مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي وتوسعها وتغلغلها في حياة مستخدمي الإنترنت، نشأ عالم جديد لنشر الأخبار، حيث لم تعد عملية معرفة أهم ما يحدث في محيطك أو العالم تتطلب الجلوس أمام التلفاز لمشاهدة نشرة الأخبار التقليدية، بدلاً من ذلك يمكن لأي شخص المساهمة في دورة الأخبار من خلال منصات التواصل الاجتماعي. وفي حين أن هذا الأمر قد يكون مفيداً من ناحية السرعة وسهولة مواكبة كل جديد يحدث في أنحاء العالم كافة، فإنه أيضاً سلاح ذو حدين.
في سعيك نحو الحصول على تحديث لما يحدث في محيطك أو العالم، قد تقع دون قصد في دورة من المعلومات المضللة التي قد تشكّل لديك قناعة غير صحيحة حول ما يجري، وربما قد تُشارك أيضاً دون قصد في تغذية دورة الأخبار المضللة من خلال المسارعة بمشاركتها أو إنشاء منشور جديد في صفحتك تتناول فيه ما يجري بناءً على المعلومة المضللة التي قرأتها، فكيف يمكنك تجنب أن تكون ضحية للمعلومات المضللة؟ وما هي الخطوات التي يمكن اتباعها حتى لا تُسهم في انتشارها؟
كيف تنتشر المعلومات المضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي؟
يُعدّ الحافز المالي الذي يوفّره الإعلان عبر الإنترنت أحد العوامل الرئيسية وراء انتشار المعلومات المضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تعتمد أرباحه على عدد النقرات والمشاهدات التي يحققها، ومن ثَمَّ يمكن لهذا النموذج الاقتصادي أن يُنشئ حافزاً لإنتاج محتوى مضلل بغض النظر عن دقته وموثوقيته بغرض زيادة التفاعل مع المنشورات والذي يساعد بدوره الحساب الخاص بالمنصة على الانتشار أكثر.
اقرأ أيضاً: 8 طرق تساعدك على كشف الأخبار المزيفة عبر منصات التواصل الاجتماعي
ومع ذلك بالنسبة لمستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، يوجد العديد من العوامل التي تجعلهم أكثر ميلاً لنشر المعلومات المضللة من ضمنها:
- تزيد المشاعر القوية -وخاصة السلبية منها كالخوف والغضب والسخط- قابلية الفرد لتصديق المعلومات المضللة وميله لمشاركتها مع الآخرين، حيث تشير الأبحاث إلى أن المشاعر السلبية تساعد على تجاوز المستخدم عمليات التفكير العقلاني، ما يجعله أكثر ميلاً لنشرها داخل شبكته.
- تعزّز منصات التواصل الاجتماعي غرف الصدى، حيث يتعرض المستخدمون بشكلٍ متكرر لمعلومات تعزّز معتقداتهم الحالية مع استبعاد وجهات النظر المعارضة. يزيد هذا التحيز التأكيدي مصداقية المعلومات المضللة المتصورة داخل المجتمعات المعزولة ما يشجّع على انتشارها.
- غالباً ما تُشجّع أنظمة المكافآت مثل زر الإعجاب المستخدمين على إعطاء الأولوية لمشاركة المحتوى بغض النظر عن دقته، وهو ما يؤدي بمرور الوقت إلى انتشار سلوكيات تلقائية مثل مشاركة المعلومات دون تقييمها نقدياً.
- قد ينشر الناس خلال الأزمات أو المواقف غير المستقرة معلومات مضللة كآلية للتكيف لتخفيف القلق أو فهم السياقات الغامضة عندما تكون المعلومات الرسمية نادرة أو غير واضحة، حيث يلجأ الأفراد إلى مصادر غير رسمية أو شبكات أقران للحصول على إجابات، ما يؤدي إلى انتشار المعلومات المضللة عن غير قصد.
- توجد أقلية من المستخدمين تنشر معلومات مضللة عن عمد لأغراض التلاعب، مثل تحقيق أهداف سياسية أو الحصول على مكاسب مثل الشهرة، حيث غالباً ما يظهرون عدوانية غير مبررة عبر منشوراتهم لجذب أكبر عدد من المستخدمين للتفاعل معها، وتشكيل دورة من التعليقات والمشاركات تساعد على نشرها.
- في بعض الأحيان قد يضع المتابعون درجة عالية من الثقة في المعلومات المضللة التي تحتوي على أرقام ونسب مئوية وإحصائيات، ما يسهم في نشرها، حيث ينبع هذا التصور غالباً من الاعتقاد بأن الأرقام تمثّل حقائق دامغة خالية من التحيزات الذاتية.
اقرأ أيضاً: كيف تتجنب مشاركة المعلومات المغلوطة حول الحرب الروسية الأوكرانية على الإنترنت؟
كيف يمكنك تجنب الوقوع ضحية للمعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي؟
في حين أن الأخبار والتقارير التي تُنشر عبر وسائل الإعلام التقليدية والمواقع الموثوقة ذات السمعة الحسنة عادةً ما تمر بعدة دورات من التحقق من الحقائق قبل النشر، فإن مراعاة هذه المعايير في الأخبار التي تُنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي أقل بكثير، ما يمكن أن تجعل كل مستخدم بمثابة مراسل صحفي.
ومن ثَمَّ، مع صعوبة التحقق من صحة كل منشور تصادفه حتى لو لديك معرفة في التمييز بين الأخبار الموثوقة والمضللة وما أُنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي، إلّا أنه يمكنك تطبيق 4 استراتيجيات رئيسية لتفادي المساهمة في نشرها وهي:
1- تجنّب التفاعل مع كل ما تقرأه أو تشاهده أمامك قدر الإمكان
استخدام منصات التواصل الاجتماعي بالنسبة للكثير من المستخدمين يعتمد بشكلٍ أساسي على ردود الفعل العاطفية، فببساطة ترى شيئاً يعجبك، فتضغط على زر أعجبني، ومن ثَمَّ ستظهر خوارزمية التوصية الخاصة بالمنصة المزيد من المنشورات التي تعجبك والتي غالباً ما تقع ضمن الفئة نفسها من المنشورات التي أعجبت بها مسبقاً أو شاركتها.
ومع ذلك، فإن حلقة التغذية الراجعة هذه تعمل بعدة طرق مع المعلومات المضللة، حيث تستخدم الخوارزميات ردود الفعل الطبيعية بطريقة تعزّز نشرها، فكلما زادت احتمالية انتشار المنشور زادت ردود الفعل المحيطة به.
على سبيل المثال، عندما تُنشر قصة إخبارية مثيرة للجدل مثل المتعلقة بالأخبار السياسية أو الاقتصادية أو بحياة أحد المشاهير، فإنها قد تحصل على عاصفة من التعليقات وردود الفعل العاطفية المتباينة، وتُعدُّ هذه هي البيئة التي تزدهر فيها المعلومات المضللة، ومن ثَمَّ كلما رأيت المستخدمين يتجادلون في التعليقات أو يشاركون منشوراً ما بشكلٍ كثيف، لا تتفاعل معها وافعل بالخطوة الثانية أدناه.
2- أجرِ عملية التحقق الخاصة بك
عادةً يتطلب الفهم الحقيقي لأي قصة إخبارية ذهناً منفتحاً ووقتاً مخصصاً لتعقبها ومعرفة مصدرها، لذا إذا كنت تفكر في مشاركة خبر لست متأكداً منه، خُذ بعض الوقت وأجرِ بعض التحقق الشخصي من الحقائق، مثل قراءة المصادر ومدى موثوقية الحساب الذي نشر الخبر وغيرها.
ولمزيد من التأكد، يمكنك حتى زيارة الصفحة الناشرة للخبر والاطلاع سريعاً على ما نُشِر سابقاً. وبالنسبة للمواقع الإخبارية يمكنك زيارة الموقع الرسمي لها لمعرفة هل هي المصادر الوحيدة أم مجرد ناقلة للخبر. هذه الخطوات على الرغم من أنها قد لا تُناسب مَن يستهلك الأخبار بسرعة، فإنها قيمة لأنك في هذه الحالة ستسهم بطريقة غير مباشرة في الحد من نشر المعلومات المضللة وبناء عقلية أكثر نقداً تساعدك على تصفح منصات التواصل الاجتماعي بفاعلية دون الإضرار بصحتك العقلية.
اقرأ أيضاً: ما هي مزارع البوتات وما هي مخاطرها؟ وكيف يمكن الحماية منها؟
3- التحليل البصري للمنشورات
على الرغم من أن المحتوى المرئي أصبح من ضمن المنشورات الأكثر استخداماً عبر منصات التواصل الاجتماعي، فإنه في الوقت نفسه يُعدُّ من أبرز الأساليب التي تُستخدم لنشر المعلومات المضللة، ومن ثَمَّ قبل مشاركته أو الإعجاب به يمكن إلقاء نظرة سريعة عليه لتحديد ما إذا كان قد أُخرِج من سياقه أو أُنشئ رقمياً.
4- الاستعانة بمحركات البحث لإجراء تحقيق أكثر عمقاً
بمجرد الانتهاء من الخطوات الثلاث السابقة واكتشاف عدم موثوقية المنشور أو المعلومات المقدمة فيه، وفي حال أردت معرفة صحته لأي سبب من الأسباب، يمكن مباشرة الاستعانة بأحد محركات البحث للوصول إلى أصل المنشور ومعرفة هل ذكرت الجهات الرسمية موضوع المنشور أم لا وما هي الأسباب؟ وواصل طرح الأسئلة للوصول إلى حقيقة الأمر، وربما المساهمة في كشف زيفه عبر ذكرك عدم صحته عبر حسابك لتقليل انتشاره.
نصائح إضافية:
- تنمية مهارات التفكير النقدي والحفاظ على عادة الشك الصحي تجاه المعلومات المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي.
- تشجيع الأصدقاء وأفراد الأسرة على تطوير مهارات كشف المعلومات المضللة وكيفية البحث عن صحة الادعاءات المقدمة في منشورات منصات التواصل الاجتماعي.
- الحد من متابعة الحسابات التي لديها ميل كبير في نشر المعلومات المضللة.
- التوقف قليلاً قبل مشاركة المحتوى المشحون عاطفياً، لأنه مصممة بدقة لتجاوز مهارات التفكير النقدي لدى المستخدم.
- السعي للخروج من حالات التحيز التأكيدي الخاص بك والبحث بنشاط عن وجهات نظر متنوعة لتوسيع دائرة استهلاكك للمعلومات.
- الإبلاغ عن الحسابات التي تسهم في نشر المعلومات المضللة، ما قد يسهم في التقليل من انتشار القصص الإخبارية غير الدقيقة.