علم الشبكات الطبي والتعلم الآلي يساعدان في تحديد أدوية موجودة محتملة لكوفيد-19

3 دقائق
مصدر الصورة: ساينس إن إتش دي عبر أنسبلاش

بعد أكثر من أربعة أشهر على ظهور كوفيد-19، وبالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة للتصدي لهذا الوباء، ما زال هناك بعض الغموض حول الأعراض التي يسببها والأدوية التي قد تكون فعّالة في علاجه.

وفي هذا السياق، قام الأستاذ الجامعي المعروف ألبيرت لاسلو باربابازي ومجموعة من الباحثين من جامعة نورث ويسترن وهارفارد وبرمينجهام ومستشفى النساء في بوسطن بتطوير نموذج محاكاة ديناميكية لمرض كوفيد-19؛ من أجل فهم أعراض المرض وبناء قائمة بالأدوية المحتملة لعلاجه.

واعتمد الباحثون على علم الشبكات الطبي والتعلم الآلي والرياضيات المتقدمة والفيزياء من أجل رسم خريطة لكيفية تفاعل البروتينات ضمن خلايا الجسم عندما تتعرض لهجوم فيروس سارس-كوف-2 (وهو الاسم العلمي لفيروس كورونا) المسبب لمرض كوفيد-19. وقد تمّ نشر هذه الدراسة على موقع أركايف، ولكنها لم تخضع لمراجعة الأقران بعد.

ما هو علم الشبكات الطبّي؟

يعتبر نوعاً جديداً من العلوم الطبية، وكان باربابازي أول من استخدم هذا المصطلح ووضع أسسه في مقالة منشورة في مجلة نيو إنجلاند الطبية عام 2007. ويهتم باستخدام علم الشبكات في التعرّف على الأمراض وتطوير علاجات لها. وينطوي هذا العلم على دراسة العلاقات المتبادلة بين مجموعات كبيرة من الجينات والبروتينات والتفاعلات فيما بينها ومع العوامل الحيوية. وقد شهد استخداماً واسعاً على وجه الخصوص في الأبحاث المتعلقة بمرض السرطان والأوبئة.

علم الشبكات الطبي لفهم أعراض الإصابة بكوفيد-19:

بعد أن يدخل فيروس كورونا إلى الجسم، يسارع إلى الالتحام ببعض الخلايا باستخدام بروتيناته الشوكية ليسيطر عليها ويحولها إلى آلات لتوليد 29 بروتيناً فيروسياً تساهم في تكوين فيروس كورونا، والتي تستطيع الارتباط بعدد من البروتينات البشرية لإطلاق العمليات الجزيئية اللازمة لاستنساخ الفيروس.

يبدأ عمل النموذج بدراسة البروتينات التي يمكن أن يهاجمها فيروس كورونا للسيطرة على الخلايا داخل الجسم. ويعتمد الباحثون على دراسة سابقة كشفت تركيبة 26 بروتيناً من البروتينات المكوّنة لفيروس كورونا وحددت 332 بروتيناً بشرياً يمكن أن تلتحم بها. ثم يقوم الباحثون برسم خريطة توزع هذه البروتينات في 56 نسيجاً ضمن جسم الإنسان والتفاعلات الجزيئية بينها (أو ما يسمى إنتراكوم) من أجل تحديد الأعضاء والأنسجة التي يمكن للفيروس أن يغزوها.

شكل 1: توزع البروتينات التي يستهدفها فيروس كورونا.
المصدر: أركايف

ومن المثير للاهتمام اكتشاف الباحثين أن نسبة كبيرة من هذه البروتينات تتواجد في الرئتين. وهذا ما قد يفسر سبب ظهور أعراض الإصابة بكوفيد-19 بشكلٍ أساسي في الجهاز التنفسي؛ إذ إن فيروس كورونا يتألف من مجموعة من الوحدات الأساسية التي يمكن لكل منها أن ترتبط كيميائياً بشبكة من البروتينات المتفاعلة فيما بينها، ومعظم هذه البروتينات تتوضع في الأنسجة الرئوية.

والأكثر أهمية من ذلك، تكشف الدراسة عن وجود هذا النشاط التفاعلي بين البروتينات في أعضاء أخرى من الجسم؛ فقد اكتشف الباحثون وجود البروتينات التي يمكن أن تتفاعل مع بروتينات فيروس كورونا في عدة مناطق من الدماغ. وهذا ما قد يفسر فقدان حاستي الشم والتذوق أو الإصابة بجلطات دماغية عند بعض المرضى.

كما أشارت الدراسة إلى إمكانية ظهور تأثيرات لفيروس كورونا في أعضاء أخرى من الجسم مثل الأعضاء التناسلية والجهاز الهضمي (القولون والمريء والبنكرياس)، بالإضافة إلى الكلى والجلد والطحال، وهذا ما يمكن أن يفسر سبب اضطراب استجابة الجهاز المناعي عند بعض المرضى.

التعلم الآلي وعلم الشبكات الطبي لتحديد قائمة بالأدوية المرشحة لعلاج كوفيد-19

استخدم الفريق مجموعة من أدوات علم الشبكات الطبي لبناء قائمة بالأدوية الموجودة فعلاً وتصنيفها تبعاً لقدرتها على التفاعل مع البروتينات المعرَّضة لهجوم فيروس كورونا. كما استعان الفريق بتقنيات التعلم الآلي في تحليل البيانات المتوافرة حول الأدوية الموجودة حالياً وتلك التي في مرحلة الاختبارات السريرية ودراسة إمكانية استخدامها لمعالجة كوفيد-19.

وبالنتيجة، حصل الباحثون على قائمة تضم 81 دواء مرشحاً لإمكانية توظيفه في علاج كوفيد-19. بعضها تم اكتشافه سابقاً ويتم تجريبه حالياً، والبعض الآخر لم يتم أخذه بعين الاعتبار حتى الآن.

شكل 2: التفاعلات التي تستخدمها منصة الباحثين في اكتشاف الأدوية.
المصدر: أركايف

يركز النموذج ليس فقط على الأدوية التي يمكن أن تحارب الفيروس بتعطيل بروتينات الشوكة، وإنما أيضاً على الأدوية التي تعطِّل التفاعلات الأخرى بين البروتينات والجينات البشرية. وتستهدف هذه الأدوية مناطق داخل الخلية حيث يعمل الفيروس، عوضاً عن استهداف الفيروس بشكل مباشر. وبكلمات أخرى، تستهدف هذه الأدوية التأثير على طريقة ترميز البروتينات التي يحتاجها فيروس كورونا حتى يمارس نشاطه.

وكان أول الأدوية التي تنبأ النموذج بإمكانية استخدامها في علاج كوفيد-19 هو ريتونافير، المستخدم في معالجة مرض الإيدز. ويجري بالفعل العديد من التجارب السريرية لاستخدام هذا الدواء في علاج كوفيد-19. أما الدواء الثاني فهو آيزونيازيد، وهو مضاد بكتيري ومضاد لداء السل. ويأتي دواء ترولياندوميسين المضاد الحيوي ودواء سيلوستازول المستخدم في علاج الجلطات وأمراض القلب في المرتبتين الثالثة والرابعة على التوالي. ولا تجري حالياً أي تجارب سريرية على استخدام الأدوية الثلاثة في علاج كوفيد-19.

وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن الفريق يقوم بنشر مستجدات بحثهم على الإنترنت بشكل دوري في محاولة لمساعدة المجتمع العلمي في تسريع مواجهة مرض كوفيد-19.

المحتوى محمي