كيف حصد تحدي البورسلين المزيف عدداً كبيراً من المشاهدات على تيك توك؟

6 دقائق
كيف حصد تحدي البورسلين المزيف عدداً كبيراً من المشاهدات على تيك توك؟
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت/ ميتر/ إنفاتو، غيتي إيميدجيز

على الرغم مما يمكن أن تكون قد سمعته، فإن المراهقين لا يقومون بسرقة أطباق الطعام الفاخرة من بيوتهم، ووضعها في الخلاط، واستنشاق الغبار الناتج في "تحدي البورسلين". إنها مجرد شائعة أطلقها سيباستيان دورفي، وهو ممثل بعمر 23 سنة، وصانع محتوى على تيك توك (TikTok)، على أمل أن تصدقها مع انتشار الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي حول أحدث تحديات المراهقين الخطيرة.

تحدي البورسلين: شائعة مزيفة تحدث دويّاً

لقد كانت الشائعة مزيفة منذ البداية.

فقد أطلق دورفي نداءً إلى جميع متابعيه للعمل معاً على "إثارة ذعر البالغين حول تحدٍّ مزيف على تيك توك". واختار لهذا اسم تحدي البورسلين –وهو، مرة أخرى، من بنات أفكار دورفي- لأنه بدا أمراً يمكن أن يكون خطيراً، ولكنه ليس بأمر "يستطيع الشخص العادي القيام به بسهولة"، كما قال لي. إضافة إلى هذا، فإنه يتميز باسم جذاب. وبسرعة، حقق الفيديو الأصلي نصف مليون مشاهدة، كما أرفقته تيك توك بتحذير بسبب الترويج لأفعال خطرة.

وفي نفس الوقت، وعلى تيك توك، وفيسبوك (Facebook)، وتويتر (Twitter)، قام المشاركون في الحيلة بنشر مقاطع فيديو مع وسم #PorcelainChallenge يطلبون فيها من الناس نشر التحذيرات ومشاركة قصص حول إصابات ووفيات (مزيفة بالطبع) لمَن جربوا هذا التحدي. ويتضمن أحد المقاطع التي تتميز بالذكاء حيلة إضافية، حيث يزعم صانع المحتوى أن مقاطع الفيديو التي تتضمن تجربة التحدي تتعرض للحذف من قبل مراقبي تيك توك على الفور، وهي طريقة خبيثة لتفسير عدم وجود مقاطع فيديو لأي شخص ينفذ التحدي فعلياً.

اقرأ أيضاً: إغراءات مالية غير معلنة من يوتيوب لجذب صُناع المحتوى من تيك توك

تيك توك تحظر حساب دورفي

بعد أن تحدثنا بفترة قصيرة، أرسل دورفي هذا التحديث إليّ: فقد قامت تيك توك بحظر حسابه بشكل دائم (وهو حساب يتضمن 150,000 متابع)، وذلك بسبب التجربة على ما يبدو. لم تقدم الشركة أي سبب لإزالة الحساب بصورة دائمة، ولكنه يقول إنهم قاموا بإزالة مقطعي فيديو بسبب "الترويج للسلوك الخطر"، حيث يطلب إلى المشاهدين في أحدهما نشر تحذيرات حول تحديات البورسلين في مجموعات فيسبوك المحلية، أما في الآخر فقد قام بمشاركة لقطة شاشة لإحدى التغطيات الإعلامية المبكرة التي حظي بها عمله.

وأكدت تيك توك لاحقاً قيامها بحظر حساب دورفي، وقالت إنها تنظر إلى أي محتوى يروّج للسلوكيات الخطرة كانتهاك لقواعد مجتمع تيك توك، بما فيها المقاطع غير الحقيقية.

وقد قال لي في رسالة بالبريد الإلكتروني: "بطبيعة الحال، فإن هذه المقاطع وجميع المقاطع الأخرى التي أنتجتها لم تكن موجهة نحو تشجيع هذا التحدي، أو تأييده، أو عرض تنفيذه. إن ردة فعلهم على التحدي بحظري بالكامل، وكأن التحدي كان حقيقياً، هي نوعية الاستجابة المذعورة التلقائية واسعة النطاق التي كان من المفترض للتحدي أن ينتقدها في المقام الأول، والمفارقة التي حدثت هنا لا تمثل خسارة بالنسبة لي".

لقد كان دورفي يسعى إلى الحصول على المشاهدات، وقد حصل على مستوى عالٍ من المشاهدات قبل حظره. كما كان يسعى إلى دراسة الانتباه والغضب على الإنترنت. فإذا قام صانع المحتوى بجميع الخطوات التي يمكن أن تؤدي إلى الذعر الأخلاقي، فهل سيتغير أي شيء يتعلق بانتشار هذا المحتوى إذا كان التحدي نفسه وهمياً بالكامل؟

التحديات على تيك توك والذعر الأخلاقي تجاه الأطفال

لقد تحدثت عن حالات الذعر الأخلاقي بشأن الأطفال عدة مرات على مدى السنوات الماضية. وحالياً، نحن في موسم الذعر السنوي المعتاد، حيث يمكن أن يصاب الناس بالهلع لاحتمال وجود شموع ممزوجة بالمخدرات في أكياس الحلوى التي يحملها أطفالهم. وهذا الخوف، مع العديد من التحذيرات الأخرى من سكاكر قاتلة يمكن أن يقدمها أحد الجيران المرعبين إلى الأطفال، انتشر كل خريف على مدى عدة عقود بناءً على الاحتمالات والتفكير في المخاطر المتوقعة فقط، أما عند التدقيق في "البراهين" التي يقدمها مَن ينشرون هذه المخاوف، فسوف تجد أنها واهية.

ولكن هذا ليس مهماً. فمواقع التواصل الاجتماعي تعتمد على ردود الأفعال. فالمحتوى الذي يحقق أعلى انتشار يدفعك إلى مشاركته على الفور، بغض النظر عن الحقائق. وفي حالة تحديات المراهقين والأخطار التي يتعرض إليها الأطفال، فإن هذه التحذيرات غالباً ما يتم تمريرها من قبل مصادر تتمتع ببعض الصلاحيات في مجتمعاتهم، مثل صفحات فيسبوك لأقسام الشرطة المحلية، ووسائل الإعلام المحلية، ومسؤولي المدارس.

يقول دورفي: "لقد حاولت من قبل صياغة أخبار مزيفة تبدو مزيفة بالفعل، ولكنها تحقق انتشاراً سريعاً على أي حال". (وعلى سبيل المثال، حقق دورفي نجاحاً لافتاً في نشر شائعة مزيفة حول اليوتيوبر المخضرم هانك غرين، والذي تقول هذه الشائعة إنه تعرض للاعتقال عندما كان مراهقاً لمحاولته سرقة أحد حيوانات الليمور من إحدى حدائق الحيوانات).

وبعد إطلاق التحدي المزيف، أخذ دورفي وزملاؤه يراقبون وسم #PorcelainChallenge وهو يكتسب المزيد من الزخم، واحتفلوا عندما ظهر في أول عنوان إعلاني: تحدي البورسلين في تيك توك ليس حقيقياً، ولكنه لا يحتمل المزاح أيضاً. وتبع هذا العنوان سيل من العناوين الأخرى، والتي كان بعضها أكثر سذاجة من العناوين الأخرى.

ولكن المحتوى سريع الانتشار الذي يعتمد على ردود الفعل السريعة لا يدوم طويلاً. فعندما كنت أتحدث مع دورفي بعد مرور ثلاثة أيام على نشر الفيديو الأول حول تحدي البورسلين، كان قد أدرك أنه لن يحقق الانتشار الذي كان يرغب فيه. وسينتهي أمره.

ولكن، يمكن إعادة تنشيط اللحظات سريعة الانتشار بلمسة خفيفة من الانتباه، حيث تتحول إلى "تريند" يجدد نفسه باستمرار، ويتنشر عبر صفحات الأخبار ومجموعات الأهالي المذعورين في فيسبوك. إن إزالة السياق الأصلي لهذه الأخبار يجعلها أكثر تأثيراً. وغالباً ما تتمحور الادعاءات المريبة بشأن تحديات المراهقين سريعة الانتشار حول هذه الأخبار التي تشبه الأموات الأحياء (أو مخلوقات الزومبي)، وكأنها عادت إلى الحياة مرة أخرى بشكل أكثر تأثيراً وخطورة من المرة الأولى.

اقرأ أيضاً: كيف يشكل تطبيق تيك توك خطراً على أمان الأطفال الرقمي؟ وكيف يمكننا حمايتهم؟

تحديات الزومبي

ومقابل كل تحدٍّ يشبه "تحدي القرفة" (وهو تحدٍّ حقيقي حقق انتشاراً سريعاً في أوائل العقد الماضي، حيث وصل إلى جميع أرجاء يوتيوب، وأدى إلى إصابة المشاركين ببعض المضاعفات الصحية السيئة)، توجد أفكار أكثر غباء على الإنترنت ولا تحقق أي انتشار، إلى أن تتسبب بالذعر لدى شخص يجتذب جمهوراً كبيراً من الأهالي.

وعلى سبيل المثال، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية تحذيراً بشأن سَلق الدجاج في دواء نايكويل (NyQuil)، ما أدى إلى إثارة الذعر بسبب تقليعة يمكن أن تعرض حياة المراهقين والشباب للخطر من أجل الحصول على المزيد من المشاهدات. وبدلاً من ذلك، وكما أورد موقع بازفيد نيوز (Buzzfeed News)، فإن التحذير نفسه كان أعلى مادة متعلقة بدجاج نايكويل من حيث الانتشار، حيث أثار الاهتمام في "تريند" خامل.

وفي 2018، كان هناك "تحدي الواقي الذكري"، والذي حقق تغطية إعلامية واسعة الانتشار كأحدث تقليعة خطرة تدفع المراهقين إلى تنفيذها لاجتذاب الانتباه على الإنترنت، وقد تم اكتشافه بسبب حضور طاقم أخبار محلي لعرض تقديمي في إحدى مدارس تكساس حول المخاطر التي يواجهها المراهقون. في الواقع، لم يحقق تحدي الواقي الذكري سوى بضع لحظات من الاهتمام على الإنترنت في 2007 و2013، ولكن مقاطع الفيديو التي تبين المحاولات الفعلية لتنفيذ التحدي (باستنشاق واقٍ ذكري عبر إحدى فتحتي الأنف) كانت نادرة. وفي كل حالة، فإن الخوف من مشاركة المراهقين بأعداد كبيرة في تحدٍّ خطير كان أكثر مفعولاً في جذب جمهور أكبر نحو هذا التحدي من التحدي نفسه.

اقرأ أيضاً: أحدث مستجدات الحظر الذي لم يدخل حيز التنفيذ على تيك توك وويتشات

يحمل تحدي البورسلين جميع العناصر التي تؤهّله للتحول لاحقاً إلى محتوى زومبي. فالاسم المميز لوحده يكفي للفت النظر. كما أن مقاطع الفيديو والمنشورات المزروعة في كافة أنحاء منصات التواصل الاجتماعي من قبل متابعي دورفي –والجمهور الثانوي الذي اجتذبه عملهم- معقولة ولا تعتمد على أي سياق.

ولكن، وفي تطور جديد للأحداث، فإن محاولة دورفي للعبث مع المشاركين في هذه النكتة قد تؤدي إلى إعادة تنشيطها.

فعندما أدرك دوفري أنه اكتشف مجموعة كبيرة من الأشخاص المتحمسين لإثارة ذعر البالغين بالمساعدة على نشر تحدي البورسلين، أدرك أنه حان الوقت لتغيير أسلوبه قليلاً. وقال: "لقد قررت أن أقوم بقلب الجزء التالي من هذا المقلب على رؤوس جميع من اعتقدوا أنهم يشاركون في نشره فقط".

وهكذا، قام بنشر مقطع فيديو على تيك توك، حيث ظهر عنوان من قناة فوكس نيوز (Fox News) حول تحدي البورسلين، مع مقطع فيديو لشخص يبدو أنه ظهر على هذه القناة ذات التوجهات المحافظة حتى يتحدث بعصبية عن تراجع الأخلاق. وبطبيعة الحال، كان العنوان مزيفاً، أما مقطع الفيديو فقد انتُزِع من سياقه الأصلي. ولكن مقطع دورفي، والذي يظهر فيه وهو يشير إلى العنوان مدعياً أنه لا يصدق مدى نجاح خدعته، وصل إلى نقاش فرعي على قناة r/facepalm على موقع ريديت (Reddit). وحقق المنشور أكثر من 16,000 تصويت إيجابي. لم يشر العنوان إلى أن مقطع فوكس نيوز كان مزيفاً، حيث قال أحدهم: "لقد ابتدع أحدهم تحدياً مزيفاً على تيك توك، وبعد ثلاثة أيام، قامت فوكس نيوز بنشر مادة عنه".

وقبل أن نتحدث بفترة وجيزة، أتبع دورفي ذلك المقطع بمقطع مزيف آخر يبين ظهور تحدي البورسلين على قناة سي إن إن (CNN). وهو حدث مزيف آخر. وقد تمكن من خداع عدد كبير من مشاهديه على تيك توك.

اقرأ أيضاً: المخاطر التي يفرضها تطبيق “تيك توك” ليست مقصورة عليه مطلقاً

يقول دورفي: "لقد وصلتني العديد من التعليقات التي تقول أشياء مثل: ’يا للهول! ألم يعد أحد يتحقق من المصادر؟ إن نشر أشياء كهذه دون تدقيق الحقائق أمر محرج للغاية‘". "والمضحك في الأمر أنهم كانوا يشاهدون شيئاً مزيفاً تماماً، ويعلقون عليه".

وكما يبين هذا التحدي المزيف، فإنه لا أحد قادر على مقاومة الدافع الغريزي للمشاركة. فمتابعو دورفي كانوا مدفوعين بالحماسة الناجمة عن استهداف البالغين بمقلب، وتحول هذا الوعد إلى فخ، فمشاركة مقطع مزيف من فوكس نيوز سهلة مثل مشاركة تحذير عن دجاج نايكويل.

تواصلت مع دورفي في وقت لاحق. وقال إن حسابه ما زال محظوراً. ولكن الكثير من مقاطع الفيديو ومنشورات فيسبوك والتغريدات حول أخطار هذا التحدي ما زالت موجودة على الإنترنت. وخلافاً لمحتوى دوفري، فإن الكثير من هذه المقاطع والمنشورات لا تتضمن أي دلالة تشير إلى أن التحدي نفسه مجرد شيء خيالي. وهكذا، ستبقى هذه المواد موجودة، تنتظر نهاية دورة حياة تحدي البورسلين على الإنترنت. ومَن يدري، فهي مناسبة بشكل مثالي حتى تعود إلى النشاط لاحقاً.

المحتوى محمي