مع تدافع آلاف الشركات نحو الإعلان عن خططها للحد من التلوث الكربوني، تحولت مجموعة صغيرة تخوض اجتماعات طاولة مستديرة تضم مستشاري الاستدامة إلى هيئة تحكيمية معتمدة لتقييم الإجراءات المناخية للشركات.
تساعد مبادرة الأهداف العلمية -أو إس بي تي آي (SBTi) اختصاراً- الشركات على تطوير جداول زمنية لإجراءاتها الهادفة إلى تخفيف أثرها المناخي؛ وذلك عبر الجمع ما بين الحد من التلوث بغازات الدفيئة وإزالة ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
سيعمل هذا الفريق المؤلف من عدة عشرات من المحللين والخبراء التقنيين مع الشركات لتحديد أهداف لخفض حصتها من الانبعاثات، لقاء رسوم محددة، بمقدار وسرعة كافيين لمجاراة الجهود الدولية الرامية إلى الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، والإعلان عن هذه الأهداف. تقول مبادرة "إس بي تي آي"، إن الأهداف التي تضعها تهدف إلى التعبير عن التزام الشركات بجدول زمني موثوق للتخفيف من الانبعاثات أو القضاء عليها كلياً، بصورة متوافقة مع "أحدث أبحاث علم المناخ".
مبادرة تحقق نمواً سريعاً
بعد سنوات من العمل في مجال الاستدامة على نطاق صغير، بدأت هذه المبادرة تحقق نمواً سريعاً. فقد أقرت موافقتها على الجداول الزمنية لخفض الانبعاثات لأكثر من 2,600 شركة حتى الآن، بما فيها شركات كلٍّ من نستله (Nestle) وبيبسيكو (Pepsico) وآبل. تعمل المبادرة على تطوير الأهداف المناخية مع أكثر من 2,300 شركة أخرى، وتأمل بأن تحدد هذه الأهداف لما يصل إلى 10,000 شركة بحلول عام 2025.
إضافة إلى ذلك، فقد بدأت الحكومات تُبدي اهتمامها بعمل هذه المبادرة. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي 2022، اقترح البيت الأبيض مجموعة قواعد تلزم كبار المتعاقدين الفيدراليين بوضع خطط لخفض الانبعاثات معتمدة من سي بي تي آي.
لقد حازت المجموعة الاستحسان بفضل بعض سياساتها الأكثر صرامة، ولنجاحها في اجتذاب القطاع الخاص نحو خوض حوار بنَّاء حول الانبعاثات المناخية.
لكن تأثيرها المتزايد بدأ أيضاً بدفع بعض الجهات إلى التدقيق في عملها، إضافة إلى التساؤلات المطروحة حول دورها الذي وصل إلى درجة كبيرة من التوسع. بما أن مؤسسة واحدة تضع المعايير للكثير من كبرى شركات العالم، فمن المهم للغاية أن تكون هذه الأهداف المناخية موثوقة. والآن، يشكك عددٌ من الباحثين في مدى صرامة هذه المبادئ التوجيهية التي وضعتها مبادرة إس بي تي آي للشركات، وعدلها ووضوحها بالقدر الكافي.
يقول المنتقدون إن المبادرة تمنح الشركات مجالاً واسعاً من الحرية في كيفية تحديد أهدافها، وإنها تسمح لهذه الشركات بالاعتماد على أدوات معينة غير موثوقة للتعامل مع الانبعاثات، وإنها تفرض على الشركات الناشئة في البلدان الفقيرة المعايير ذاتها التي تفرضها على الجهات التي تسببت تاريخياً بمقادير هائلة من التلوث.
اقرأ أيضاً: مهندسون يعملون على سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتحويله لشكل مفيد من الكربون
وقد وجدت دراسات كثيرة أن الطرق التي تتبعها هذه المجموعة قد تبالغ في تقدير التقدُّم المناخي الذي أحرزته الشركات. يقول أحد أوائل المستشارين التقنيين للمؤسسة، بيل باو، الذي أصبح الآن أحد أكثر منتقديها حدة، إن الشركة أظهرت "نمطاً مستمراً من التجاهل للحقيقة والشفافية" في استجابتها لهذه الانتقادات.
أمّا الخطر الأوسع نطاقاً، كما يقول بعض الخبراء، فهو أن الجمهور لن يحصل بالضرورة على أفضل الأساليب لمواجهة المشكلة المناخية، حيث تتخذ الشركات خطوات انتقائية وحسب، في حين تخفق الحكومات إلى حدٍ كبير في إقرار قوانين صارمة للانبعاثات.
تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة تورنتو، جيسيكا غرين، التي تدرس كيفية تنظيم القطاع الخاص لذاته: "يقول المتفائلون إننا بحاجة إلى جميع الأدوات المتاحة، بما فيها هذه المبادرة التطوعية. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة ليست خاطئة، فإن الشركات تتبادل المديح والاستحسان بشأن إجراءات مناخية غير موثوقة بما يكفي للتعامل مع المشكلة المناخية".
من ناحية أخرى، فإن كبير المسؤولين التقنيين في المبادرة، ألبرتو كاريلو بينيدا، يدافع عن ممارسات المؤسسة، ويشير إلى أن الشركات التي عملت المبادرة معها خفّضت انبعاثاتها بوتيرة أسرع مما كان مطلوباً منها. ويؤكد أيضاً أن المبادرة تعمل على الاستجابة للمخاوف المطروحة.
يقول بينيدا: "لم يسبق لأحد قبلنا أن فعل ما فعلناه. وما إن بدأنا بهذا العمل، بدأنا نتعلم أيضاً ونكتسب معلومات جديدة باستمرار. فلا يزال هذا المجال في مرحلة التطور".
اقرأ أيضاً: وفقاً لتقرير الأمم المتحدة: إزالة الكربون لم تعد ترفاً بل ضرورة ملحة
وضع المعايير
وفقاً لاتفاقية باريس للمناخ التاريخية، التي تعود إلى عام 2015، التزمت معظم بلدان العالم بإبقاء الاحترار العالمي "أقل على نحو ملحوظ" من درجتين مئويتين، وتسعى جاهدة إلى حده عند عتبة 1.5 درجة مئوية. لكن هذه الدول لم تضع مساراً لتحقيق هذا الهدف، ولم تحدد الجهة المسؤولة عن تمهيده.
لهذا، وفي السنة ذاتها، اجتمعت مجموعة من خبراء الاستدامة من معهد الموارد العالمية والصندوق العالمي للطبيعة ومشروع الكشف عن الكربون (يحمل الآن اسم سي دي بي (CDP)) والميثاق العالمي للأمم المتحدة لتشكيل مبادرة الأهداف العلمية، إس بي تي آي. وضع اتحاد الشركات هذا عدة أساليب لتوزيع مسؤولية الشركات عن خفض الانبعاثات وتحقيق أهداف درجة الحرارة، وذلك على أساس القطاع وحجم الشركة وغيرها من العوامل.
يقول أحد الخبراء في سوق الكربون، والباحث الزميل في معهد قوانين وسياسات إزالة الكربون في الجامعة الأميركية، داني كولينوارد: "يرتبط كل شيء عملياً في حوكمة القطاع الخاص بالسؤال التالي: ما الذي ستفعله مبادرة إس بي تي آي؟".
يشيد المراقبون بالكثير من معايير المؤسسة، لا سيّما رفضها اتباع أسلوب تعويضات الكربون في تحقيق الأهداف. تُتيح تعويضات الكربون للشركات دفع مبالغ مالية لجهات أخرى لتخفيف الانبعاثات أو إزالة ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي عبر زراعة الأشجار، وإعادة تشجير الغابات، ومشاريع أخرى مماثلة، ثم احتساب الفوائد المناخية مقابل انبعاثاتها. ولكن ثمة الكثير من الدراسات والتحقيقات التي وجدت أن هذه البرامج تبالغ، وبصورة متكررة، في تقدير التقدم المناخي الفعلي.
في حين، ثمة آخرون ينسبون الفضل للمجموعة في إقناع نسبة متزايدة من القطاع الخاص باتخاذ خطوات مجدية للتعامل مع مشكلة الانبعاثات. تقول إس بي تي آي إن الشركات التي وضعت أهدافاً حازت موافقتها، تخفّض انبعاثاتها المباشرة عادةً بنسبة 12% في السنة، وهي نسبة تفوق ما تطلبه المؤسسة بكثير. إضافة إلى هذا، فقد أدّى وضع الأهداف إلى تأثير أوسع على هذا المجال أيضاً، حيث ساعد على رفع معايير الشركات الأخرى والمجموعات الأخرى المختصة بوضع المعايير، وذلك على حد تعبير المراقبين.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي يفرض العمل باتجاه إزالة الكربون من الجو لا التوقف عن إصداره فقط
اختيار المسار
تتمثل نقطة الانطلاق في النهج الذي وضعته إس بي تي آي بما أصبح معروفاً على مستوى العالم باسم "ميزانية الكربون". ووفقاً لتقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة، تستطيع بلدان العالم مجتمعة، إصدار 500 مليار طن متري إضافي فقط من ثنائي أوكسيد الكربون على مدى العقود الثلاثة المقبلة تقريباً، مع الحفاظ على نسبة نجاح تبلغ 50% في إبقاء الاحترار عند عتبة 1.5 درجة مئوية.
توزع المبادرة حصصاً من تلك الميزانية الكربونية على القطاعات والشركات، التي تجد بدورها بعد ذلك عدة خيارات متاحة في تحديد الأهداف. اختار ثلثا الشركات أبسط طريقة ممكنة، أي الالتزام بتخفيضات سنوية في الانبعاثات حتى 2030. ولتحقيق التوافق مع أهداف العتبة 1.5 درجة مئوية، تفرض المبادرة على الشركات التخطيط لخفض الانبعاثات على امتداد مفاصل سلسلة التوريد الخاصة بها بنسبة 4.2% على الأقل سنوياً. يذكر أن بعض الشركات، مثل تايسون فودز (Tyson Foods) وكارغيل (Cargill) وماكدونالدز (McDonald’s)، اختار هدفاً يتمثل بعتبة درجتين مئويتين، ولكن المبادرة توقفت مؤخراً عن الموافقة على الخطط الملتزمة بهذا الهدف الأقل صرامة.
عموماً، لا يوجد ما يلزم القطاع الخاص بخفض انبعاثاته قانونياً. لكن الشركات تتعرض إلى ضغوط متزايدة من المستثمرين والعملاء والناشطين وصُنّاع السياسات، كي تثبت أنها تأخذ مسألة الانبعاثات على محمل الجد، وأنها تعمل على معالجة المخاطر الجوهرية الناجمة عن التغيّر المناخي نفسه. بإمكان الشركات التي تحصل على موافقة إس بي تي آي التأكيد بأنها تفعل كلا الأمرين في غرف اجتماعات مجالس إداراتها، وتسويق المنتجات، والتواصل مع المستثمرين.
طوّرت إس بي تي آي عملية لقياس الانبعاثات الرئيسية للشركة، وذلك بناء على العمل من خلال بروتوكول غازات الدفيئة، وهو شراكة شبيهة بالمبادرة بين المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص تتولى تحديد معايير التبليغ عن الانبعاثات، ثم تصادق على الجدول الزمني للشركة لتخفيضها. تشدد المبادرة على أنها لا تقيّم الاستراتيجيات التي تستخدمها الشركات على وجه التحديد لتحقيق أهدافها، ولا تصادق عليها. لكنها فعلياً تمارس بعض الصلاحيات في التحكم باختيار هذه الأدوات، كما هو الحال في حظر استخدام التعويضات.
يمكن للشركات أيضاً أن تختار اتباع مسار محدد خاص بقطاعها، وهو خيار أكثر جاذبية عموماً بالنسبة لبعض المجالات والصناعات مثل الطيران، والإسمنت، والألمنيوم، التي يصعب تخليصها من الانبعاثات على وجه الخصوص باستخدام التكنولوجيات الحالية. في هذه الحالة، تحدد المبادرة حصص ميزانية الكربون على مستوى القطاعات وعلى مستوى الشركات ضمن كل قطاع منها، بناء على الأبحاث العلمية، وبيانات السوق، وتوجيهات خبراء القطاعات.
وطوّرت المبادرة أيضاً أهدافاً بعيدة المدى للتخلص من الانبعاثات نهائياً (صافي انبعاثات صفري)، وذلك كي تصل إلى مرحلة تصدر فيها الشركات من غازات الدفيئة فقط ما تستطيع إزالته من الغلاف الجوي على نحو موثوق ومتواصل بحلول عام 2050. وافقت المبادرة على أهداف كهذه لنحو 200 شركة، بما فيها كولغيت بالموليف (Colgate Palmolive)، وإتسي (Etsy) وآتش آند إم (H&M)،
وفي 2022، وافقت المبادرة على أهداف حددتها أكثر من 1,000 شركة. وقد يتعين على الشركات التي ترغب في تحديد أهدافها المناخية الآن أن تنتظر دورها لفترة قد تصل إلى 6 أشهر. يقول محلل السياسات في معهد سياسات الزراعة والتجارة، ستيف سوبان، إن الحجم الصغير لفريق المصادقة، الذي ازداد من 11 شخصاً في السنة الماضية إلى 15 شخصاً في 2023 يمثّل "أكبر تحدٍّ تواجهه مبادرة إس بي تي آي".
تفرض المبادرة على الشركات مراجعة أهدافها مرة واحدة على الأقل كل خمس سنوات، والعمل مع المؤسسة لمعايرة هذه الأهداف من جديد عند حدوث تغيرات كبيرة يمكن أن تؤثّر عليها. إضافة إلى هذا، تستعد المجموعة لتطبيق أساليب تخص مراقبة التزام الشركات بالمسار المحدد، والتحقق مما إذا كانت تحقق تقدماً على هذا المسار.
اقرأ أيضاً: شركات تحاول تسهيل عملية إعادة تدوير الألواح الشمسية
خط رفيع
تعتمد عملية توزيع ميزانية الكربون المحدودة على الشركات والقطاعات والمناطق كلٍّ على حدة، على افتراضات تتعلق بطبيعة اقتصاد المستقبل، وكيفية تحديد المسؤولية عن الإجراءات المناخية على نحو منصف.
يقول مدير مركز المؤسسات المستدامة مارك ماكيلروي، وهو عضو أصيل ضمن مجموعة الاستشارات التقنية للمبادرة: "هنا تفترق المعايير والمؤشرات عن العلم، وتدخل في مجال القيم والأخلاقيات والمبادئ".
على سبيل المثال، يقول بعض المنتقدين إن طرق المبادرة لا تولي أهمية كافية للمسؤولية التاريخية عن الاحترار الحالي، أو العوائق التي يمكن أن تواجه البلدان النامية في محاولتها للحد من الانبعاثات. وثمة مخاوف من التعامل مع الشركات الراسخة في المناطق الثرية، التي كانت تضخ الملوثات المناخية على مدى عقود كاملة، على قدم المساواة مع الشركات الناشئة في البلدان الفقيرة، التي لا تمتلك ما يكفي من الموارد لتغيير ممارساتها.
لهذا السبب، قال العلماء إن طرق المبادرة لا تدعم أحد مبادئ الأمم المتحدة الذي أُقرّ في 1992، والذي يقول إن البلدان الأكثر ثراءً يجب أن تتحمل نسبة أكبر من المسؤولية عن التخفيف من آثار التغيّر المناخي.
طوّر ماكيلروي إحدى الطرق القليلة لتحديد أهداف الانبعاثات للقطاع الخاص على نحو يأخذ بعين الاعتبار هذا المبدأ في الإنصاف على مستوى العالم. وتفرض هذه الطريقة أيضاً إعادة تقييم الأهداف سنوياً، وذلك لإرغام الشركات على اتخاذ المزيد من الإجراءات للبقاء ضمن حدود الميزانية الإجمالية للقطاع الذي تنتمي إليه مع مرور الوقت.
وفي دراسة تعود إلى عام 2021، وجد الزميل في مرحلة ما بعد الدكتوراة في الجامعة التقنية في الدنمارك، أنديرس بيورن، أن طرق المبادرة في تحديد الأهداف قد تبالغ في تراخيها مع الشركات، حيث تسمح للانبعاثات الإجمالية للقطاعات بتجاوز المقادير المسموحة في إطار هدف إبقاء الاحترار عند عتبة 1.5 درجة مئوية. وعندما اختبر دقة مجموعة متنوعة من هذه الطرق، وجد أن طريقة ماكيلروي، التي لا تستخدمها المبادرة، تحقق أداءً أفضل من حيث إبقاء الشركات ملتزمة بتحقيق هذه الأهداف.
يقول كولينوارد: "تعمل المبادرة على مسألة فائقة الدقة وغنية بالتفاصيل والمتغيرات. ففي بعض التطبيقات، يصبح مفهوم التعويضات الكربونية صالحاً للتطبيق تماماً".
اقرأ أيضاً: صندوق استثماري يخصص 350 مليون دولار لتمويل شركات ناشئة مختصة بإزالة الكربون
يبيّن أحد الأبحاث الحديثة التي أجراها كلٌّ من معهد نيو كلايميت (NewClimate) ومؤسسة كربون ماركيت ووتش (Carbon Market Watch) لمراقبة سوق الكربون أيضاً أن المبادرة تسمح لقطاعات معينة باللجوء إلى مشاريع شبيهة بفكرة التعويضات، شريطة أن تكون مدمجة ضمن عملياتها أو سلاسل التوريد الخاصة بها، وهي ممارسة يشيران إليها باسم "الإدراج". وفي تحقيق سابق، وجدت المؤسستان المذكورتان أعلاه أيضاً أن الشركات استفادت من إحدى سياسات المبادرة التي تسمح للشركات باختيار السنوات التي أصدرت فيها انبعاثات أعلى من المعتاد على وجه الخصوص لتكون نقطة انطلاق بالنسبة لها، ما يزيد من سهولة التخفيضات السنوية اللاحقة.
إضافة إلى هذا، أثارت المبادرة المخاوف إزاء التضارب المحتمل بين المصالح، الناجمة على وجه الخصوص من استيفائها للرسوم من الشركات التي تقيّمها، فهي تتقاضى رسوماً من الشركات لقاء خدماتها بمبالغ تتراوح بين 1,000 و 14,500 دولار، وفقاً لحجم الشركة وتعقيد أهدافها المناخية.
إضافة إلى ما سبق، ثمة مخاوف تتعلق بإزالة الكربون. ففي إطار خطط المبادرة لتحقيق انبعاثات صفرية، يمكن للشركات أن تعوّض ما يصل إلى 10% من انبعاثاتها عن طريق "الإزالة الدائمة" لثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي. تتوقع المبادرة أن تؤدي هذه الجهود إلى إزالة أثر ما يتراوح من 20 إلى 40 مليار طن من الانبعاثات بحلول عام 2050.
إلّا أن المبادرة لم توضّح الطريقة الفعلية لإزالة الكربون، فليست جميع تقنيات إزالة الكربون من الغلاف الجوي دائمة المفعول، والخيارات الموثوقة وطويلة الأمد ليست زهيدة التكاليف وغير متاحة على نطاق واسع بعد. في خضم هذه المخاوف، طلب تجمع من مجموعات البحث والشركات من إس بي تي آي أن تعرّف صفة "دائمة" على أنها تعني أن أثر الإزالة يجب أن يدوم ألف سنة على الأقل، وتشجيع الشركات على الاستثمار في تطوير الحلول التكنولوجية.
إضافة إلى ما سبق، ثمة ثغرتان واضحتان في العملية التي تتبناها إس بي تي آي؛ فتحقيق هدف إيقاف الاحترار عند 1.5 درجة مئوية يتطلب من كل شركة في العالم أن تخفّض انبعاثاتها عند مستويات سنوية متماثلة، إلّا أنه حتى الآن، فإن مساهمة الشركات التي حازت الموافقة على أهدافها والملتزمة بتطوير هذه الأهداف، لا تتجاوز 3 مليارات طن من ثنائي أوكسيد الكربون (أو غيره من غازات الدفيئة ذات التأثيرات الاحترارية المكافئة). وفي الوقت نفسه، ينتج العالم قرابة 41 مليار طن سنوياً بسبب استهلاك الطاقة فقط. من الجدير بالملاحظة أن المجموعة لا توافق في الوقت الحالي أيضاً على الأهداف التي تخص شركات قطاع الوقود الأحفوري، وهو مصدر النسبة العظمى من الانبعاثات البشرية. وحتى بوجود تخفيضات كبيرة في الانبعاثات على صعيد القطاعات الأخرى، فإن مفعولها على التغيّر المناخي سيبقى محدوداً دون إحداث تغييرات جذرية في طريقة عمل شركات النفط والغاز.
اقرأ أيضاً: مواجهة التغير المناخي: هل تتسرع الشركات بعقد آمالها على طحالب الكِلب؟
مواجهة التحديات
تقول إس بي تي آي إنها تجري تعديلات على بنيتها التنظيمية رداً على الانتقادات المختلفة. فقد وظّفت مديراً للامتثال للتعامل مع الشكاوى، وشكّلت مجلساً تقنياً لتدقيق القرارات التي يطغى عليها الطابع التقني، والموافقة عليها.
لكنها دافعت عن طرقها في تحديد الأهداف، قائلة إن الطرق الأخرى، بما فيها طريقة ماكيلروي، تعتمد على معايير اقتصادية متقلبة. وتُضيف الشركة أنه يجب تقييم طريقتها وفقاً للعديد من المعايير المختلفة، وأنها تجد من الضروري إحداث توازن بين البيانات العلمية الصارمة والتطبيق "المجدي". وعلى المنوال نفسه، تقول المبادرة إن الشركات يجب أن تكون قادرة على اختيار السنة التي تحدد البيانات المرجعية للانبعاثات، لأن الشركات تغيّر هيكلياتها كثيراً، وتعمل على تحسين المبادئ والقواعد المحاسبية الخاصة بالانبعاثات لديها باستمرار.
قالت المجموعة في بيان لها إنها تعمل على إدماج البيانات الإقليمية في عملها لضمان أن تكون الأهداف أكثر طموحاً، وأن تكون عادلة على مستوى العالم، وهي مسألة أخرى تُضاف إلى المسائل التي سينظر فيها المجلس التقني.
تعمل إس بي تي آي أيضاً مع بروتوكول غازات الدفيئة على تعزيز الشفافية، وتقييم ما إذا كان ينبغي تحديث السياسات المتعلقة باستخدام أرصدة الطاقات المتجددة. قالت المبادرة في بيانها: "ليس هذا التحدي فريداً من نوعه بالنسبة لإس بي تي آي، ولكنه تحدٍّ تلتزم المبادرة بمواجهته".
ترفض المجموعة الفكرة التي تقول إن أياً من الممارسات التي تسمح بها تؤدي إلى شكلٍ ما من أشكال التعويضات. وتقول إنه يجب بذل المزيد من الجهد لفهم الفوائد المناخية لطريقة "الإدراج"، وإنها ستقيّم هذه المشاريع حسب كل حالة على حدة.
أمّا بالنسبة للمخاوف إزاء تضارب المصالح، فتقول المبادرة إن رسومها تهدف فقط إلى ضمان قدرة المؤسسة على تلبية الطلب على خدماتها. وتقول إن النسبة الأكبر من تمويلها تعتمد على الصناديق والمؤسسات الخيرية. يقول بينيدا: "ليس لدينا أي مصالح تجارية على الإطلاق. ونتمتع باستقلال إداري كامل في تعاملنا مع الكيانات التي نقيّمها".
يشدد بينيدا على أن طرق شفط الكربون من الغلاف الجوي تمثّل جزءاً صغيراً من خطط المبادرة المعتمدة. ويُضيف قائلاً إن العالم "لا يستطيع أن يعتمد فعلياً على الاستخدام واسع النطاق" لطرق إزالة الكربون. ويقول: "بدلاً من ذلك، يجب أن نعتمد على إزالة الكربون بسرعة".
أخيراً، تخطط إس بي تي آي هذه السنة لنشر تفاصيل حول خططها لمراقبة مدى التزام الشركات بالمسار المحدد لها لتحقيق أهدافها، والإجراءات التي ستتخذها عند مخالفة هذا المسار.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعد الشركات في تحقيق متطلبات الاستدامة البيئية؟
تأمين التغطية
تأمل مبادرة إس بي تي آي بأن تقر الأهداف لشركات مسؤولة عن 5 مليارات طن من الانبعاثات السنوية، وتبلغ قيمتها الإجمالية 20 تريليون دولار، وذلك بحلول عام 2025. ولكن كل هذا يكاد لا يمثّل جزءاً صغيراً من التلوث المناخي العالمي. ويخشى البعض من أن معايير المجموعة يمكن أن تتراجع بدلاً من أن تصبح أقوى بدءاً من هذه المرحلة، مع انضمام المزيد من الشركات الكبرى إلى هذا المشروع، ومقاومتها للقواعد الأشد صرامة.
وفقاً لوجهة نظر غرين، فإن إس بي تي آي أقرب إلى نادٍ منها إلى جهة تنظيمية، وهي مهتمة بدفع الآخرين إلى المشاركة أكثر من اهتمامها بتغيير سلوكهم. تقول غرين إن هذه المبادرة ليست الخيار الوحيد، أو حتى الخيار الأفضل، لتعزيز الإجراءات المناخية. إنها الخيار الوحيد المتاح حالياً، بينما لا تزال البلدان حتى الآن تفتقر إلى الإرادة لإقرار قواعد صارمة للانبعاثات وفرضها، على الرغم من تنامي مخاطر التغير المناخي.