تسبب تشات جي بي تي (ChatGPT) بالكثير من الجدل في أوساط التكنولوجيا والتعليم، بفضل قدراته اللغوية الفائقة، وسهولة استخدامه.
وينظر الكثيرون إليه على أنه إنجاز كبير في مجال معالجة اللغة الطبيعية، إضافة إلى أنه أطلق موجة جديدة من الاهتمام بالبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد أثارت قدرة تشات جي بي تي على توليد إجابات شبيهة بما يصيغه البشر والمشاركة بالحوار مع البشر، الحماس لدى الكثيرين، وجعلت الكثيرين حريصين على استثمار قدراته هذه. ولهذا، كان تشات جي بي تي موضوعاً للعديد من المقالات والحوارات والجدل في وسائل الإعلام. وقد استخدمه أكثر من مليون شخص خلال الأسبوع التالي لإطلاقه، وظهرت قدراته الفائقة من خلال الكثير من ردات الفعل التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام تشات جي بي تي لكتابة مقالات ويكيبيديا؟
الجدير بالذكر أن تشات جي بي تي لا يمثل فكرة جديدة بحد ذاتها، فقد تم تطوير قدرات مماثلة من قبل. ولكن ما يميزه هو القدرة على الوصول إليه واستخدامه مجاناً، إضافة إلى سهولة استخدامه، حيث لا يتطلب الأمر أي برمجة، وكل ما عليك فعله توجيه سؤال عادي بطريقة توجيهك للسؤال نفسها إلى أي شخص، وسيقوم تشات جي بي تي بإنتاج إجابة خلال فترة زمنية قصيرة إلى درجة مدهشة.
ويستطيع أي شخص أن يجربه على صفحة الويب الخاصة به، وذلك بالنقر على زر "Try" (تجربة).
يستطيع تشات جي بي تي كتابة التعليمات البرمجية، والخواطر الشخصية، والرسائل التقديمية، والمقالات، وحل المسائل الرياضية، وإنشاء الجداول، بل وحتى كتابة أسئلة الامتحانات.
وفي هذا المقال، قمنا بتجميع أكثر الأسئلة الشائعة حول تشات جي بي تي في مجال التعليم العالي.
ما هو تشات جي بي تي؟
تمت صياغة الإجابة عن هذا السؤال من قِبل تشات جي بي تي نفسه، وتعديلها بعد ذلك من قبلي.
"يُعرّف تشات جي بي تي بأن خوارزمية ذكاء اصطناعي تنتمي إلى عائلة تسمى النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs)، وتختلف هذه الخوارزمية عن نماذج الذكاء الاصطناعي التقليدية المصممة لكشف الأنماط الكامنة في البيانات، فهي تتوقع احتمال ورود تسلسل من الكلمات بناءً على سياق الكلمات السابقة. وبوجود نصوص طويلة بما يكفي، يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة تشكيل سلاسل جديدة غير موجودة سابقاً من الكلمات، وذلك بصياغة متماسكة وشكل متوافق مع اللغة البشرية.
من الاختلافات الجوهرية بين تشات جي بي تي وغيره من أدوات الذكاء الاصطناعي قدرته على توليد نص متماسك الصياغة وانسيابي السياق. ويعود هذا إلى الشبكة العصبونية التي تتميز بهيكلية ضخمة، إضافة إلى استخدام تقنيات التعلم غير الموجه. وخلافاً لأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى التي تعتمد على قواعد أو أنماط محددة مسبقاً، فإن تشات جي بي تي قادر على توليد نصوص طبيعية ومعبرة بدرجة أكبر، ما يجعله مناسباً لنطاق واسع من المهام في مجال معالجة اللغات الطبيعية، مثل توليد الترجمة والتلخيص والحوار".
يعتبر تشات جي بي تي بمثابة النسخة النصية من برامج المساعدات الصوتية، مثل سيري (Siri) وأليكسا (Alexa). ولكن تشات جي بي تي أكثر تطوراً، كما أنه يتميز بقدرات أعلى في معالجة اللغات، ما يجعله قادراً على توليد إجابات بصياغة أقرب إلى صياغة البشر، والتعامل مع نطاق واسع من الأسئلة والتعليمات. إضافة إلى هذا، فإن تشات جي بي تي غير محصور بمنصات أو أنظمة تشغيل محددة لأجهزة محددة، ما يجعله أكثر سهولة في الاستخدام، ويجعله متاحاً لنطاق أوسع من المستخدمين.
اقرأ أيضاً: بوت تشات جي بي تي مبدع وسهل الاستخدام لكن مخاطره كثيرة
ومن الخصائص الأساسية التي تُميّز تشات جي بي تي عن غيره من نماذج معالجة اللغات الطبيعية (NLP): عملية التدريب.
فقد تم تدريب تشات جي بي تي باستخدام كمية ضخمة من البيانات المتنوعة، ما يتيح له التقاط أنماط اللغة البشرية وبنيتها، والاستجابة لنطاق واسع من المواضيع والأسئلة. أمّا البيانات المستخدمة في تدريب تشات جي بي تي فقد خضعت إلى عمليات تنظيف ومعالجة أولية قبل تلقيمها للنموذج.
ما قدرات تشات جي بي تي؟
يتميز تشات جي بي تي بقدرة عالية على التكيّف، وينتج إجابات فريدة من نوعها، حتى عندما يتم توجيه السؤال نفسه إليه عدة مرات متتالية. وتتيح له مكتبته الرقمية الضخمة توليد النصوص بسرعة في غضون 5 ثوانٍ وحسب.
فعندما طلبتُ منه تأليف مقطع حول معدلات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم في الولايات المتحدة، قام بتوليد نص جيد الصياغة وأصلي بالكامل.
إضافة إلى هذا، فقد وضع مخططاً عاماً لورشة عمل عن تشات جي بي تي في التعليم العالي:
وعندما طلبتُ منه تقصير المخطط لتحويله إلى ورشة عمل لمدة ساعة واحدة، نفذ الطلب على الفور.
ما المخاوف المتعلقة بالتعليم العالي؟
ثمة أسباب عديدة تدفع خبراء التعليم العالي إلى القلق إزاء استخدام تشات جي بي تي في التعليم.
- التقييم: يتم استخدام تشات جي بي تي وغيره من أدوات الذكاء الاصطناعي كوسائل للتقييم، خصوصاً في التقييمات النصية. وهو ما يثير المخاوف إزاء دقة هذه التقييمات وموثوقيتها، إضافة إلى احتمال المبالغة في الاعتماد عليها، وتجاهل أهداف التعليم المهمة الأخرى.
- التعلم: قد يسهم الانتشار الواسع لاستخدام تشات جي بي تي وغيره من أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم في نشوء بيئة تعليم اصطناعية لا تعكس بدقة واقع قوة العمل العصرية.
- تطوير المهارات: قد يؤدي استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي إلى تقليل الاعتماد على تطوير مهارات كل من التفكير النقدي وحل المشكلات والتواصل، وهي مهارات مهمة لتحقيق النجاح في التعليم العالي، ولتأسيس قوة عمل فعالة.
- تجربة الأستاذ والطالب: قد يؤدي تشات جي بي تي وغيره من أدوات الذكاء الاصطناعي إلى إحداث تغيير في دور الأستاذ وتجربة التعلم بالنسبة للطلبة، حيث قد يزداد اعتماد الأساتذة على أدوات الذكاء الاصطناعي في التقييم، كما قد يصبح الطلبة أكثر ميلاً إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعلم.
صاغ تشات جي بي تي بنفسه سلبيات وإيجابيات استخدامه في التعليم التالي كما يلي:
يشعر الأساتذة في المجال الطبي بالقلق إزاء قدرات تشات جي بي تي بعد أن بينت مقالة حديثة قدراته في امتحان رخصة ممارسة الطب في الولايات المتحدة (USMLE). وتبين أن النموذج قادر على التعامل مع المعلومات الطبية المعقدة، كما أثبت تفوقه على "باب ميد جي بي تي" (PubMedGPT)، وهو نموذج لغوي مشابه تم تدريبه بشكل خاص على بيانات منشورات علوم الطب والبيولوجيا. ولكن تشات جي بي تي قدم أداءً أقل من المتوسط في امتحان كوري حول علم الطفيليات، وذلك بسبب الطبيعة النصية للامتحان، وصعوبة قراءة الصور والأشكال، إضافة إلى النقص في البيانات المتوافرة على الإنترنت باللغة الكورية.
اقرأ أيضاً: كيف سيحدث بوت الدردشة تشات جي بي تي ثورة في مجال الأعمال؟
أما من الناحية الإيجابية، فقد أفاد الأطباء السريريون بحدوث تراجع بنسبة 33% في الوقت المخصص للتعامل مع المستندات والوثائق، ومهام الرعاية غير المباشرة للمرضى. كما أفاد الأستاذ إيثان موليك من كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا أيضاً بأن تشات جي بي تي ساعده في تطوير مواد للمنهاج الدراسي لطلبة درجة الماجستير في إدارة الأعمال.
أما مدرب الكتابة بيتر لافين فيعتقد أن التعليم سيشهد أزمة بسبب تشات جي بي تي وغيره من بوتات الدردشة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ما قد يدفع مختصي التعليم إلى إعادة النظر بالنظام التعليمي بأسره. ويقترح الخبراء صيغة جديدة لإجراء التقييمات في التعليم العالي، وذلك بالتركيز على المقابلات الشفهية الشخصية، بدلاً من التقييمات النصية. ولكن المحاضر في جامعة ييل (Yale) ورئيس التحرير السابق في صحيفة يو إس أيه توداي (USA Today)، ليبمان، ومدير الأبحاث المؤسسية في الجامعة الأميركية الأرمينية، برينت أندريس، يعتقدان بوجوب تعامل الطلاب مع أدوات الذكاء الاصطناعي والتدرب على استخدامها استعداداً للانضمام إلى القوى العاملة.
ويجب على خبراء التعليم العالي أن يتجاوزوا مخاوفهم ويكتشفوا الفرص المتاحة.
ويجب على المعلمين وإدارات الجامعات أن يستثمروا هذه التكنولوجيا، ويشددان على أنه يجب التركيز على جعل هذه التكنولوجيا أخلاقية وعادلة ومسؤولة. ومن المثير للاهتمام أن رئيس جامعة تيمبل، جيسون وينغارد، كتب في مقاله الذي يحمل عنوان: "Higher Ed Must Change or Die" (التعليم العالي: إما التغيير أو الموت)، الذي تم نشره حتى قبل إطلاق تشات جي بي تي، ما يلي: "يجب أن نقوم بتعديل وتكييف مناهجنا الدراسية مرة واحدة في السنة على الأقل". ويجب أن تتضمن هذه التعديلات مسحاً دقيقاً ومتواصلاً للتكنولوجيات والخدمات الجديدة التي يمكن أن يستخدمها الطلبة في السرقة الأدبية وغير ذلك من أساليب الغش، إضافة إلى تغيير شكل الفروض المنزلية وغيرها من الواجبات المدرسية لتخفيف فعالية هذه التكنولوجيات.
وعلى المدى الطويل، قد يحتاج التعليم العالي إلى إعادة تقييم المهمة التعليمية، ويجب أن يطرح المسؤولون عنه هذا السؤال على أنفسهم: إذا كان بوت دردشة قادراً على القيام بمعظم المهام التي يستطيع الخريج الجامعي القيام بها، فما جدوى الشهادة الجامعية إذاً؟