ينصّ أحد الأمثال الشهيرة على عدم وجود أيّ شيء حتميّ في هذه الحياة سوى الموت والضرائب. ولكن أحد الاكتشافات في سبعينيات القرن الماضي تسبب في التشكيك بحتميّة الموت، وذلك عند اكتشاف العلماء لأحد الأسرار الأساسية في البيولوجيا، وهو: التفسير الجزيئي لتقدمنا في العمر وموتنا.
وكان هذا التفسير مرتبطاً بالتيلوميرات؛ فهي بمثابة ساعات جزيئية متوضعة على نهايات الصبغيات (حيث يقصر طولها في كل مرة تنقسم فيها الخلية، مما يمنح الصبغي فترة حياة ثابتة تنتهي بانتهاء طولها). وتتجدد بعض الأنسجة (مثل بطانة القناة الهضمية) بشكل مستمر تقريباً، وقد وُجد أن هذه الأنسجة تحتوي على مستويات عالية من إنزيم يسمى التيلوميراز، الذي يعمل على إعادة بناء التيلوميرات وتوسيعها حتى تتمكن الخلايا من الانقسام دون التأثير على فترة حياتها.
كان هذا الاكتشاف سبباً كافياً لفوز العلماء إليزابيث بلاكبيرن، وكارول غرايدر، وجاك زوستاك بجائزة نوبل في عام 2009. ويكمُن السؤال فيما إذا كان بإمكان التيلوميراز حماية أي خلية من الشيخوخة أو إطالة عمر الكائنات الحية بأكملها أيضاً أم لا.
وعلى الرغم من أن علاجات إطالة التيلومير في الفئران قد أسفرت عن نتائج مثيرة للفضول، لم يقم أحد بإثبات أي فوائد لهذا التغيير في الساعات الجزيئية لدى البشر. ولكن لم يمنع هذا إحدى الشركات الأميركية الناشئة من الإعلان عن علاج وراثي يعزز التيلومير، بثمن باهظ.
فشركة ليبيلا ثيرابيوتيكس التي مقرها في مانهاتن- كانساس، تَدَّعي أنها تستطيع تقديم علاجٍ جينيٍ لإصلاح هذه التيلوميرات في عيادة بكولومبيا مقابل مليون دولار لكل جرعة. كما أعلنت الشركة في 21 نوفمبر أنها تقوم باستقطاب المرضى فيما يُطلق عليه "تجربة سريرية مدفوعة الأجر".
ولكن عليك أن تحذر، فهذه "التجربة" تتضمن إعطاء علاجٍ غير مثبت وغير مُجرّب، بل قد يكون ضاراً بصحتك.
وتقترح الشركة حقن المرضى بفيروسات تحمل الإرشادات الوراثية التي تحتاجها الخلايا للبدء بتصنيع نسخة التيلوميراز العكسية، وهو جزيء يُشارك في تمديد طول التيلوميرات.
يقول جيري شاي، الخبير العالمي للشيخوخة والسرطان في المركز الطبي بجنوب غرب جامعة تكساس: "إن مخاطر هذا العلاج هائلة. وهناك خطر تنشيط خلية ورميّة محتملة التسرطن تمتلك كل التعديلات باستثناء التيلوميراز، وخاصة في الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر".
ولسنوات حتى الآن، قدّم بعض أفراد الشركة ادعاءات متغيرة بشأن الدراسة، مما تسبّب في زيادة الشكوك حول الجهة المعنية، وزمن بدء العلاج، ومكان تطبيقه. وتُظهر قوائم التجارب المنشورة في أكتوبر على كلينيكال ترايلز clinicaltrials.gov خططًا لثلاث تجارب مرتبطة، تحتوي كل منها على خمسة مرضى. وتستهدف هذه التجارب مرض نقص التروية الحاد في الأطراف، ومرض ألزهايمر، والشيخوخة، على التوالي.
وقد قال جيف ماثيس، رئيس ليبيلا، لإم آي تي تكنولوجي ريفيو إن اثنين من المرضى قد دفعا بالفعل الرسومَ الهائلة للمشاركة في الدراسة: وهما امرأة تبلغ من العمر 90 عاماً ورجل يبلغ من العمر 79 عاماً، وكلاهما من مواطني الولايات المتحدة. وقال إن بإمكانهم تلقي العلاج الجيني بحلول الأسبوع الثاني من يناير 2020.
وقد أوضح خبراء الأخلاقيات أنّ دَفْع المرضى أموالاً طائلةً للمشاركة في دراسة علاج تجريبي يُعتبر خطاً أحمر. ويتساءل لي تيرنر، في مركز الأخلاقيات الحيوية بجامعة مينيسوتا: "ما المبرر الأخلاقي لدفع مرضى ألزهايمر لهذا المبلغ؟ لماذا يقوم المرضى المُعرضون لأخطار هذه التجربة بدفع الأموال؟".
وتقوم هذه الدراسة خارج الولايات المتحدة، حيث لم توافق عليها إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA. وتُشير التفاصيل المنشورة على كلينيكال ترايلز إلى أنه سيتم إعطاء الحقن في عيادة آي بي إس أركاسالود إس إيه إس الطبية في زيباكويرا، كولومبيا، على بُعد 40 كيلومتراً إلى الشمال من بوغوتا.
ويقول ماتيس عن خيار ليبيلا في بدء هذه الدراسة في الخارج: "في الولايات المتحدة، سيستغرق الأمر وقتاً أطول، وأموالاً أكثر، لإنجاز أي شيء في الوقت المناسب".
وأما بالنسبة لبعض المروّجين للعلاجات المضادة للشيخوخة، فهناك ما يبرر الحاجة الملحّة. كما يقول مايك فوسل، رئيس شركة تيلوسايت، وهي شركة تخطط للبدء بدراسة العلاج الجيني للتيلوميراز في الولايات المتحدة عند ترخيصها من قِبل إدارة الأغذية والعقاقير FDA: "تتمثل المعضلة الأخلاقية التي تُلاحق هذا العلاج في السؤال التالي: هل يجب علينا البدء فيه بسرعة مع انخفاض مصداقيته وثقة الناس فيه؟ أم علينا التحرك ببطء لكسب المزيد من المصداقية والقبول العالمي؟ ولكن البطء في البدء به سيتسبب في موت المزيد من الناس".
وقد كشفت تقاريرنا عن عدد من الأسئلة المتعلقة بالتجربة لم تتم الإجابة عنها بعد. ووفقاً للقوائم، فإن الباحث الرئيسي في هذه التجربة -وهو الطبيب المسؤول- يُدعى جورج أولوا، وهو جراح أوعية بدلاً من كونه دكتوراً مختصاً في نقل الجينات. يقول تيرنر: "لا أرى شخصاً ذا خبرة علمية مُناسبة".
علاوةً على ذلك، يقول بيل أندروز، وهو أحد كبار المسؤولين العلميين في ليبيلا، إنه لا يعرف من هو أولوا، على الرغم من وجود صور لهما معاً في قائمة أعضاء الفريق في موقع ليبيلا. وقال إنه اعتقد أن التجربة تُقاد من قِبل أطباء مختلفين.
كما أعرب تيرنر عن قلقه بشأن فترة المتابعة المُقترحة بعد العلاج، التي تبلغ مدة 10 أيام، كما نُشرت في معلومات هذه الدراسة بالخارج، حيث يقول: "إذا دفع شخص ما، وحضر، وتلقى علاجاً، وبقي لمدة وجيزة فقط، فكيف ستُجرى أسئلة المتابعة؟ وأين ستُجرى؟".
وغالباً ما تُشير الشركات التي تسعى إلى تجربة طريقة التيلومير إلى تجربة ماريا بلاسكو، العالمة الإسبانية التي صرّحت أن العلاج الجيني المطول للتيلومير قد أفاد الفئران ولم يُسبب السرطان. تقول بلاسكو، مديرة المركز الوطني الإسباني لأبحاث السرطان، إنها تعتقد أنه "يجب إجراء المزيد من الدراسات" قبل القيام بتجربة جينية مثيلة على شخص ما.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تُعلن فيها شركة ليبيلا بدء تجربتها على الفور. فقد زعمت في أواخر عام 2017 أن التجارب البشرية للعلاج بالتيلوميراز ستبدأ "في الأسابيع القليلة المُقبلة". وفي عام 2016، ادعى أندروز (الذي أصبح اليوم شريكاً في شركة التكنولوجيا الحيوية الناشئة بيوفيفا) أن بناء عيادة لعكس العمر في دولة وجزيرة فيجي سيُصبح واقعاً "قبل نهاية العام". ولم يحدث أي أمر من هذين الأمرين بعد.
كما تُحيط أسئلة مماثلة بمزاعم ليبيلا الأخيرة بقيام عميلين بدفع رسوم علاجهما بالكامل؛ حيث بيّن بيدرو فابيان دافالوس بيردوجو، مدير أركاسالود، وجود 3 مرضى ينتظرون العلاج في ديسمبر. لكن بيو أكسس، وهي منظمة أبحاث تعاقدية كولومبية تعمل على تسهيل تجربة ليبيلا، قالت إنه لم يتم تسجيل أي مريض بعد.
كما أنه ليس واضحاً من أين تحصل ليبيلا على الفيروسات اللازمة للعلاج. بالإضافة إلى أن شركة فيروفيك، وهي إحدى شركات التكنولوجيا الحيوية في كاليفورنيا التي حددتها عدة مصادر بأنها الشركة المسؤولة عن تصنيع عقاقير ليبيلا، لم تُجب على الأسئلة حول قيامها بإنتاج أي علاج بعد.