجاناً؟
حتى داخل صناعة الذكاء الاصطناعي الصينية تُعدّ شركة ديب سيك لاعباً غير معروف بشكلٍ كبير، حيث بدأت باسم فاير فلاير (Fire-Flyer) مصنّفة كفرع أبحاث للتعلم العميق في الشركة الأم هاى فاير (High-Flyer) الذي يُعدّ أحد أفضل صناديق التحوط الكمية أداءً في الصين، حيث كانت الشركة تخزن منذ فترة طويلة وحدات معالجة الرسومات وبناء أجهزة كمبيوتر عملاقة تُستخدم لتحليل البيانات المالية.
ثم بعد ذلك عام 2023، قرر الشريك المؤسس ليانغ وينغ (Liang Wenfeng) ضخ موارد الشركة المالية والمادية لتأسيس شركة ديب سيك (DeepSeek) بهدف تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متطورة حالياً ومحاولة تطوير الذكاء الاصطناعي العام في المستقبل، وتكمن مهمة شركته الناشئة الجديدة في إعطاء الأولوية للتقدم التكنولوجي طويل الأجل بدلاً من التسويق السريع.
وفي سلسلة لقاءات على فترات زمنية مختلفة مع موقع (36kr) الصيني، ذكر في لقائه الأول عام 2023 أن قرار إنشاء شركة ديب سيك كان مدفوعاً بالفضول العلمي وليس الرغبة في جني الأرباح، لهذا السبب تُعدّ شركته حالياً واحدة من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة القليلة في الصين التي لا تعتمد على التمويل من عمالقة التكنولوجيا الصينيين مثل بايدو وعلى بابا أو بايت دانس.
اقرأ أيضاً: كيف يسرّع تشات جي بي تي تطور وكلاء الذكاء الاصطناعي وانتشارها؟
أمّا عن سبب إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي قوي ومنافس بشكلٍ مجاني، فبحسب العديد من المراقبين يرجع إلى العديد من الأسباب منها:
- إضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى الذكاء الاصطناعي من خلال السماح للمستخدمين بالوصول إلى النموذج وتعديله واستخدامه دون قيود مجاناً، ما يعزّز نهج التعاون والابتكار داخل مجتمع الذكاء الاصطناعي.
- جعل نماذج الذكاء الاصطناعي عالية الأداء متاحة لجمهور أوسع، بما في ذلك الشركات الناشئة والمطورين الأفراد، الذين قد لا يستطيعون تحمل تكاليف البدائل الباهظة الثمن.
- وضع نفسها بديلاً منافساً لشركات الذكاء الاصطناعي الأميركية الأكثر تمويلاً وشهرة مثل شركتي أوبن أيه آي وأنثروبيك.
- لفت أنظار صناعة الذكاء الاصطناعي إلى إمكانية استخدام الأساليب المبتكرة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى موارد حسابية كثيفة أو تكاليف تشغيلية باهظة.
- تحدي المعايير الراسخة التي تُهيمن عليها النماذج مغلقة المصدر، ما قد يجبر الشركات الأخرى على إعادة النظر في استراتيجيات التسعير ومستويات الشفافية استجابة للمنافسة الجديدة.
- تمهيد الطريق لاكتشاف التطورات المستقبلية في صناعة الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالعديد من المحاور مثل التدريب والتسعير والتطوير وغيرها.