تمكّن فريق بحثي من جامعة الشارقة بقيادة أستاذ الطاقة المستدامة والمتجددة في جامعة الشارقة، عبدالحي علمي، من إيجاد بديل أكثر استدامة للبطاريات الكهروكيميائية التقليدية، باستخدام أنظمة تخزين الطاقة بالهواء المضغوط. تتمتع الأنظمة الجديدة بتكلفة أقل، وسعة تخزين أكبر وكافية لتشغيل أجهزة تكييف الهواء. وصف الباحثون نتائج دراستهم في نوفمبر/تشرين الأول عام 2023 في مجلة تخزين الطاقة (Journal of Energy Storage)، والتي تمثّل امتداداً لبحثهم السابق المنشور في المجلة نفسها تحت عنوان "التقييم التجريبي لتخزين الطاقة بالهواء المضغوط بوصفه بديلاً للبطاريات الكهروكيميائية" (Experimental evaluation of compressed air energy storage as a potential replacement of electrochemical batteries).
نظام تخزين طاقة الطفو
نظام تخزين الطاقة المدروس هو نوع من نظام تخزين الطاقة الميكانيكية بالاعتماد على مبدأ الطفو، أي يستخدم فرق الكثافة بين سائل وجسم مغمور لتخزين الطاقة.
يستخدم النظام عوامات (جسم طافٍ) مملوءة بالهواء أو الهيليوم، بحيث تُدفع تحت الماء بواسطة كرات وحبال، حتى تصل إلى عمق محدد (كلما زاد العمق الذي يوجد عنده النظام زادت الطاقة المخزنة)، ثم تثبيتها بمكانها باستخدام مرساة، لتخزين الطاقة الكامنة.
لاسترداد الطاقة الكامنة، يكفي تحرير العوامة من مرساتها والسماح لها بالارتفاع إلى السطح. تؤدي الحركة الصاعدة للعوامة إلى دوران مولد كهربائي؛ أي تحويل الطاقة الكامنة المخزنة إلى طاقة كهربائية يمكن استخدامها.
يقول الأستاذ علمي: "عموماً، من المتوقع أن تصل التكلفة المعادلة للكهرباء (التكلفة الوسطية على امتداد العمر التشغيلي) التي يقدّمها نظام من هذا النوع مرتبط بمصفوفة توربينات الرياح البحرية (مثل مصفوفة لندن) إلى قيمة 0.978 سنتاً للكيلو واط/ ساعة، وهي تكلفة تُعد تنافسية قياساً إلى تكنولوجيات أخرى مثل البطاريات التي تكلف 8.69 سنتاً للكيلو واط/ساعة حسب الشروط التشغيلية نفسها.
ونظراً لأن الفكرة مبنية على مبدأ فيزيائي أساسي وجذاب بالنسبة للكثير من العلماء، فإن إمكانية تطبيقها مفهومة ومباشرة، ويمكن أن تجعل هذا المجال يقترب خطوة إضافية من الاستغناء عن الاعتماد كلياً على البطاريات لتخزين الطاقة".
وفي هذا السياق، يخطط الأستاذ علمي وزملاؤه لمشروع يهدف إلى استكشاف بدائل للبطاريات التي تُخزن الطاقة في شكل كيميائي، مع إمكانية الحصول على تيار متناوب (AC)، وهو التيار الكهربائي المستخدم في معظم الأجهزة المنزلية.
من ناحية أخرى، يأمل البروفيسور علمي عبر هذا المشروع والمقالين العلميين اللذين نشرهما مع زملائه الناس، توسيع نطاق الأبحاث حول حلول تخزين الطاقة، وتُسلّط الضوء على بدائل أخرى لتخزين الطاقة غير البطاريات.
اقرأ أيضاً: شركة فنلندية تطور بطارية رملية قادرة على تخزين الطاقة المتجددة لعدة أسابيع
مزايا أنظمة تخزين الطاقة بالهواء المضغوط
من طرق تخزين الطاقة الحالية:
- البطاريات الكهروكيميائية: وتمثّل الطريقة التقليدية لتخزين الطاقة، وتتميز بتوفير طاقة عالية، وانخفاض متطلبات الصيانة. ومع ذلك، ثمة بعض التحديات المرتبطة بها، بما في ذلك التكلفة الإنتاجية العالية وسرعة التدهور، ما يحد من استخدامها على نطاق الشبكة الكهربائية.
- خلايا الوقود وبطاريات التدفق: تمثّل حلاً بديلاً للبطاريات ذات الكثافة الطاقية المنخفضة مقارنة بالوقود الأحفوري مثل البنزين، إلّا أنها عالية التكلفة، وتحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة لإنتاج الهيدروجين.
بالدمج بين أنظمة تخزين الطاقة ومصادر توليد الطاقة الأخرى، يمكن المساعدة على تحسين كفاءة تبادل الطاقة مع الشبكة الكهربائية وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة.
علاوة على ذلك، يمكن لأنظمة تخزين الطاقة بالهواء المضغوط أن تساعد محطات توليد الطاقة على العمل عند الأحمال الصغيرة من الطاقة، حتى خلال فترات الطلب المرتفع، ما يقلل من تكاليف الاستثمار الأولي وتوليد الكهرباء.
اقرأ أيضاً: ما هي بطاريات الزنك؟ وهل هي بديل مقنع لبطاريات الليثيوم-أيون؟
كفاءة أنظمة الهواء لتخزين الطاقة
في الدراسة الأولى، اختبر الباحثون الأنظمة الهوائية وقارنوا أداءها بأداء البطاريات الكهروكيميائية التقليدية من الناحية الكمية، حيث تكوّن النظام من:
- خزانات هواء.
- موسعات توربينية (محركات للهواء).
- علب مسننات تغيير السرعة.
- مولد مغناطيسي للتيار المتناوب.
بيّنت التجارب أن أنظمة تخزين طاقة الهواء المضغوط حققت كفاءة تبلغ 60%، مع وجود مجال للتحسينات المستقبلية.
اقرأ أيضاً: تجارب علمية واعدة لإنتاج كهرباء مستدامة من تيارات الهواء والثلوج
للتوضيح، عندما استخدم علمي ضغط تشغيل ما بين 10-12 بار، وضغط تخزين نحو 80-100 بار، كانت كفاءة التخزين تعادل ما تنتجه بطارية 12 فولط. وهذا يعادل تخزين 12 متراً مكعباً من الهواء في ظل الشروط السابقة ذاتها. علاوة على ذلك، كانت تكلفة نظام تخزين طاقة الهواء المضغوط منخفضة، حيث بلغت 8.09 دولار لكل كيلو واط في الساعة. وهذا أقل بكثير من تكلفة الكيلو واط لبطارية الرصاص الحمضية ذات الاستطاعة 1400 كيلو واط في الساعة، والتي وجد أنها تبلغ 44.6 دولار في الساعة.
يعتقد المؤلفون أنه من الممكن لعملهم أن يكون بمثابة أساس للأبحاث المستقبلية، ويفتح المجال للاستكشاف والابتكار في التوربينات المخصصة للتعامل مع الهواء، وتخزين كميات ضخمة من الطاقة.
قابلية تعديل أنظمة الهواء لتخزين الطاقة
أفاد الباحثون في البيان بأنه من الممكن تكييف أو تعديل أنظمة تخزين الطاقة الحالية للتحول من نوع واحد من التخزين (مثل البطاريات)، بحيث يتضمن النموذج الجديد مزيجاً من أنواع التخزين المختلفة، بما في ذلك أنظمة تخزين الطاقة بالهواء المضغوط، التي توفّر سعات تخزين كبيرة. لذا لا بُدَّ من توفير مستوعبات (صهاريج) تخزين كافية تحت الأرض مماثلة لتلك المستخدمة في محطات الوقود.
وأشاروا إلى أن هذه الأنظمة تمثّل حلاً تكنولوجياً قابلاً للتطبيق والتطوير لتخزين الطاقة، ويمكن استخدامه إمّا موصولاً بشبكة الكهرباء وإمّا بمعزل عنها؛ أي أنها قد تكون بديلاً جيداً للبطاريات الكهروكيميائية في مجال تخزين الطاقة على مستوى الشبكة الكهربائية العامة.
اقرأ أيضاً: ما أفضل طريقة لتخزين الطاقة المتجددة؟ شركة إيطالية تسعى لاستخدام ثنائي أكسيد الكربون
تطبيقات أنظمة تخزين الطاقة بالهواء المضغوط
من الناحية الفنية، بيّن التقييم التجريبي إمكانية استخدام نظام تخزين الطاقة بالهواء المضغوط بديلاً للأنظمة التقليدية التي تعتمد على البطاريات. نظراً لذلك، توقع علمي أن تصبح تكنولوجيا تخزين الطاقة بالهواء المضغوط منافساً قوياً لتكنولوجيا التخزين التقليدية مثل البطاريات الكهروكيميائية.
وبالفعل، أثارت نتائج الدراسة اهتمام العديد من الشركات الرائدة والناشئة حول العالم، مثل تيراستور (Terrastor) في ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى بعض الشركات الموجودة في الإمارات العربية المتحدة، والتي حاولت التواصل مع الفريق لتطبيق التكنولوجيا الحديثة على المستوى الصناعي. على سبيل المثال، أشار الباحثون إلى إمكانية استخدامها في تخزين الطاقة، والتبريد، وتحسين الكفاءة الإجمالية، وتقليل تكلفة أنظمة الطاقة وغيرها الكثير.
اقرأ أيضاً: لماذا تُعدُّ صناعة البطاريات عاملاً حاسماً للتحول في قطاع الطاقة؟
وتابع الأستاذ علمي: "يُبيّن بحثنا أن تخزين الطاقة بالهواء المضغوط يمثّل بديلاً عملياً للبطاريات، خصوصاً مع وجود مغاور وكهوف تحت الأرض لتخزين الطاقة على نطاق واسع".