يعاني السكان في بعض المناطق على كوكبنا من مشكلة الوصول إلى المياه العذبة الصالحة للشرب. وجد البشر الذين يقطنون المناطق القريبة من البحار والمحيطات الحل لهذه المشكلة بتحلية المياه المالحة، وحصلوا بذلك على حاجتهم من مياه الشرب.
وتتم تحلية المياه على نطاق واسع ضمن محطات تحلية كبيرة تزوّد مدناً كاملة بحاجتها من المياه العذبة، ويمكن ذلك أيضاً على نطاق ضيق أن يزوّد منزلاً بالمياه. تنتشر هذه التقنية في البلاد العربية وخاصة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على نطاق واسع.
وتستهلك هذه الأنظمة مقداراً كبيراً من الطاقة، لأنها تتطلب غلي الماء المالح ومن ثم تكثيف البخار مرة أخرى، ما يجعلها غير قابلة للتطبيق في العديد من المجالات، بالإضافة إلى أن تكلفتها عالية. لتوفير الطاقة اللازمة لهذه العملية وخفض تكلفتها وبصمتها الكربونية، تعمل بعض محطات تحلية المياه واسعة أو ضيقة النطاق بالطاقة الشمسية، فكيف ذلك؟
مبدأ تحلية المياه بالطاقة الشمسية
تحلية المياه بالطاقة الشمسية هي عملية تستخدم الطاقة الشمسية لتبخير مياه البحر والصرف الصحي، وتجميعه على الغطاء الداخلي لوحدة التحلية، ثم تكثيف البخار إلى ماء سائل لإنتاج المياه العذبة التي تُجمع للاستهلاك. وهذا ما يجعلها حلاً ميسور التكلفة ومستداماً في المناطق التي يمثّل فيها الوصول إلى المياه النظيفة تحدياً.
واستُلهمت الطريقة من دورة المياه الطبيعية على الأرض، والتي يتم فيها تبخير المياه بفعل أشعة الشمس، ثم تتكاثف لتشكل غيوماً تهطل منها الأمطار العذبة.
تعتمد العملية على تسخين المياه المالحة وتشكيل البخار لفصل المياه العذبة عن الملح الذي لا يتبخر. من غير الضروري الوصول إلى مرحلة الغليان لأن تبخر المياه قد يحدث عند أي درجة حرارة تقريباً إن كان الضغط ملائماً، فقد تعتمد بعض الأنظمة على الحرارة العالية وبعضها الآخر يعتمد على حرارة منخفضة.
طريقة تحلية المياه بالطاقة الشمسية
تعتمد تحلية المياه بالطاقة الشمسية على المبدأ السابق ذاته، لكن توجد عدة طرق لتنفيذها، إذ تعتمد بعض محطات التحلية على الطاقة الشمسية بشكل كامل، وتعتمد أخرى على مزيج من الطاقة الشمسية والتقليدية.
أنظمة تحلية المياه المباشرة (السلبية)
نظام تحلية المياه المباشر السلبي هو الخيار الأبسط والأكثر تكلفة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية. يعمل عن طريق تسخين الماء في وعاء حتى يتبخر ويبقى الملح والشوائب الأخرى. يصطدم الماء المتبخر العذب بلوح بارد أو مكثّف. يُجمع هذا الماء العذب للاستخدام.
تناسب هذه الأنظمة التطبيقات الصغيرة أو لتلبية الحاجة المؤقتة للمياه العذبة، لكنها غير مناسبة للتطبيقات واسعة النطاق أو طويلة الأجل لأنها بطيئة وتنتج كمية صغيرة من المياه العذبة تبلغ نحو 2-3 لترات لكل متر مربع (وتعتبر كافية لشخص واحد أو اثنين يومياً)، وتختلف هذه الكمية بالاعتماد على مساحة سطح جهاز الامتصاص وشدة الإشعاع الشمسي. بالإضافة إلى ذلك تؤثر مستويات الإشعاع الشمسي على الإنتاج لكون هذا النظام يعتمد على الطاقة الشمسية فقط.
أنظمة تحلية المياه غير المباشرة (النشطة)
في نظام تحلية المياه غير المباشر، يجتمع نظامان أحدهما تجميع الطاقة الشمسية من خلال الألواح الكهروضوئية، والثاني هو أحد طرق تحلية المياه التقليدية الحرارية أو الميكانيكية أو الكهربائية.
في هذا النوع من الأنظمة، تُستخدم الطاقة الشمسية إما لتسخين المياه أو توليد الكهرباء لتشغيل عملية تحلية المياه، وبالتالي لا تعتمد على الطاقة الشمسية اعتماداً كلياً كسابقتها، كما أنها أكثر شيوعاً منها.
اقرأ أيضاً: تحلية المياه: تقنية تبدع فيها دول الشرق الأوسط
التقنيات المطبّقة في وحدات تحلية المياه بالطاقة الشمسية
هناك عدة تقنيات لإزالة الأملاح والمعادن من الماء، تُستخدم في وحدات التحلية، وأكثرها شيوعاً:
التناضح العكسي (RO)
يستخدم التناضح العكسي تدرج الضغط كقوة دافعة لتحريك مياه التغذية المالحة عالية الضغط عبر غشاء يمنع مرور 98% من أيونات الملح والجزيئات الأكبر منها، ويسمح بمرور المياه النقية فقط. تتدفق مياه التغذية عالية الضغط من خلال عدة أغشية فردية متسلسلة، تُجمع المياه العذبة في أنابيب لتُرسل للاستهلاك. تتوفر مياه التغذية المضغوطة عن طريق محرك يعمل بواسطة الطاقة الشمسية.
تعتمد الغالبية العظمى من محطات التحلية في العالم على أنظمة التناضح العكسي، لأنها الأكثر كفاءة.
التقطير الوميضي متعدد المراحل (MSF)
في التقطير الوميضي متعدد المراحل، تتنقل المياه المالحة عبر غرف متعددة. يتم فيها تسخين المياه إلى درجة حرارة عالية وتعريضها إلى ضغط مرتفع. مع مرور الماء تدريجياً عبر الغرف، ينخفض الضغط، ما يتسبب في غليان الماء بسرعة، وإنتاج البخار العذب في كل غرفة من غرف الغليان ثم يتم تكثيفه وجمعه.
التقطير متعدد التأثير (MED)
يعتمد التقطير متعدد التأثير على نفس المبدأ المستخدم في عملية التقطير الوميضي متعدد المراحل، لكن بدلاً من أن تمر المياه في غرف متعددة في وعاء واحد، تمر المياه في أوعية متتالية. يتكثف أيضاً بخار الماء العذب الناتج عن الغليان ويُجمع للاستهلاك بعد ذلك. تُعتبر هذه الطريقة أكثر كفاءة من سابقتها لأنها تتطلب ضغطاً ودرجات حرارة أقل، ويمكن زيادة عدد المراحل بسهولة إذا كانت هناك حاجة إلى ذلك.
اقرأ أيضاً: شركة أميركية تستخلص مياه الشرب في دبي بالاعتماد على الهواء والشمس
مميزات تحلية المياه بالطاقة الشمسية
يعود استخدام الطاقة الشمسية في تحلية المياه بعدة فوائد منها:
- الطاقة الشمسية هي مورد متجدد، لذا فهي خيار مستدام.
- التقليل من كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
- انخفاض التكلفة لأن الطاقة الشمسية مجانية.
اقرأ أيضاً: إليك أساليب الاستفادة من الطاقة الشمسية
عيوب تحلية المياه بالطاقة الشمسية
يوجد لتحلية المياه بالطاقة الشمسية بعض العيوب، وأبرزها:
- قد تكون التكلفة الأولية لتركيب نظام تحلية المياه بالطاقة الشمسية باهظة الثمن.
- غير فعّالة في إنتاج المياه مثل محطات تحلية المياه التقليدية، وبالتالي لا يمكن استخدامها إلا في المناطق التي لا تتوفر فيها المياه العذبة بكميات كافية.
- لا تعمل إلا في المواقع المشمسة.
- لا يمكن تشغيلها إلا في ساعات النهار، وعندما يكون الجو صحواً.