على مدار أكثر من ربع قرن، شكّل محرك بحث جوجل الوجهة الأولى لمستخدمي الإنترنت للحصول على الإجابات السريعة عن التساؤلات الجادة أو الترفيهية أو حتى الغريبة، حتى أصبح الناس يستخدمون عبارة ابحث في جوجل (Google It) بدلاً من عبارة ابحث عنها (Search It) للدلالة على استخدام محرك بحث جوجل دون أي محرك بحث آخر للحصول على المعلومات. ولكن مع تنامي شعبية بوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي، فمن المرجّح أن يغيّر الطريقة التي يبحث بها الناس عن المعلومات عبر الويب.
فبدلاً من مجرد تقديم قائمة بمواقع الويب، يقدّم بوت الدردشة تشات جي بي تي استجابات مباشرة أكثر. ولكن هل يمكنه القيام بأكثر من مجرد الإجابة عن الأسئلة؟ وهل يمكن أن يساعد المستخدمين حقاً على حل المشكلات بشكلٍ إبداعي أفضل من محرك بحث جوجل؟
دراسة جديدة أظهرت أن تشات جي بي تي أكثر إبداعاً من جوجل
في بعض الأحيان عندما تريد البحث عن فكرة إبداعية لهدية ستقدّمها لأحد أفراد الأسرة، غالباً ما ستلجأ إلى محرك بحث جوجل وسؤاله عن ذلك، وبدوره سيقدّم لك صفحة تحتوي على قائمة من روابط مواقع الويب وربما بعض مقاطع فيديو يوتيوب، وأنت بدورك ستكون مضطراً لتصفح معظم النتائج أو كلّها التي ظهرت لك للحصول على الفكرة المثالية.
أمّا الآن، ومع ظهور تشات جي بي تي، فإن الأمر أصبح أكثر سهولة، فإذا سألته عن الفكرة نفسها فإنه سيُنشئ استجابة مباشرة بناءً على تحليله الأنماط عبر الويب، وقد يقترح مشروعاً مخصصاً لتنفذه بنفسك، أو إجراء تجربة فريدة من نوعها أو حتى صياغة الفكرة بالخطوات، ولكن أيّهما أكثر إبداعاً ووضوحاً؟
اقرأ أيضاً: ماذا يعني أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من التغلب على البشر في اختبار القدرات الإبداعية؟
للإجابة عن هذا السؤال، أجرى باحثان من جامعتي هيوستن ورايس الأميركيتين خمس تجارب لحل مختلف مشكلات الحياة اليومية المتعلقة بالابتكار، بما في ذلك صُنع لعبة وإعادة استخدام العناصر غير المستخدمة وتصميم طاولة طعام مبتكرة، وطلبا من المشاركين في التجربة بشكلٍ عشوائي استخدام تشات جي بي تي أو محرك بحث جوجل للحصول على المساعدة، أو تقديم الأفكار بأنفسهم دون الاستعانة بأي من الوسيلتين السابقتين.
بمجرد جمع الأفكار، قيّم الحكام الخارجيون غير المدركين للشروط المحددة للمشاركين كل فكرة ومدى إبداع المشاركين في تنفيذها، ثم حسب الباحثان متوسط درجات الحكام لتقديم مؤشر تصنيف إبداعي شامل. وكانت النتيجة أن الحكام صنّفوا الأفكار التي أُنشئت بمساعدة بوت الدردشة تشات جي بي تي على أنها أكثر إبداعاً من تلك التي تم التوصل إليها باستخدام عمليات بحث جوجل أو دون أي مساعدة.
ومن المثير للاهتمام أن الأفكار التي نتجت بمساعدة بوت الدردشة تشات جي بي تي -حتى دون أي تعديل بشري- سجّلت درجات إبداعية أعلى من تلك التي نتجت بمساعدة محرك بحث جوجل. بالإضافة إلى ذلك، كانت إحدى النتائج البارزة هي قدرة تشات جي بي تي على إنشاء أفكار إبداعية تدريجية، أي تلك التي تحسّن أو تبني على ما هو موجود بالفعل.
علاوة على ذلك، وفي حين أن الأفكار التي تُبنى من الصفر قد لا تزال تمثّل تحدياً بالنسبة لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد برع تشات جي بي تي في اقتراح طرقٍ عملية ومبتكرة. على سبيل المثال، في تجربة تصميم الألعاب توصل المشاركون الذين استخدموا تشات جي بي تي إلى تصميمات خيالية مثل تحويل مروحة تالفة وكيس ورقي إلى مركبة تعمل بالرياح.
كما طلب الباحثان من المشاركين استخدام تشات جي بي تي للمساعدة في المهام التي غالباً ما ينظر إليها على أنها تتطلب التعاطف، مثل إعادة استخدام العناصر التي يعتز بها أحد أفراد الأسرة.
وقد تمكن تشات جي بي تي من تعزيز الأفكار الإبداعية حتى في هذه السيناريوهات، ما أدى إلى توليد أفكار وجدها المستخدمون ذات صلة ومدروسة، وهذا يعنى أن النتيجة تتوافق مع الدراسات التي أثبتت أن نماذج الذكاء الاصطناعي أصبح بإمكانها تحليل السلوك العاطفي في سياقات اجتماعية ديناميكية، مثل البيئات التعليمية، واستخدام التعلم العميق لتعزيز الذكاء العاطفي ومعالجة الإشارات العاطفية المتعددة الوسائط لتوليد استجابات عاطفية مناسبة.
اقرأ أيضاً: هل تزيد بوتات الدردشة التي تطرح الأسئلة قدرة المستخدمين على التفكير النقدي؟
تشات جي بي تي أداة لحل المشكلات بشكلٍ إبداعي، ولكن!
تكمن قوة تشات جي بي تي في قدرته على الجمع بين المفاهيم غير ذات الصلة وتوليد استجابات متماسكة تساعد المستخدمين على التعبير عن الأفكار وتحسينها بتنسيق نصي واضح ومباشر، ما يجعله أداة واعدة للإبداع خاصة في المهام التي تربط الأفكار المتباينة أو تولّد مفاهيم جديدة. على عكس محرك بحث جوجل الذي يتطلب من المستخدمين التدقيق في الروابط وتجميع المعلومات للخروج بنتيجة مفيدة.
ومع ذلك، فمن المهم ملاحظة أن تشات جي بي تي لا يولّد أفكاراً جديدة بشكلٍ فعلي، فهو يتعرف في الأساس إلى الأنماط اللغوية من بيانات التدريب الخاصة به ويجمعها، ومن ثَمَّ يُنشئ مخرجات مع التسلسلات الأكثر احتمالاً بناءً على تدريبه. على سبيل المثال، إذا كنت تبحث عن طريقة لتحسين فكرة موجودة أو تكيُّفها بطريقة جديدة، يمكن له أن يكون مساعداً جيداً، ولكن على الرغم من ذلك، فإن الإبداع البشري والخيال لا يزالان ضروريين لبناء أفكارٍ جديدة تماماً.
بالإضافة إلى ذلك، فعلى الرغم من قدرة شات جي بي تي على تقديم اقتراحات إبداعية، فإنه لا يمكن دائماً الوثوق بها أو قد لا تكون قابلة للتطوير دون التدخل البشري، مثل الفحص والتحقق من الحقائق وغيرها.
تشات جي بي تي يعاني قيوداً ومن الصعب أن يحل محل التفكير البشري
يمكن أن يكون تشات جي بي تي أداة مفيدة لتوليد الأفكار وإثارة الإبداع من خلال المساعدة في جلسات العصف الذهني وتوفير مجموعة واسعة من الأفكار المحتملة، ما يساعد الأشخاص على استكشاف طرق جديدة ربما لم يتوصلوا إليها عند التفكير فيها بمفردهم، إلّا أنه لا يمكنه أن يحل محل الفهم الدقيق والتفكير النقدي والذكاء العاطفي الذي يتمتّع به البشر.
حيث تفتقر بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي عموماً، وبوت الدردشة تشات جي بي تي خصوصاً، إلى القدرة على فهم السياقات المعقدة بشكل ٍكامل أو تفسير الفروق الدقيقة أو توليد مفاهيم أصلية دون تدخل بشري، كما أن الإشراف البشري مطلوب لمراجعة المستخرجات التي يُنشئها لضمان الجودة والاعتبارات الأخلاقية، ومن ثَمَّ يُعدّ الحكم البشري أمراً بالغ الأهمية عند استخدام الأفكار التي تُنشئها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن توظيف التفكير التأملي في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي؟
هل تشات جي بي تي أفضل من جوجل في الإجابة عن الأسئلة الإبداعية؟
عموماً يُعدّ تشات جي بي تي أفضل من محرك بحث جوجل في الإجابة عن الأسئلة الإبداعية لأنه مصمم خصيصاً لتوليد النص والانخراط في المحادثة، ما يسمح له بإنتاج استجابات أكثر إبداعاً وأصالة مقارنة بالتركيز الأساسي لمحرك بحث جوجل المصمم لتوفير معلومات واقعية من عمليات البحث على الويب، ومع ذلك من المهم أن تتذكر:
التحقق من الحقائق: على الرغم من أن تشات جي بي تي يمكن أن يكون مبدعاً، فإنه قد يقدّم معلومات مغلوطة وغير منطقية في بعض الأحيان، لذا فإن التحقق من إمكانية تطبيق الفكرة قبل الشروع فيها يُعدّ أمراً مهماً.
البحث عن معلومات محددة: عند البحث عن تفاصيل دقيقة أو حقائق ثابتة حول موضوع ما، لا يزال محرك بحث جوجل الأداة الموثوقة نظراً لفهرس الويب الشامل الخاص به.