تسهم التكنولوجيا في تغيير مختلف جوانب حياتنا، بما في ذلك الطريقة التي نحافظ بها على سلامة المواطنين، حيث تشهد تقنية مراقبة الفيديو ثورة جديدة من حيث الأمان، مدفوعة بالبيانات والذكاء الاصطناعي. تخيلوا العيش في عالم تبدو فيه أنظمة المراقبة أكثر من مجرد عيون ساهرة تراقب كلَّ ما يحدث، وإنما حارس ذكي قادر على رصد التحركات المشبوهة والتصرفات الغريبة في الوقت الفعلي. هذا ما يحدث في الواقع، ولكن هناك المزيد فيما يتعلق بقدرات مراقبة الفيديو، لذا في مستقبل المراقبة تتجاوز أنظمة إدارة الفيديو والتحليلات المتقدمة الحدود التقليدية.
اقرأ أيضاً: أضخم عملية تسريب في التاريخ: باحثون يعثرون على قاعدة بيانات من 26 مليار حساب مخترق
إن التقدم والتطور التكنولوجي يُعيد تشكيل المشهد الأمني، ويجعل مدننا وصناعاتنا أكثر ذكاءً وأماناً من أي وقت مضى. ويعد التحضر وتكامل التقنيات الرقمية وظهور المدن الذكية من ضمن الاتجاهات الرئيسية التي أدّت إلى زيادة الطلب على تعزيز الأمان عبر مختلف القطاعات، بما في ذلك البيع بالتجزئة، والنقل، والبنية التحتية الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، لم تعد بيانات الفيديو محصورة بالكاميرات الثابتة، بل يمكن إيجادها في كاميرات الجسم، والمركبات، والطائرات بدون طيار، والبيئات المتنوعة مثل المدن الذكية، والمستشفيات، والمصانع.
مستويات جديدة من التطور في مجال المراقبة
وتُعدُّ مسألة جودة بيانات الفيديو الملتقطة أحد أهم التحولات، حيث اندثرت أيام الصور والفيديوهات الضبابية الملتقطة باللونين الأبيض والأسود، وباتت الأنظمة الحالية ترصد صوراً عالية الدقة وملوّنة وبإطارات أعلى، ما يوفّر بيانات مراقبة أكثر وضوحاً وتفصيلاً. ويُعدُّ هذا التقدم تغييراً جذرياً يسهم في تحديد التهديدات الأمنية والاستجابة لها بسرعة ودقة.
لكن التطور لم يتوقف عند هذا الحد، لأن الثورة الحقيقية تكمن في التطورات التي يقودها الذكاء الاصطناعي في أنظمة إدارة الفيديو، والتي تشمل تحليل خلاصات الفيديو تلقائياً، والكشف السريع عن الحالات الشاذة والغريبة، وتقديم تحذيرات في الوقت الفعلي. تُضيف هذه الأنظمة بُعداً استباقياً وذكياً للمراقبة التقليدية، ما يسمح لأفراد الأمن بالاستجابة بسرعة وفاعلية للتهديدات المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، وصلت تحليلات الفيديو إلى آفاقٍ جديدة، حيث بات بإمكانها التعرف على السلوك البشري وتحليله في الوقت الفعلي، وبالتالي الاستجابة السريعة للأنشطة المشبوهة التي يقوم بها مجرمون محتملون. وتسهم التطورات التي تسمح بالتعرف على الوجه ولوحة الرخصة واكتشاف أدق التفاصيل ومنح التحليلات التنبؤية، في إعادة تشكيل المشهد الأمني، ما يَعِد بمستقبلٍ أكثر أماناً وكفاءة.
اقرأ أيضاً: ما الذي عليك معرفته عن الخصوصية بعد تخلص جوجل من ملفات تعريف الارتباط؟
مواجهة تحدي تخزين البيانات
ولكن استمرار تطور تكنولوجيا المراقبة بالفيديو يشكّل تحدياً كبيراً في تخزين البيانات المتزايدة والوصول إليها بكفاءة، حيث تنتج أنظمة الفيديو الحديثة كميات هائلة من البيانات، ما يتطلب مساحة تخزين أكبر وأنظمة إدارة بيانات متطورة. وقد ظهرت نماذج التخزين الهجين التي تجمع بين التخزين المحلي والتخزين السحابي حلاً عملياً، بحيث يضمن الأول الوصول الفوري إلى بيانات الفيديو المهمة، ويوفّر الثاني إمكانية التوسع والتكرار. وفي هذا الإطار، تؤدي محركات الأقراص الثابتة دوراً محورياً في تخزين مجموعات البيانات الضخمة المطلوبة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
في حال نظرتم إلى ذلك من منظور حلول التخزين، فإن محركات الأقراص الصلبة ذات الكثافة المساحية غير المسبوقة ستسمح بتخزين المزيد من البيانات على خادم واحد في مراكز البيانات، ما يؤدي إلى عددٍ أقل من الرفوف ومساحة فعلية أكبر. نحن بحاجة إلى زيادة حدود قدرات تخزين البيانات من خلال التكنولوجيا التي توفّر استخداماً أفضل للمساحة، ما يُتيح زيادة التكلفة الإجمالية لكفاءة الملكية، وتعزيز الاستدامة من خلال توفير كبير للطاقة.
تخزين البيانات بشكلٍ أكثر استدامة مسألة مهمة
إن تخزين البيانات بطريقة أكثر استدامة يُعدُّ أحد الاعتبارات الحاسمة لهذه الصناعة، نظراً للنمو الهائل في البيانات لدعم المتطلبات التكنولوجية بما في ذلك المراقبة بالفيديو. تتلف الملايين من أجهزة التخزين سنوياً دون أي داعٍ، ما يزيد من مشكلة النفايات الإلكترونية، لذا تعتبر مسألة التدوير في صناعة تخزين البيانات مسؤولية بيئية ومفيدة أيضاً من الناحية المالية. وفي ظل إدراك الشركات العالمية أهمية الممارسات المستدامة، فإن التحول إلى الاقتصاد الدائري يمثّل فرصة كبيرة في السوق.
وبهدف معالجة مسألة المخلفات الإلكترونية في صناعة تخزين البيانات، يمكن تنفيذ العديد من الاستراتيجيات الرئيسية؛ يتمثل أولها بالتحول نحو الأجهزة المجهزة بقدرات التشفير والمسح، ما يعني التعقيم السريع للبيانات لإعادة استخدام الأجهزة المحتملة، ثانياً يُعدُّ اعتماد نموذج الاقتصاد الدائري الذي يركّز على جودة المنتج واستخلاص المكونات لإطالة عمر أجهزة التخزين أمراً ضرورياً، مع إعطاء الأولوية لإعادة الاستخدام والاسترجاع وإعادة التدوير بدلاً من النهج التقليدي.
يذكر أن التعلم من القطاعات الأخرى، مثل صناعة السيارات، يمكن أن يوفّر رؤى قيمة حول دمج الدائرية في التصميم، بما في ذلك استخدام مواد مبتكرة موفرة للطاقة وتصميمات سهلة التفكيك. بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيز على المصادر المستدامة، واستخدام الطاقة المتجددة، وعمليات التصنيع الصديقة للبيئة يمكن أن يساعد على تقليص الأثر البيئي لإنتاج أجهزة التخزين. وأخيراً، يُعدُّ تعزيز التعاون بين مختلف أصحاب المصلحة، بمن في ذلك المصنعون والعملاء وشركاء الصناعة، أمراً مهماً لإنشاء سلسلة قيمة مستدامة وتعزيز فوائد نهج الاقتصاد الدائري.
اقرأ أيضاً: ما الذي عليك معرفته عن الخصوصية بعد تخلص جوجل من ملفات تعريف الارتباط؟
قيادة الابتكار وحماية الكوكب
في الختام، يسهم التقدم التكنولوجي في أنظمة إدارة الفيديو والتحليلات بتعزيز صناعة المراقبة بالفيديو ويدفع بها إلى عصر القدرات غير المسبوقة. إن هذه الابتكارات، إلى جانب حلول تخزين البيانات الفعّالة، لا تعيد تشكيل الطريقة التي نتعامل بها مع الأمن فحسب، بل تفتح أيضاً الأبواب أمام تطبيقات وإمكانات جديدة. ومع تبني المدن والصناعات الذكية هذه التطورات، فإن مستقبل المراقبة بالفيديو يَعِد بعالمٍ أكثر أماناً وإشراقاً. وفي الوقت نفسه، تُعدُّ معالجة النفايات الإلكترونية من خلال التدوير أمراً ضرورياً لصناعة تخزين البيانات والمساهمة في مستقبل أكثر استدامة. ومن خلال اتخاذ هذه الخطوات، يمكننا تسخير الإمكانات الكاملة لأنظمة إدارة الفيديو وخفض بصمتنا البيئية وتحفيز الابتكار في تخزين البيانات.