عندما يخسر الإنسان جزءاً من ساقه، يمكنه أن يستخدم طرفاً اصطناعياً يجعل التنقل أسهل. لكن معظم الأطراف الاصطناعية جامدة وخاملة وثقيلة ويصعب تحريكها. وقد ابتكر الباحثون واجهة تخاطبية عصبية جديدة تصل الطرف الآلي بالنهايات العصبية الموجودة في الفخذ، ما يتيح إمكانية التحكم في هذه الساق باستخدام الدماغ. نشرت مجلة طب الطبيعة (Nature Medicine) مؤخراً وصفاً لهذا الجهاز الجديد، الذي يمكن أن يساعد الأشخاص الذين بُتِرت أطرافهم السفلية على أن يشعروا كما لو أن أطرافهم الاصطناعية جزء فعلي من أجسادهم.
"عندما نسأل المريض: ما هو جسمك؟ فإن جوابه لا يتضمن الطرف الاصطناعي"، على حد قول المختص بالفيزياء الحيوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) هيو هير، وهو أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة. يمثل هذا العمل مسألة شخصية بالنسبة له، حيث فقد الجزء السفلي لكلتا ساقيه في حادث تسلق عندما كان عمره 17 عاماً. ويقول إن وصل الدماغ بالطرف الاصطناعي يمكن أن يجعل هذا الطرف أقرب إلى جزء من البنية الجسدية للشخص، وهو ما يمكن أن يُحدث أثراً عاطفياً إيجابياً.
اقرأ أيضاً: ابتكار جلد مرن يساعد في تطوير أطراف صناعية تستشعر الضغط والحرارة
وصل الواجهة التخاطبية العصبية مع الطرف الاصطناعي
يتطلب وصل الواجهة التخاطبية العصبية مع الطرف الاصطناعي خطوتين. تتضمن الخطوة الأولى إجراء عملية جراحية للمريض. فبعد بتر الجزء السفلي من الساق، يبقى أجزاء من عضلات قصبة الساق وربلتها. تتضمن العملية وصل عضلة القصبة، التي يؤدي تقلصها إلى انثناء الكاحل إلى الأعلى، مع عضلة الربلة، التي يؤدي تقلصها إلى حركة معاكسة للحركة السابقة. كما يمكن في هذه المرحلة إجراء القياسات الضرورية لتركيب الطرف الاصطناعي. يمكن أن تؤدي إعادة وصل ما تبقى من هذه العضلات إلى تمكين الطرف الاصطناعي من التحرك بصورة أكثر ديناميكية. كما يمكن أن تخفف آلام الطرف الشبحي، وتقلل احتمال تعرض المرضى إلى التعثر والسقوط.
تقول الرياضية الهاوية، إيمي بييترافيتا، التي خضعت لهذه العملية في 2018: "تؤدي هذه الجراحة بحد ذاتها إلى أثر إيجابي. أشعر بأنني استعدت ساقي". لكن الحركات الطبيعية تبقى محدودة عند عدم وصل الطرف الاصطناعي بالنظام العصبي.
في الخطوة الثانية، تتولى أقطاب سطحية قياس النشاط العصبي الصادر من الدماغ إلى عضلات القصبة والربلة، التي تشير إلى أن المستخدم ينوي تحريك الجزء السفلي من الساق. يستقبل كمبيوتر صغير ضمن الساق الآلية هذه الإشارات العصبية ويفكك ترميزها ويحرك الساق وفقاً لها، ما يزيد قدرة المريض على تحريك الطرف بصورة طبيعية.
يقول هير: "إذا كانت لديك أطراف حيوية سليمة، يمكنك أن تمشي على الدرج صعوداً وهبوطاً، على سبيل المثال، دون أن تفكر حتى فيما تفعله. إنه فعل لا إرادي". ويضيف قائلاً: "هذا ما يحدث مع مرضانا، لكن أطرافهم مصنوعة من التيتانيوم والسيليكون".
زيادة سرعة المشي عند استخدام هذه التكنولوجيا بنسبة 41%
أورد المؤلفون مقارنة حركية بين 7 مرضى يستخدمون الواجهة التخاطبية العصبية، ومجموعة من المرضى الذين لم يخضعوا للجراحة. وقد تبين أن المرضى الذين يستخدمون الواجهة التخاطبية العصبية قادرون على المشي بسرعة أكبر بنسبة 41%، إضافة إلى صعود السطوح المائلة والدرجات. كما يمكنهم أيضاً تفادي العوائق برشاقة أكبر، ويتمتعون بتوازن أفضل. وعبروا عن شعورهم بأن أطرافهم الاصطناعية كانت جزءاً من أجسادهم بحق، لا مجرد أدوات يستخدمونها في التنقل.
يقول مختص الهندسة الطبية الحيوية في جامعة كيس ويسترن ريزيرف، حامد شارخكار، الذي لم يشارك في الدراسة: "إنه نهج يتمتع برؤية مستقبلية. فأطرافنا ليست أحذية. ولا نرتديها فوق أجسادنا. إنها متصلة بأجسادنا بصورة متكاملة، وذلك من خلال العظام والعضلات والأعصاب".
اقرأ أيضاً: لماذا لم تُحسِّن التكنولوجيا الحيوية حياة المصابين بالشلل حتى الآن؟
قيود تجب مراعاتها في هذه الطريقة
لكن ثمة قيود يجب أخذها بعين الاعتبار. فمن الممكن إجراء الجراحة خلال عملية البتر أو بعد عدة أعوام، لكنها لن تحقق القدر نفسه من النجاح بالنسبة إلى كل مريض. فإذا أُجرِيَت العملية لاحقاً، على سبيل المثال، فمن المحتمل أن تكون عضلات الفخذ العلوية لدى بعض المرضى قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من الضمور بحيث لا يستطيعون الاستفادة من هذه العملية بالكامل.
أصبحت جراحة وصل عضلات القصبة والربلة تمثل معيار الرعاية المتبعة في مستشفى بريغام آند ويمنز (Brigham and Women’s Hospital) بمدينة بوسطن. لكن التطبيق السريري للأقطاب السطحية التي تمنح المرضى إمكانية التحكم العصبي الكامل في أطرافهم لن يدخل حيز التنفيذ قبل مرور بضعة أعوام. إضافة إلى هذا، فقد استُخدمت الواجهات التخاطبية العصبية ضمن البيئة المخبرية وحسب، ما يجعل دراسة أدائها في العالم الحقيقي مسألة بالغة الأهمية.
يأمل هير وفريقه في إم آي تي بتزويد المستخدمين بمستوى أعلى من التحكم في أطرافهم الاصطناعية. في المستقبل، من المرجح أن تتضمن مشاريعهم الاستعاضة عن الأقطاب السطحية بالكرات المغناطيسية، التي تستطيع تتبع التغيرات العضلية بدقة أعلى.
يقول هير: "هدفنا الحقيقي هو إعادة بناء أجسامنا، واستعادة قدراتها الكاملة". ولتحقيق هذا الطموح على أتم وجه، كما يقول، "يمثل تحقيق التكامل العصبي والاندماج التام مع الجسد هدفنا البعيد الأمد".